صبرى سعيد

اختراق نقابة المحامين طبقاً لرجائى عطية

الخميس، 11 ديسمبر 2008 11:01 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إننا فى شتى مناحى حياتنا، أعضاء فى جماعات ورابطات مختلفة، من أسر وروابط جيرة وأندية ووحدات عمل إلى أمم ودول.. وفى كل هذه التجمعات، من أصغرها إلى أكبرها، ينبغى اتخاذ القرارات لحساب الجماعة ككل بشأن الأهداف التى ينبغى توخيها، وبشأن القواعد التى ينبغى اتباعها، وبشأن توزيع المسئوليات والمناصب بين أعضاء الجماعة، ويمكن أن تسمى هذه قرارات جماعية، مقابلة بالقرارات الفردية التى يتخذها الناس بالأصالة عن أنفسهم وحدهم.. والديمقراطية إنما تتعلق بهذا المجال من اتخاذ القرارات بطريقة جماعية، وهى تجسد المثل الأعلى الذى يتلخص فى وجوب اتخاذ هذه القرارات التى تؤثر على الجماعة ككل بواسطة جميع أعضائها وأن يكون لكل منهم نفس الحقوق فى المشاركة فى اتخاذها، فالديمقراطية بهذا المعنى تنطوى على مبدأين توأمين، هما الرقابة على اتخاذ القرارات فى هذا الإطار الجماعى، والمساواة فى الحقوق فى ممارسة هذه الرقابة.

وكما نؤكد دائماً، أن الديمقراطية لا تتعلق فقط بمجال الدولة أو الحكومة حسب ما ينزع الناس عادة إلى اعتقاده، وإنما المبادئ الديمقراطية ذات صلة وثيقة بالاتخاذ الجماعى للقرارات فى أى نوع من التجمعات، ذلك أن هناك فى الواقع علاقة هامة بين الديمقراطية على مستوى الدولة أو الحكومة وبين الديمقراطية فى المؤسسات المجتمعية الأخرى كالنقابات. وهناك أربع مكونات أو كتل بناء رئيسية لديمقراطية فاعلة وهى: انتخابات حرة وعادلة فى كافة التجمعات، وحكومة منفتحة يمكن مساءلتها، وحقوق مدنية وسياسية، ومجتمع ديمقراطى أو مدنى، بما يشتمل على مؤسسات مدنية ونقابات وأحزاب وغير ذلك.

وتشير فكرة المجتمع المدنى إلى حاجة الديمقراطية إلى وجود رابطات مدنية من جميع الأنواع تنظم فى استقلال عن الدولة، والمبدأ الأساسى هو ألا تكون هذه الرابطات مستقلة فحسب، وإنما أيضاً ديمقراطية من الداخل، فالديمقراطية على مستوى الدولة ستكون ضعيفة الجذور إذا كان المجتمع يدار بطريقة استبدادية أو أن الرابطات والتجمعات الأخرى تدار بطريقة استبدادية.. وأن هذه الرابطات والتجمعات مستقلة عن الدولة، وفوق كل ذلك تكون شبكة مزدهرة من الطوعية فى جميع مجالات الحياة الاجتماعية.. والنقابات – تحديداً- تكتسب دوراً خاصاً للدفاع عن الديمقراطية وتعزيزها.. وأن هذه النقابات فى المجتمع الديمقراطى لابد وأن تمارس استقلالها وأن تتوفر لها السلطة لتغير جوانب معينة من سياسات الحكومة أو حتى لإحباطها.. وهذا لا يتأتى إلا بعدم التدخل فى شئون النقابات أو انتخاباتها تحت أية ذريعة، وأن تترك لأصحاب المهنة يختارون من يعبر عن طموحاتهم ويرضى تطلعاتهم ويطور من كفاءة المهنة.

فإذا صح ما قاله الفقيه القانونى رجائى عطية- المرشح لمنصب نقيب المحامين- من دعم وتأييد للحزب الوطنى لسامح عاشور، فهو تدخل فى غير محله.. وإذا صح أيضاً ما وصفه رجائى عطية من أن هناك تدخلاً من الإدارة المصرية وقصد بها بعض أعوان الحكومة فى الحملات الانتخابية للنقابة، فهو يعد إخلالاً بمبدأ استقلالية النقابة مما سينعكس بالضرورة على ديمقراطيتها.. أما إذا كان أيضاً ما ذكره بشأن أن السيد سامح عاشور مستشار سياسى لإحدى المؤسسات التى حصلت على مبالغ مالية تتجاوز مئات الآلاف من الجنيهات من هيئة المعونة الأمريكية، صحيحاً، فهو يعد كذلك اختراقاً ليس للدولة فحسب، وإنما لهذه الرابطات المجتمعية خاصة المهنية منها كالنقابات والتى تنال من استقلالها وتهدر هيبتها. وعندما ذكرت فى سياق حديثى.. إذا صح ذلك أكثر من مرة فلا يعنى ذلك تشكيكاً فيما قاله رجائى عطية، ولكن يعنى- وأنا على يقين من صدق ما ذكره- أن ذلك يعنى الكارثة بعينها..
فاستقلال رابطات ومؤسسات المجتمع المدنى خاصة النقابات المهنية، أمراً هاماً فى مجتمع ينشد الديمقراطية.. وأيضاً لابد من أن يكون التنظيم الداخلى لهذه النقابات ديمقراطياً وألا تطولها أجهزة الأمن أو سيطرة أى حزب عليها حتى ولو كان الحزب الحاكم.. فالنقابات تكتسب أهميتها وفعاليتها من استقلالها ودفاعها عن الديمقراطية وتعزيزها.. ففى بيئة من حرية التعبير وحرية الانضمام إلى هذه النقابات المهنية، ينتظر منها أن تنمو تلقائياً مع إدراك المجتمع ككل للحاجة إلى هذه النقابات لتنظيم شئون المهنة والارتقاء بها والدفاع عن أعضائها.

ولا يجوز على وجه الإطلاق أن تنال أية جهة أو حزب أو جماعة من النقابات حريتها أو استقلالها.. فالنقابات ولدت لتكون حضناً للمهنة وأعضائها وتكون مستقلة ذاتياً وديمقراطية البناء، وبالتالي، فإذا صح أن هناك تدخلات فى مسيرة انتخابات نقابة المحامين كما يقول رجائى عطية، وأن هناك شبهة للتدخلات لمصلحة مرشح ضد آخر، فهذا هو العيب ذاته وهذا هو التدليس بلغة القانونيين الذى سينال من نقابة مدنية عريقة زودت مصر بعقول وكفاءات قانونية جبارة على مدار عقود طويلة.. كما أثرت الحياة السياسية والقانونية المصرية على مدار عقود طويلة، فكيف وفى هذه المرحلة تحديداً – مرحلة الحراك والتفاعل السياسى البناء والرشيد- أن تمارس مثل هذه السياسات التدخلية والمعيبة فى مسيرة انتخابات هذه النقابة..
ولذلك، نأمل أن تنأى أية جهة حكومية كانت أو حزبية أو أمنية بالتدخل فى شئون النقابة العريقة- نقابة المحامين- وأن يتصدى مهنيو النقابة وشيوخها وحكماءها لمثل هذه التدخلات، تحت أية حجة أو ذريعة.. وأتصور أن ما قاله رجائى عطية يمثل خطراً جماً على مسار نقابة الحق والعدل، ويمثل منعطفاً مهماً فى تاريخ الحراك السياسى المصرى الراهن.. فمن المهم الآن أن يتكاتف جموع المحامين لاختيار الأنسب والأصلح فيما يخص النهوض بالمهنة وإعلاء كفاءة الأداء وتنمية المهارات بعيداً عن أية توجهات سياسية أو انتماءات حزبية، فالنقابة أولاً لأبناء المهنة أجمعين، قبل أن تكون منبراً للتعبير.. ودورها الرئيسى هو النهوض بالمهنة وتطوير أداء أعضائها والحفاظ على مصالحهم وليس هتافات وشعارات ومظاهرات.. وأتمنى أن تكون رسالة رجائى عطية قد وصلت، كما أتمنى أن تصل رسالتى أيضاً...





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة