1200 قضية يفحصها القاضى أسبوعياً

مصر كلها أمام القضاء

السبت، 13 ديسمبر 2008 02:15 م
مصر كلها أمام القضاء المواطنون لديهم حالة من عدم الرضا تظهر فى شكل قضايا
كتب - سحر طلعت

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
خلافات مستمرة ومشاجرات فى العمل والشارع والمواصلات وفى المنزل يتم تحرير محاضر بها فى أقسام الشرطة, بينما كان ينتهى معظمها فى الماضى بالاعتذار، هذه الخلافات أطاحت بالعلاقات الأسرية والجيرة وعلاقات العمل وآداب الشارع وأخلاق أبناء البلد, وهو ما ضاعف من أعداد القضايا بالمحاكم ودفع بالشعب كله إلى المثول أمام القضاء, بعد أن اختفت إلى حد كبير المجالس العرفية واحترام الوسطاء الذين كانوا ينهون معظم الخلافات ويختصرون سنوات من الصراع بين الأهالى, وهو صراع يسلب منهم ومن الدولة الوقت والجهد ويكلفهم مبالغ كبيرة لمواصلة القضايا أمام المحاكم.

فى حى الساحل بالقاهرة كان أمجد سعد (42 سنة) مهندس كمبيوتر فى طريقه إلى منزله مستقلاً سيارته وأثناء دخوله الشارع الذى يقطن به, وهو شارع لا يزيد عرضه عن خمسة أمتار اختلت عجلة القيادة فى يده لتدهس السيارة الطفل حسن (9 سنوات) نجل أحد جيرانه هنا انتفض الشارع كله الذى يقطنه 20 قبطياً وأكثر من 500 مسلم, خاصة أن مهندس الكمبيوتر قبطياً ورغم علاقات المودة والجيرة الحسنة التى تجمع الجانبين, إلا أن الجميع فقد اتزانه وتفكيره وأعصابه فور إصابة الطفل الذى تم نقله إلى المستشفى لإسعافه, بينما تم تحطيم السيارة من جانب أسرة الطفل وإبلاغ الشرطة التى حاصرت المكان.

لم ينتج عن حادثة الساحل دماء وقتلى وجرحى مثلما حدث فى واقعة شهدتها محافظة الجيزة وبالتحديد مركز البدرشين التى تسبب فيها قيام ربة منزل بسكب جردل ماء بالشارع أمام منزلها أثناء مرور أحد أفراد عائلة مسعد التى تجاور عائلة الناظر, وهى العائلة التى تنتمى إليها ربة المنزل بالشارع، العائلتان منذ زمن تقيمان معاً وقد نشبت بينهما صراعات وخلافات عديدة انتهت بالاعتذار عقب تدخل مشايخ العائلات لعقد جلسات عرفية, لكن الخلاف الأخير أخذ شكلاً آخر فقد تطاولت عائلة مسعد على عائلة الناظر, وهو التطاول الذى تحول إلى أعيرة نارية ومعركة بالبنادق الآلية انتهت بمقتل ثلاثة أشخاص من العائلتين وإصابة اثنين بسبب جردل ماء.

الأعصاب منفلتة
الأعصاب المنفلتة انتابت المجتمع كله فقد سجلت محاضر الشرطة الكثير من القضايا والمشاجرات داخل الأسرة الواحدة, فقد قام أحمد عبد الرحمن (32 سنة) حاصل على دبلوم زراعة بتحرير محضر ضد عمه عبد الرحمن محمود (55 سنة) بقسم شرطة ثان أسيوط بسبب مشاجرة بين الاثنين على بناء حائط بين منزليهما, وهو سبب الذى أدى إلى مشادة داخل العائلة وانضمام أفرادها, كل إلى طرف, وهو ما دفع بالشاب إلى تحرير محضر ضد عمه وتم استعدائهما إلى النيابة لتتحول القضية إلى المحكمة, وهى إجراءات تتجاوز تكاليفها أضعاف تكاليف بناء الحائط والأرض المقامة عليها.

لم تسلم الأحزاب والهيئات الحكومية والخاصة من الخلافات التى وصلت إلى ساحات المحاكم, ففى نقابة المحاميين أكوام من القضايا تم رفعها من جانب بعض أعضاء المجلس لإقصاء سامح عاشور من منصبه كنقيب للمحامين, وعانت نقابة المهندسين من الخلافات التى وصلت بها منذ سنوات إلى وضعها تحت الحراسة, كما أن هذه الخلافات والمشكلات والقضايا لم تنحصر بين طبقات دون أخرى, فقد توالت الدعاوى أمام القضاء ضد ولصالح وزراء بالحكومة ولواءات بالداخلية ومستشارين بوزارة العدل, والأخيرة شهدت هى الأخرى صراعاً كبيراً مؤخراً بين ممدوح مرعى وزير العدل وقضاة مجلس الدولة ونادى القضاء الجالس.

جمال تاج الدين عضو مجلس إدارة نقابة المحامين أكد أن زيادة القضايا أمر يجب تناوله, فكلما مر الوقت زادت المشاكل فلم يعد هناك صبر لحل الخلافات بالطرق العادية, ولذا فنرى أن المحكمة أصبحت ممتلئة عن آخرها بأى نوع من القضايا, سواء الهام منها أو التافه الذى يلجأ إليه بعض محبى الشهرة والظهور, مضيفاً تاج أن القاضى عند نظره لكل تلك الدعاوى يصاب بنوع من الضغط النفسى بعد أن يفحص أكثر من 1200 قضية فى أسبوع عمله لمدة ثلاث أيام فقط, وارجع تاج ذلك إلى بعد المواطنين عن الشريعة الإسلامية وتفشى الفساد.

وتبنى تاج فكرة المحاكم الموازية الشبيهة بالمحاكمة الأهلية غير الحكومية, مؤكداً أن ذلك وحده كفيل بإيقاف سيل القضايا المنهمر على المحاكم بأنواعها, ولكن هل سيلجأ إليها المواطنون تاركين المحاكم الحكومية.

هدف الدولة
أما المهندس طارق النبراوى عضو نقابة المهندسين فذكر, أن كثرة القضايا هو هدف الدولة التى لا تريد تنفيذ الأحكام أو تحترمها, بل تقوم بالالتفاف حولها فهى سلبت الجمعيات العمومية دورها بتطبيقها قانون رقم 100 لسنة 1993, وهو ما يؤدى إلى لجوء النقابات وعلى رأسها نقابة المهندسين التى ظلت بلا نقيب لأكثر من عشرين عاماً, مما اضطرها إلى اللجوء إلى ساحات القضاء للحصول على أحقيتها فى إجراء انتخابات ورغم صدور ذلك القرار, إلا أن محكمة جنوب القاهرة لم تقم بتنفيذه وقامت بالاستشكال فيه رغم أن أحكام القضاء الإدارى واجبة التنفيذ ولا يجوز تعطيلها, مما يعد مماطلة لا مبرر لها سوى المزيد من الأزمات والمشاكل التى زادت من الضغط على القضاة وأدخلت بعضهم طرفاً فى تلك النزاعات, وأضاف النبرواى أن الدولة بذلك تكون مستفيدة لأنها ليس لديها استعداداً لممارسة أعضاء النقابة لأدوارهم التى كفلها القانون, مؤكداً أن قانون 100 هو قانون فاشل.

المعاناة اليومية التى يعانيها القضاء يومياً أرجعه حسن عبد الفضيل الخبير الاقتصادى إلى حالة عدم الرضا لدى جميع المواطنين سواء كانوا أفراداً أو نقابات أو أحزاباً, وذلك لشعورهم بالظلم وعدم اهتمام الدولة التى تفاجئهم بقرارات صادمة يومياً فى رفع أسعار السلع الضرورية أو مواد البناء بصورة سريعة لم تحدث من سنوات طويلة بهم, إضافة إلى انتشار الفساد وتفشيه بشكل مبالغ فيه وسط خرس حكومى, وهو ما يدفع الجميع إلى إعلان اعتراضهم واحتجاجهم على ذلك, فلا أحكام قضائية تنفذ أو أزمات حزبية أو نقابية يتم حلها بالطرق المتعارف عليها فالكل مضغوط.

ويستطرد حسن عبد الفضيل حرية التعبير تحولت فى مصر إلى مجرد إقامة دعاوى قضائية أغلبها تكون ضد الحكومة أو من أفراد أو هيئات ضد الوزارء الذين اعتادوا على عدم الاكتراث أو الاهتمام, وأضاف الخبير الاقتصادى أيضاً أن المجتمع فى حالة غليان, وهو ما يظنه جلياً على صفحات الحوادث التى تعلن بشكل صارخ وجود خلل وظلم شديد لدى المواطنين الذين لا يجدون سوى المحاكم أملاً فى التنفيس عما بهم فى ظل ارتفاع الأسعار وانخفاض الأجور.

محامو شهرة
المحاكم بجانب نظرها لقضايا هامة عرفت عدداً من محامى الشهرة الذين يزيدون من الأعباء الملقاة على كاهل القضاء الذى لا يفرق وقت تداوله للدعاوى ما إذا كانت بغرض الشهرة أو للصالح العام, وعلى رأس هؤلاء المحامين نبيه الوحش الذى لا يترك أى مناسبة دون أن يضع بصماته عليها, ففور إعلان هروب عصام الحضرى قام بمطالبة المسئولين بإسقاط الجنسية عنه ورده كافة الجوائز والكؤوس الحاصل عليها, أيضا فى أزمة الإعلامية هالة سرحان قام نبيه بتبنى الفتيات اللائى ظهرن فى برنامجها هالة شو كفتيات ليل ليدافع عنهن ويطالب بمحاكمة الإعلامية الشهيرة, أيضاً فى قضية التنصير برز اسم نبيه الوحش فى واقعة تعديه على المحامى نجيب جبرائيل مستخدماً حذائه, أيضاً طالب بإقامة الحد وتكفير الفنانة عبير صبرى فور خلعها الحجاب.

ومن هؤلاء المحامين نبيه البهى الذى أقام دعوى للمطالبة بتوسعة كوبرى 6 أكتوبر بعد توقف العمل به, وطالب أيضا بإيقاف فيلم هى فوضى فور عرضه مدعياً أثارته للفتنة وإحداث فوضى بالشارع المصرى, أيضا أقحم البهى نفسه فى قضية مسرحية نوال السعداوى التى طلب وزير الثقافة فيها بمصادرة أعمال الكاتبة ووقف تداول مسرحيتها التى اعترها تنادى للزندقة والهرطقة.

محام آخر يقوم برفع أكثر من دعوى يومياً, وهو الدكتور حامد صديق الباحث بالمركز القومى للبحوث والذى تضامن مع الشيخ يوسف البدرى فى قضية الختان والتى ألغى فيها وزير الصحة إجراء تلك العملية, ولكنهما خاصماه لمطالبته بالعدول عن قراره وسبق وقام حامد صديق أيضا بمطالبته بإلغاء قراره بغلقه لمحلات الدواجن لمواجهة أزمة أنفلونزا الطيور, بالإضافة إلى طلبه حل الحزب الوطنى.

أما عبد المجيد العنانى فدائماً ما يقوم برفع العديد من القضايا الخاصة فقط بالديانات, حيث أقام برفع دعوى طعن على الحكم الأخير الصادر للبهائيين والمرتدين ولكل ما يمس العقيدة الإسلامية, ورغم أن كل تلك الطعون يتم رفضها إلا أن هؤلاء المحامين انضموا دون عملهم فى تدشين الرأى العام وإقامة مئات القضايا بلا أدنى مبرر فى جميع المجالات.

بحثا عن أحكام سريعة
أكد محمود نجدى مستشار بهيئة النيابة الإدارية, أنه لابد من إعادة صياغة العديد من مواد القانون بحيث يتم إصدار أحكام سريعة فى القضايا, خاصة أن بعضها يتعلق بمشاريع اقتصادية قد تعود بالنفع على الاقتصاد القومى, وهى معطلة أمام القضاء بفعل استخدام المحامين لمواد القانون المطاطة, وأشار نجدى إلى أن عملية وجود لجان للمصالحة وفض المنازعات لا تعترف بها سوى المجتمعات الريفية والقبائل المجودة بالصعيد وسيناء وبعض محافظات الدلتا, أما المدينة وتعاملاتها فلا تعترف بالوساطة وهو ما أدى إلى وجود ملايين القضايا بالمحاكمة تنتظر الفصل فيها.

لمعلوماتك

رصد تقرير الإحصاء القضائى الأخير أن هناك 17 مليون قضية أمام المحاكم, وهو ما يوازى قضية لكل مواطن إذا ما استثنينا الأطفال والنساء, فى حين أن عدد المستشارين لا يزيدون عن 10 آلاف مستشار, وهو ما يعنى أن هناك تفاوتاً كبيراً بين عدد المستشارين والقضايا, فكل مستشار يجب عليه الفصل فى 1500 قضية فى العام, وهى الأرقام التى تشير إلى تزايد منازعات المصريين وزيادة معدل الجريمة فى الشارع المصرى الذى واكبته الضغوط السياسية والاقتصادية فى الفترة الأخيرة.

وقد قسم تقرير الإحصاء القضائى القضايا إلى مدنية ويبلغ عددها 2 مليون قضية, أما القضايا الجنائية فتصل إلى 14 مليون قضية ومليون وسبعمائة ألف هى قضايا الأحوال الشخصية.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة