أثار الفيلمان المصريان التسجليان "ملف خاص" "ومارينا حلم الزبالين" واللذان عرضا فى إطار مسابقة المهر للأفلام الوثائقية فى الدورة الخامسة لمهرجان دبى السينمائى الدولى جدلاً كبيراً.
الفيلم الأول أثار نقاشاً إيجابياً حول مفهوم الشرف فى المجتمع المصرى والقهر الذكورى الذى تتعرض له المرأة والفتاة المصرية، حيث نجح مخرج الفيلم سعد هنداوى ومعه الصحفية أمل فوزى والتى شاركت هنداوى الإنتاج، وقامت بصياغة السيناريو فى رصد تلك الحالة بعمق شديد، من خلال التباين فى الشرائح التى انتقتها فى طرح الأسئلة المتعلقة بفكرة الشرف، والتى للأسف جاءت أجوبتها شديدة القسوة، وأكدت أننا أصبحنا نحيا فى مجتمع يسير للخلف بسرعة شديدة، فما زالت هناك عقلية تتعامل مع الفتاة بمنطق الوأد الذى كان يسود أيام الجاهلية.
ورغم أن الفيلم جاء أقرب إلى التحقيق التليفزيونى فى طرحه للقضية من خلال البحث والاستقصاء ومناقشة علماء النفس والاجتماع ورجال الدين وبعض النساء المهتمات بالقضايا النسائية، إلا أن المخرج استطاع خلق إيقاع سريع، كما حاول خلق معادل بصرى يرصد من خلاله القيود التى تحكم حياة المرأة من خلال الرقصات التعبيرية التى قامت بتأديتها الروائية نورا أمين.
وفى حين أثار ملف خاص تلك الحالة الإيجابية، جاء الفيلم الثانى"مارينا حلم الزبالين" للمخرجة المصرية المقيمة فى أمريكا إنجى واصف استياء المتابعين رغم تمييز المخرجة، وقدرتها على اختيار كادرات فنية شديدة الخصوصية، إلا أن الفيلم جاء شديدة القسوة ويحمل الكثير من التطرف الدينى فى رؤيته، وهذا النقد ليس من باب رفض ما يسمى بنشر "غسيلنا القذر" أو أن الفيلم يحمل إساءة لسمعة مصر تلك التهمة الفضفاضة التى تلقى فى وجوه الكثير من المبدعين الحقيقيين والذين يرغبون فى مناقشة كل مشاكلنا الشائكة، ولكن لأن الفيلم ببساطة يستفز كل ما هو إنسانى.
فالمخرجة التى اختارت منطقة الزبالين فى القاهرة والتى تقع بالقرب من جبل المقطم لتصور فيلمها مع إحدى الأسر التى تحيا فى ظل ظروف غير آدمية بالمرة. إلى هنا وقماشة الفيلم شديدة الإنسانية، خصوصاً فى ظل وجود تلك المرأة ربة المنزل والتى تعامل أولادها بحنان يأسر القلب، إضافة إلى تمييز وجوه الأطفال، ورغم الظروف الصعبة إلا أن الأم وأسرتها وجيرانها يلجأون كعادة كل المصريين إلى "الله" بمعنى آخر الاحتماء بالدين، فهو الملاذ بالنسبة لهم. لذلك هم شديدو الحرص على الذهاب إلى الكنسية بانتظام.
ونعرف من خلال نقاشات المخرجة مع الأسرة أن الأغلبية التى تعيش فى هذا المكان أغلبية مسيحية، وتبدأ المخرجة فى طرح أسئلة من نوعية: وماذا عن علاقتكم بجيرانكم المسلمين؟ وترد المرأة بتلقائية "عادى"إحنا كويسين مع بعض "وتلف المخرجة وتدور حتى تحصل على جمل من نوعية إحنا مقتصرين عنهم" وفجأة تتداخل الخيوط فلا تعرف هل الفيلم عن تلك الأسرة التى تحيا فى ظرف غير إٍنسانى أم عن الطقوس المسيحية، فالمخرجة لم تتردد فى تصوير مشهد طويل بالكنسية لأحد الآباء وهو يقوم بإخراج الشيطان من جسد امرأة، وطقوس دق الصليب.
ومما يدلل على تطرف الفيلم المشهد الذى قامت فيه المخرجة برصد الشارع المصرى والتوقف بالكاميرا أمام المحجبات اللائى يملأن شوارع القاهرة وصوت الأذان فى الخلفية، ووضع هذا المشهد مونتجيا بعد سؤال السيدة المسيحية عن المسلمين. نعم هناك أزمة مواطنة فى مصر ولكن المسئلة لا تناقش بتلك الفجاجة لأن العشوائيات تحفل أيضا بالمسلمين غير المتطرفين، ويبدو أن المخرجة لم تكتف بقسوة الواقع وأمعنت فى تصوير المشاهد الحياتية للأسرة بفجاجة شديدة حتى مشهد تناولهم العام وللأسف أضاعت على نفسها فرصة تقديم فيلم يحفل بكل ما هو إنسانى ..ويبدو أنها لم تحب تلك الأسرة التى صورت جزءا من حياتها لتؤكد وجهة نظرها المتعصبة أن مسيحيى مصر لا يعانون فقط من الفقر، ولكن من التعصب ضدهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة