البعض يعتبر دارسها ملحدا.. وآخرون يرونه ترفا زائدا

لعنة.. اسمها قسم الفلسفة!

الخميس، 06 نوفمبر 2008 10:28 م
لعنة.. اسمها قسم الفلسفة! د. حسن حنفى
كتبت دينا عبد العليم

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄ خبراء: رجال الدين والحكم يشعرون بخطورتها فيتهمون مفكريها بما ليس فيهم

حلقات الهجوم على الفلسفة والفلاسفة طويلة، أهمها ما فعله الفيلسوف العربى أبوحامد الغزالى فى كتابه «تهافت الفلاسفة» الذى أدان فيه ادعاء الفلاسفة الدائم بالتوصل للحقيقة، وكتب فى مقدمة الكتاب «ابتدأت لتحرير هذا الكتاب رداً على الفلاسفة القدماء، مبيناً تهافت عقيدتهم، وتناقض كلمتهم، فيما يتعلق بالإلهيات» فأثار الكتاب غضب العديد من الفلاسفة، وعلى رأسهم ابن رشد الذى ألف كتاب «تهافت التهافت» بعد أكثر من 75عاما من تحرير كتاب «الغزالى» ليرد على اتهامات الغزالى ويفندها.

وفى العصر الحالى تعرض الكثيرون لهذه «اللعنة» وكان فى المقدمة الدكتور نصر حامد أبوزيد وقضيته الشهيرة التى تم نفيه وتفريقه عن زوجته بناء عليها. والدكتور حسن حنفى، أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية الآداب جامعة القاهرة قد أتهم بالتطاول على الذات الإلهية والسخرية من بعض أسماء الله الحسنى وهكذا وأصبح «قسم الفلسفة» فى الجامعات المصرية، حامل اللعنة على الدوام.

سألنا للمتخصصين فى العلوم الاجتماعية عن أسباب هذا العداء القديم للفلسفة وأساتذتها، على الرغم من أنهم لا يقدمون إلا فكرا من السهل الاتفاق معه أو الاختلاف عليه، فقال الدكتور زكريا شلق، أستاذ التاريخ بآداب عين شمس «الناس أعداء ما جهلوا» والفلسفة تعنى التفكير والبحث الذى يجب أن يسفر عن حقيقة أو فكر جديد ومختلف عن السائد، وهنا لابد من ظهور معترضين ليتهموا صاحب هذا الفكر بالإلحاد، خاصة إن تعلق الأمر بالدين، فكل جديد متهم والمألوف يشعرنا بالراحة، وفى مصر تحديداً لم نتعلم كيف نحترم الأفكار المختلفة، وهذا ما أدى للقضاء على الروح الإبداعية والتجديد فى الأبحاث والأفكار، فالكتب والرسائل الجديدة كلها تلف وتدور و«تكتب فى المكتوب».

مشكلة الفلسفة لا تتعلق بما تقدمه من أفكار، وإنما بنظرة المجتمع لها، فالناس لديهم يقين أن الفلسفة تؤدى إلى الكفر، والفيلسوف «ملحد» لذا لا يتقبل أحد الأفكار الفلسفية، هذا ما يؤكده الدكتور سعيد توفيق أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة الذى قال: الفرصة تأتى «على طبق من ذهب» لأصحاب الفكر المتشدد عندما يقدم أستاذ الفلسفة فكرا يدعو للتأمل فى مسألة ثابتة، فتنطلق دعوى التكفير حتى لو لم يتعلق الأمر بالدين، وهناك من يتصورون أن مهمة الفلسفة هى الاصطدام بالدين، لكن هذا غير صحيح على الإطلاق، لأنها ترتبط بكل علوم الحياة «الدين، الثقافة، الفن،...» وحتى لو تطرق الأمر للدين فليس بالضرورة أن ينتهى بالإلحاد، وإن انتهى كذلك فهو أمر غير مقصود، وقد عبر الفيلسوف ابن رشد عن ذلك بمقولته «إذا شرب عطشان الماء فمات هل يعقل أن يعتبر الماء علة موته؟».

محنة الفلسفة الآن تماثل تماما محنة الدين وقت ظهوره، فكلتاهما يدعو لرؤية جديدة للعالم، ولهذا تتم معارضتهما، واتهام المشتغلين بهما بالكفر إن كان فيلسوفا، والجنون إن كان نبيا، هكذا يرى الدكتور رمضان بسطاويسى مدرس الفلسفة ببنات عين شمس، إشكالية الفلسفة وكلمة السر من وجهة نظره هى »المصلحة« سواء من جانب رجال دين أو رجال الحكم، فهؤلاء هم الذين يشعرون بخطورة الأفكار الجديدة ولذلك يسارعون باتهام المفكرين بما ليس فيهم، ويوافقه فى هذا الرأى الدكتور سيد البحراوى أستاذ الأدب العربى بجامعة القاهرة الذى قال: إذا كان الحاكم هو الفقيه فهنا تكون «المصيبة» لأن الصراع بين العقل الذى تقوم عليه الفلسفة، والإيمان الذى يستند إليه رجال الدين، يصبح على أشده، والأمران أى العقل والدين فى رأى »بحراوى« لا يتعارضان بدليل أن الجماعات الصوفية جمعت بينهما، لكن عندما يتحكم الفقهاء فى السلطة الاجتماعية والسياسية، تختلط الأمور وتصبح المصالح هى المسيطرة، والمجتمع المصرى فى العادة يميل إلى المحافظة الشكلية- وانتشار التيار الدينى الشكلى الساذج الذى يدعو لعدم استعمال العقل-أفرز مجموعة من المتاجرين باسم الدين الذين يرفضون الأفكار الجديدة، وعن الفكر الفلسفى يؤكد البحراوى أنه لا يوجد فى مصر ما يسمى بالفكر الفلسفى، لأن هذا الفكر يحتاج لمناخ من الحرية والديمقراطية حتى ينمو ويزدهر، فالمناخ غير الديمقراطى قتل الإبداع والحرية فى البحث العلمى.

المجتمعات تدافع عن تخيلها للحقيقة، وكل ما هو مختلف فهو باطل، وبالتالى يتم نفيه وتكفيره، وأحيانا تكون الفلسفة هى سبب البؤس، لأن أعلى لجنة فلسفية وهى لجنة ترقية الأساتذة، تضم أصحاب النفوذ المدافعين عن التقليدية الأصولية، وحينما يأتى التجديد يتم رفضه، وهذا ما جعل وضع أقسام الفلسفة فى مصر متهالكا، هذا ما يراه الدكتور على مبروك، مدرس الفلسفة بجامعة القاهرة، الذى أكد أنه ليس كل من ينتمى لقسم الفلسفة معادياً للواقع، ونادرا ما نجد طريقة مغايرة فى التفكير.

المشكلة من وجهة نظر مبروك، تكمن فى أن العامة يؤثر فيهم الخطاب الدينى والسياسى بما لهما من سلطة، ومشكلة الخطاب الفلسفى أنه ليس له سلطة على العامة، وهم ليسوا مسئولين عن ذلك، لأننا لم نعتد على تقبل خطاب العقل، كما أن بعض العامة يتخيلون أن الفلسفة تشكك فى الدين، والناس تلجأ إلى الدين باعتباره اليقين الأخير فى زمن ضاع فيه اليقين السياسى، واليقين الثقافى، واليقين المجتمعى، واليقين الاقتصادى، والحل فى هذا، هو أن تثير الفلسفة أسئلة تشغل الناس وتعيد اليقين إلى كل شىء، فالفلسفة ليست ترفا لكن المأساة فى مصر مأساة »خطاب« وحتى الممارسة الساقطة المنحطة التى يمارسها بعض «الكبار» تنتج خطابا منحطا، وتغيير الممارسة لا يكون إلا من خلال خطاب جديد، يخلق مجتمعا جديدا، ولأن الجامعة هى المسئولة عن تطوير وعى الشعب، فلذلك أرى أنها تحتاج إلى إعادة نظر ، فرقاب المفكرين تطايرت بسيف الجهل والقهر والتشدد، والجميع يتعلمون من رأس الذئب الطائر.

لمعلوماتك..
الخليفة «أبويوسف يعقوب» حكم على ابن رشد بالنفى إلى مدينة «إليسانه» وحرق كل كتبه، بعد أن أباح إمامة المرأة للرجال فى الصلاة، وحين دخل المسجد عصرا انهال عليه المصلون بالنعال والقباقيب.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة