تناولت الروائية د. سحر الموجى قضية الزميلة دينا عبد العليم، وفى مقالها المنشور اليوم الأحد بجريدة المصرى اليوم، وتاليا نص المقال المنشور ...
الرجم لتلك المارقة
بقلم د. سحر الموجى
بعد أن نشرت جريدة اليوم السابع فى عدد 5 ديسمبر 2008 موضوعاً عن "دينا" الفتاة المسلمة التى أحبت ثلاثة شباب مسيحيين قامت الدنيا عليها ولم تقعد، انهالت الردود على البريد الإلكترونى للجريدة تحمل استهجاناً وتطاولاً على الفتاة، هناك من اتهمها بأنها فبركت القصص وهناك من قال إنها "تصرفات هايفة"، و"لعب عيال"، وهناك من قال لها "اللى اختشوا ماتوا" لأنها اعترفت بهذا الأمر وأيضاً نشرت صورتها. وهناك من اتهمها بالفراغ والسطحية وأنها تعانى مرضاً نفسياً أو مراهقة لم تمر بها". وقد طالت قائمة الاتهامات عاكسة الغضب ومتهمة الجريدة بإثارة الفتنة واللعب بالنار.
النادر فى الردود على موضوع على موضوع "دينا" التى تنجذب فى كل قصة حب إلى شاب مسيحى هو احترام جرأة الفتاة وتدعيمها. وقد أثارت اهتمامى تلك الردود، ورأيتها مرآة عاكسة لمشكلات اجتماعية وتعقيدات. تأملت تلك الردود وأول ما رأيت فيها هو عادتنا الأصلية كمصريين وهى دفن الرأس فى الرمال وعدم الاعتراف بوجود مشكلة. ربما لا تمثل "دينا" كل الفتيات المسلمات، لكنها بالتأكيد تمثل شريحة من الفتيات والشباب من كلتا الديانتين إذ يختار القلب ما لا توافق عليه الأعراف الاجتماعية والأديان، وبدلاً من مناقشة موضوعية لمشكلة سنكون بلهاء لو تجاهلناها انهلنا بسياط اللغة نجلد الفتاة ونتهمها بكل ما تقع عليه أسلحة اللسان الفتاكة. تصوروا لو أن فتاة مسلمة أو مسيحية تعلن مثل هذا الأمر داخل بيتها فما الذى سيحدث لها؟ّ!.
اللافت للنظر أيضاً فى قصة "دينا" هو حكايتها عن مقاومة مشاعرها ووضع حد لكل من هذه القصص، لقد قامت هى مع نفسها بدور الرقيب الاجتماعى وأذعنت للعرف الذى يحول بينها وبين اختيار القلب. لكن هذا لم يشفع لها لدى حاملى لواء الأخلاق والفضيلة الذين تجاهلوا جهادها مع نفسها وترجيحها كفة المجتمع الرافض مثل هذا الارتباط. فى تأملى هذا الموقف رأيت أصحابه مثل الطفل الصغير الذى يغلق عينيه فيظن أن لا أحد يراه! إن ردود الفعل تجاه قصة "دينا" تؤكد أننا مجتمع عاشق للخفاء والعتمة، مجتمع يخبر شبابه أن بإمكانكم أن تفعلوا أى شئ، لكن لا تخبرونا عما تفعلون. مجتمع يفضل نعمة الجهل على نقمة المواجهة، وكشف مناطق الضعف والاعتراف بها من أجل تقويمها. إنه ذات المجتمع الذى منع الكثير من الشباب والفتيات أن يعترفوا بأنهم أيضاً قد عانوا أو يعانون من هذا المأزق. لم يجرؤ أحدهم على الاعتراف رغم أن الرد الإلكترونى يخفى هوية صاحبة. وخيراً فعلوا وإلا كانوا قد سكبوا المزيد من البنزين على نار قد اشتعلت بالفعل بسبب قصة واحدة.
المشكلة، كما أراها، لا تكمن فى قصة "دينا" فى ذاتها، ولكن فى طريقة تعامل المجتمع مع صوت الشباب عامة ومشكلاتهم، وهى كثر لو تعرفون، تبدأ تلك المشكلات داخل حدود البيت والأسرة الصغيرة، التى لا تعرف كيف تبنى جسور الثقة والمحبة مع الأبناء فيكبرون وقد افتقدوا التواصل الحميم داخل بيوتهم، وبعد أن تعرضوا لغسيل المخ المسمى بالعملية التعليمية يدخلون إلى الجامعة ليستكملوا ذلك المشوار القائم على التلقين والاعتماد على قدسية كلام الأستاذ، وبالتالى إلغاء الفردية أو طمسها إلى أقصى درجة. وماذا يفعل الصوت الخافت لهؤلاء الأساتذة الذين يحاولون تشجيع الطالب على التفكير والإبداع وسط بحر الأصوات الهادر التى تظن فى نفسها امتلاك سلطة المعرفة! كيف نتوقع من مثل هذا الشباب الذى تعرض لجميع أنواع القهر الفكرى والاجتماعى أن يبنى غداً مشرقاً! وإذا نجحت بعض الأصوات الفردية من العملية القمعية متكاملة الأركان وتكلمت فمصيرها كما مصير دينا، الرجم والجلد بل الإعدام إن استطاعوا بأسلحة اللسان.
مسكين شباب هذا البلد الكهل، لقد أتوا إلى الحياة بعد أن تم تدجين أجيال بأكلها، والمطلوب منهم إما أن يستسلموا إلى نفس التدجين وإما أن يلقوا مصير من مرق.
سحر الموجى تكتب عن قضية "دينا عبد العليم": الرجم لتلك المارقة
الأحد، 14 ديسمبر 2008 11:51 ص