بات التساؤل عن كيفية دمج واستيعاب جماعة الإخوان المسلمين فى الحياة تساؤلاً متكرراً خلال السنوات الأخيرة، وهو ما انعكس أيضاً على الإجابات التى باتت متكررة أكثر، والملاحظة الأولى على هذا التساؤل هى أننا لا نتحدث عن دمج الإخوان على المستوى الاجتماعى، فهم بالفعل مندمجون فى المجتمع المصرى بجميع شرائحه وطبقاته الاجتماعية بدرجات مختلفة، بل إن وجودهم القوى على الساحة السياسية ليس سوى انعكاس مباشر لاندماجهم الفعال والنشيط فى مختلف مناحى وأنشطة المجتمع.
من هنا، فإن الحديث عن دمج الإخوان على المستوى الاجتماعى لا معنى له فى التساؤل عن كيفية دمجهم، فالمعنى ينصرف فقط وبدون مواربة إلى دمجهم على الصعيد السياسى الشرعى، وبالتالى فإن دمج الإخوان يعنى هنا منحهم الشرعية القانونية للتحرك فى المجتمع المصرى كقوة سياسية معترف بها، وتحظى بحقوق متساوية مع القوى الأخرى.
والحقيقة أن هذا التساؤل لم يكن مطروحاً سواء بالنسبة للإخوان أو لتيار الإسلام السياسى السلمى كله خلال التاريخ المصرى الحديث منذ محمد على باشا سوى فى المرحلة التى تلت صراع الإخوان مع ثورة 23 يوليو 1952 وإصدار قرار حلهم كجماعة عام 1954، ففى خلال كل المراحل السابقة على هذا التاريخ ظلت مختلف الأشكال التى اتخذها تيار الإسلام السياسى وبداخله الإخوان، سواء كانت أحزاباً أم جمعيات أم جماعات، تحظى بالشرعية القانونية والمجتمعية معاً، مما جعل التساؤل حول دمجه غير مطروح من الأصل، ويوضح هذا أن الإشكالية الرئيسية فى دمج الإخوان فى الوقت الحالى تكمن فى الرفض الحاسم من النظام السياسى المصرى لمنح الجماعة أى نوع من الشرعية القانونية سواء على الصعيد السياسى أو على صعيد المجتمع المدنى، وهو الأمر الذى تأكد بالتعديلات الدستورية الأخيرة وما لحقها من تغييرات فى القوانين المنظمة للحياة السياسية فى البلاد، ويعنى هذا أن دمج الإخوان على الصعيدين يستلزم أولاً وقبل كل شىء تغييرا جوهريا وجذريا فى قرار النظام المصرى المتواصل منذ عام 1954 بإقصائهم من المجال الشرعى القانونى، وهو الأمر الذى لا يبدو أن هناك أى مؤشرات على إمكانية حدوثه فى أية لحظه فى ظل النظام السياسى الحالى.
لكن عدم تحقق هذا الشرط الجوهرى لدمج الإخوان لا يعنى بالضرورة أن إمكانية دمجهم تظل منعدمة، فلا زال فى يد الإخوان أنفسهم ما يمكنهم من تحويل هذه القضية إلى واحدة من الاهتمامات الرئيسية للمجتمع السياسى المصرى بما قد يؤدى إلى تعديل ذلك القرار الحكومى باستبعادهم، ويتطلب ذلك حدوث تغيير جوهرى وحركى فى موقف جماعة الإخوان نفسها من قضية الحصول على الشرعية القانونية لوجودهم، بحيث تتخلى عن الحجج التى تعلنها لتبرير عدم مبادرتها إلى تأسيس حزب سياسى مدنى كما تطرحه فى أدبياتها السياسية، فمن الواضح أن هناك تخوفاً أو تردداً حقيقياً بداخل صفوفها من الإقدام على تلك الخطوة التى توضح جميع المؤشرات أنه لا مهرب لها منها مهما طال الوقت، ويعنى إقدام الجماعة على تلك الخطوة القانونية وضع قضية دمجها فى الحياة السياسية الشرعية للبلاد كحزب سياسى على قمة جدول أعمال الحوار العام فى مصر، بما قد يمكن من وضع النظام السياسى أمام اختيارات عملية عاجلة عليه أن يحسمها.
وتستلزم تلك الخطوة أن تحسم الجماعة فى برنامج حزبها المقترح موقفها من القواعد الرئيسية المنظمة للعمل السياسى فى البلاد والالتزام بها بدون مواربة، وفى مقدمتها قاعدة المساواة بين جميع المصريين والتداول السلمى الديمقراطى للسلطة. وعلى التوازى يمكن لها أن تتقدم بطلب رسمى لتأسيس جمعية أهلية ذات فروع تحمل اسم «الإخوان المسلمين» لا تعمل بالسياسة ولا يكون لها أى صلة تنظيمية بالحزب الذى يجب أن يحمل اسماً آخر غير دينى.
فى ضوء ما سبق تبدو الخلاصة واضحة: الدمج القانونى للإخوان المسلمين سواء على الصعيد السياسى أو الاجتماعى يبدو أمراً شديد الصعوبة، بل هو فى حد ذاته مسيرة سياسية وديمقراطية صعبة ومتعددة المراحل، ولكن الأهم هو البدء فى أول خطوة فيها.
موضوعات متعلقة..
◄ الإخوان عاجزون عن القيام باجتهاد سياسى خلاق
◄ يمارسون العمل السياسى منذ أيام «البنا»
◄ المهم التزامهم بالقوانين السائدة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة