الانخفاض الكبير فى أسعار السيارات عالميا ينذر بمضاعفة الكارثة المنتظرة على القاهرة، والتى لم تعد تتحمل مزيدا من السيارات بعد الزيادة الكبيرة فى عدد السيارات التى تستقبلها شوارعها، والتى فاقت قدرتها الاستيعابية بأكثر من 400%، حيث يقدر عدد السيارات التى تجوب شوارع القاهرة ليلا ونهارا بنحو 2.5 مليون سيارة، فى حين قدرتها الاستيعابية لا تزيد على 500 ألف سيارة فقط.
وعلى الرغم من تأكيدات المسئولين فى مصر بأنه ليس هناك أى تخفيض فى جمارك السيارات، إلا أن أسعارها المنخفضة عالميا بنسبة زادت عن 40% حتى الآن سوف يعمل أولاً على خفض السعر الحقيقى للسيارة المستوردة بالكامل من الخارج، وبالتالى سوف تنخفض رسومها الجمركية المرتبطة أصلا بسعر المصنع، حيث تحدد الرسوم الجمركية وفقاً لنسبة مئوية لسعر السيارة فى المصنع، وإذا ما كانت السيارة تنتج محلياً فسوف يسرى عليها نفس الشروط، حيث ستنخفض مكونات الإنتاج بنسبة قد تزيد على الانخفاض فى السيارة تامة الصنع، وبالتالى ستكون مغرية بصورة أكثر للشراء فى السوق المحلى، ناهيك عن التنافس الشديد بين البنوك لتقديم التسهيلات لتمويل بيع السيارات، والتى كانت أهم سلعة على مدى العامين الأخيرين تقوم البنوك بتقديم الائتمان لها وبأقل الضمانات. حق الجميع أن يقتنى سيارة، ومن حق أى إنسان أن يقود سيارة، ولكن من حق المجتمع تنظيم تسيير السيارات فى الشوارع، التى أصبحت لا تتحمل مزيدا من السيارات، وأصبحت شوارع القاهرة شبه مصابة بالشلل التام فى جميع أوقات النهار وجزء كبير من الليل.
وعلى الرغم من صدور قانون المرور منذ أكثر من ثلاثة أشهر، إلا أننا لم نشعر به ولم يحل أى مشكلة خاصة، وأننا نعلم جميعا أن الحل ليس فى سن القوانين ولا فى القدرة على تطبيقها أو عدم تطبيقها، فالحل كان معروفا فى ضرورة توفير الطرق التى تسير عليها السيارات، التى تتدفق على القاهرة بصورة لا تتحملها تلك العاصمة القديمة، فشوارع القاهرة مصممة وفقا لنظام الشوارع الإنجليزية الضيقة، وحتى المناطق الجديدة صممت شوارعها أيضا بصورة أكثر ضيقا، ولم يراع فيها إمكانية التوسع المستقبلى، وفشلت كافة المحاولات لإعادة تخطيط تلك الشوارع مرة أخرى على أساس الاتجاه الواحد أو منع التقاطعات.
لقد حان الوقت للحلول الجذرية، ولم يعد هناك متسع من الوقت للمسكنات والتى فشلت حتى الآن.. لقد حان الوقت لاستبدال السيارات القديمة والمتهالكة.. وحان الوقت لاتخاذ قرار بتسيير السيارات ذات الأرقام الفردية ثلاثة أيام فى الأسبوع والأرقام الزوجية ثلاثة أيام.. وحان الوقت لتنظيم الدخول والخروج من القاهرة.. وحان الوقت أيضاً للامركزية الإدارية وقضاء مصالح المواطنين فى مقار إقامتهم فى المحافظات المختلفة، ولم يعد هناك ضرورة إلى القدوم إلى القاهرة العاصمة، لإنهاء مصلحة ما، والتى قد تستغرق أكثر من يوم. الأزمة المرورية أصبحت حقيقة تعانى منها غالبية دول العالم، إلا أن تلك الدول بدأت فى تنفيذ الحلول غير التقليدية.. لم تعد هناك دولة تنتظر أن تصاب شوارعها بالشلل حتى تفكر فى الحل.. الجميع يتسابق من أجل توفير الحلول والحلول البديلة، وهناك حلول كثيرة جاهزة على التنفيذ وتتناسب مع طبيعة مجتمعنا، المهم اتخاذ القرار السريع والمناسب فى الوقت المناسب بدلاً من الانتظار وترحيل المشكلة.
تفاقم الأزمة المرورية له تداعيات كثيرة ليس فقط على اكتظاظ الشوارع وإصابتها بالشلل، ولكن تأثيره المباشر على المزاج العام للمجتمع وزيادة الضغوط وتحطيم الأعصاب وأمراض العصر وزيادة حدة العصبية، والأكثر سوءاً انخفاض معدل الاستثمارات المباشرة، فمن الصعب أن تحاول أن تجذب مستثمراً لا يستطيع أن يصل إلى مقر عمله فى سهولة ويسر، أو أن يكون هناك تعطيل يومى فى قدوم العمال والموظفين إلى مقار عملهم، أو ذهاب الطلبة إلى مدارسهم، أو تعطيل سيارة الإسعاف التى تنقل المرضى بالساعات فى إشارات المرور، فى الوقت الذى يحتاج فيه المريض إلى الدقائق من أجل إنقاذه.
لقد حان وقت اتخاذ القرار بعيداً عن القوانين سابقة التجهيز، والتى لا تراعى طبيعة المشكلة، لقد حان الوقت لاتخاذ القرار وفقاً للمعطيات الحالية والمستقبلية وليس وفقاً للمعطيات السابقة. قال هنرى كيسنجر وزير الخارجية الأمريكى السابق "من المهم توفير الحل المناسب للمشكلة واتخاذه فى الوقت المناسب قبل أن تضيع المشكلة وتصبح مستعصية ولا ينفع معها أيه حلول".
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة