عاد المسئولون فى الحكومة لرفع راية "الحوار المجتمعى" مباشرة، بعد الإعلان عن المشروع الجديد لتوزيع أصول الدولة، فوزير الاستثمار يلتقى قيادات حزب التجمع، ويصطحب أمين السياسات بالحزب الوطنى فى زيارته للاتحاد العام للنقابات لمناقشة المشروع. الزيارات فى حد ذاتها تعكس نية الحكومة فى تطبيق مبدأ الشفافية الذى تردده باستمرار. لكن نتيجة الحوارات السابقة لا تعبر عن ذلك، فالحكومة دأبت على استخدام هذا الشعار فى مساعيها لاستخدام القيادات الحزبية، والبرلمانية، والنقابية، وممثلو المجتمع المدنى "كمحلل" لتمرير قراراتها، وتنجح خلال ذلك فى استقطاب بعض "المحللين" للترويج لهذه القرارات وإقناع المواطنين بها، لتبدو فى آخر الأمر وكأنها كانت نتيجة لمشاركة حقيقية من جميع الأطراف.
فقرار رفع الأسعار تم تمريره فى مايو الماضى من خلال مجلس الشعب مباشرة بعد علاوة الثلاثين فى المائة التى أقرها الرئيس مبارك فى عيد العمال. حيث قدمت لجنة الخطة والموازنة التى يرأسها أحمد عز فى الخامس من مايو تقريرًا إلى مجلس الشعب يقترح رفع أسعار البنزين والسولار والمحروقات والغاز بين 40 و50%، إضافةً إلى فرض ضرائب جديدة على السيارات ووسائل النقل ورفع أسعار تذاكر المواصلات بحجة تدبير الموارد المالية لتغطية علاوة الرئيس. وفى ثلاث جلسات ساخنة تمت فى اليوم نفسه انتهى المجلس إلى إقرار الزيادة، على الرغم من رفض كل ممثلين المعارضة والمستقلين للزيادة التى أقرها الرئيس مبارك فى اليوم التالى. وكانت الجلسة الأخيرة قد شهدت تواجداً غير مسبوق من نواب الحزب الوطنى الذين صوت أغلبهم بالموافقة. وبعد أقل من ٤٨ ساعة من إقرار الزيادة صدر قرار برفع مكافآت وبدلات النواب ٣٠%.
وفى مارس 2007 ألقى الرئيس مبارك كلمة بمناسبة الاستفتاء على تعديل 34 مادة من مواد الدستور، وصف فيها التعديلات بأنها كانت نتيجة لحوار مجتمعى غير مسبوق "علنى وصريح شارك فيه نواب الشعب والمفكرون والكتاب وممثلو الأحزاب ورموز المجتمع المدنى". هذا فيما كانت أحزاب وجماعات المعارضة الرئيسية فى مصر قد اتفقت على رفض التعديلات ومقاطعة الاستفتاء. وفى اليوم المقرر للاستفتاء شهدت اللجان تواجداً أمنياً مكثفاً، وقامت القيادات النقابية والعمالية ورجال الأعمال وأعضاء مجلس الشعب عن الحزب الوطنى بشحن الناخبين من أماكن عملهم وسكناهم وتوصيلهم حتى لجانهم الانتخابية ومتابعة قيامهم بالتصويت بنعم للتعديلات الدستورية، وخلت المصالح الحكومية والهيئات من العاملين، وفيما عدا ذلك لم يتجاوز إقبال المواطنين على المشاركة فى الاستفتاء 5%، ليصدق الرئيس مبارك فى أبريل 2007 على تعديل الدستور.
أما مشروع قانون الوظيفة العامة والمطروح على مائدة "الحوار المجتمعى" منذ عدة سنوات، فما زالت بنوده محل جدل كبير. فعلى الرغم من الزيارات المكوكية التى قام بها الوزير فضلاً عن الدكتور صفوت النحاس رئيس الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة للترويج للمشروع منذ العام 2005 لم يتم عرضه حتى الآن على مجلس الشعب. الدكتور أحمد درويش وزير التنمية الإدارية يعلن فى كل مناسبة أن المانع أمام طرحه هو تكدس الأجندة البرلمانية. إلا أنه فى الوقت نفسه يعترف بعد تأجيل المشروع فى الدورة البرلمانية الماضية أن "اللجنة المكلفة بوضع المقترح النهائى للقانون ستستمر فى عملها ولن تتوقف".
فالمشروع لم ينل حتى الآن رضا القدر الكافى من "المحللين" الذى يسمح للدولة بتمريره على مجلس الشعب بما فى ذلك الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، الذى أعرب عن قلقه حيال المشروع معتبراً إياه سيؤدى إلى مشاكل اجتماعية ستضر بالصالح العام.
وفى حين لم يكف عن الترويج لمشروع القانون فى أكثر من مناسبة هذا العام، إلا أنه يصر على أن "الجميع متفق على قواعد الموارد البشرية بالقانون باستثناء مواد قليلة نتيجة الثقافة العامة لدى الشعب المصرى"، وهو ما يعنى أن مشروع القانون بعد أن قضى سنوات من المشاركة المجتمعية، سيتم إقراره بصرف النظر عن عدم الرضا عنه، وبحجة "ثقافة الشعب المصرى".
فهل سيلقى مشروع الصكوك نفس المصير؟ أم أن الحكومة جادة هذه المرة فى "الحوار المجتمعى" من دون اللجوء "للمحللين"؟
تلجأ له الدولة لتمرير القرارات والترويج لها بدعوى"الحوار المجتمعى"
مجلس الشعب.. إلى متى يلعب دور "محلل" القرارات الحكومية؟
الخميس، 11 ديسمبر 2008 10:49 ص