أجزاء متعددة من مسلسل تراجيدى والأبطال ثابتون دون تغيير، عربات المطافئ والإسعاف أصبحت الأكثر انتشاراً فى الشارع المصرى، بعد أن طالت الحرائق فى مصر كل مكان.
من حريق بمبنى دار القضاء العالى فى مارس 2008، إلى مجلس الشورى الذى التهمه الحريق منذ شهرين، والمسرح القومى المصرى بعده مباشرة، إلى أحدث حريق التهم مبنى محكمة الجيزة الابتدائية فى صباح اليوم.
المتهم الذى تلقى عليه الحكومة فشلها فى مواجهة الكوارث هو "الماس الكهربائى"، فى حين أن المتهم الأساسى والذى يراه المصريون والحكومة من قبلهم هو الفساد والإهمال داخل المؤسسات، حيث يرى دكتور نبيل عبد الفتاح الباحث بمركز الأهرام الاستراتيجى أن الحرائق استمرار لثقافة الإهمال وغياب الرقابة الإدارية والفنية.
لم تقتصر الحرائق على الدواوين الحكومية، بل امتدت للمصانع، حيث نشب الشهر الماضى ما يقرب من 10 حرائق بمصانع مختلفة أحدهما بثلاثة مصانع للنسيج بشركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى وبلغت الخسائر ملايين الجنيهات، وبعدها نشب حريق بمصنع للملابس الجاهزة بالعاشر من رمضان, نتج عنه التهام النيران لكميات كبيرة من الملابس, وآخر بمصنع الشركة الأهلية للغزل والنسيج الذى أدى لاحتراق كمية من الأقطان دون وقوع إصابات.
كل هذه الحرائق المبررة بالماس الكهربائى يراها نبيل عبد الفتاح سببا كافيا لإحداث تغيير حكومى جذرى، بعد فشلها فى مواجهة الكوارث المتعاقبة, والتى تدل على غياب المسئولية والكفاءات وانتشار الفساد والفوضى، وانتقد نبيل الأسلوب البدائى الذى مازالت الحكومة تتبعه فى إطفاء الحرائق, والذى كان يحتاج للتغيير منذ ستينيات القرن الماضى، فلا يوجد الآن أى نظام يستخدم المياه فى إطفاء الحرائق, بعد أن أثبتت التجارب أن الأوكسجين بالمياه يساعد على زيادة الحريق وليس إطفاءه.
كان حريق القاهرة 26 يناير 1952 أحد أسباب الانقلاب وثورة يوليو عام 1952، ويرى البعض أن تكرار حوادث الحريق الآن يشبه ما حدث فى عام 52 وربما يكون تمهيداً لحدوث انقلاب آخر، إلا أن نبيل رفض هذا التشبيه معتبراً أن الملابسات مختلفة والظروف غير متشابهه سوى فى انتشار الحرائق، واعتبر هذا فقط نوعاً من أنواع النقد للسلطة السياسية, ودليلاً على أن الوضع وصل فى مصر إلى أقصاه، معقباً "نحن فى حاجة ماسة للتغيير".
عدد الحرائق فى مصر بلغ 30 ألف حالة خلال السنوات الخمس الماضية، حسب إحصائيات المنظمة العربية للتنمية، والتى رصدت 400 مليون جنيه حجم الخسائر السنوية، بينما يبلغ عدد الضحايا 600 شخص.
فى الماضى، كان تكرار الحرائق قرب نهاية السنة المالية فى الدواوين الحكومية، والذى يلتهم السجلات والملفات، مجرد حالات فردية وتحدث لتغطية المخالفات المالية والتجاوزات.. أما الآن فوصلت الحرائق للمستشفيات والجامعات والمولات التجارية, حيث قتل ثلاثة طلاب وأصيب 230 آخرون بالحريق الذى نشب داخل قاعة محاضرات بأحد مبانى جامعة الأزهر بمدينة الزقازيق فى ديسمبر 2007، وفى نوفمبر من العام نفسه حريق هائل فى مجمع "سيتى ستارز" أحد أكبر المراكز التجارية والترفيهية بالقاهرة، والحريق الهائل بمستشفى المطرية التعليمى الشهر الماضى، وحريق الباخرة السياحية فى الشهر نفسه عند كوبرى أسوان المعلق قبل مدخل مدينة أسوان بحوالى ١٠ كيلومترات.
هذا التكرار ليس له سبب سوى غياب ثقافة العبرة مما سبق عن المسئولين، حيث يؤكد دكتور محمد الجوادى خبير الأمن القومى أن الحكومة المصرية تحتفظ فقط بالعيوب وترفض أخذ العبرة من الحوادث، واستنكر ترديد الوزراء ورئيسهم الخطاب الحكومى الذى يؤكد على أن الأخطاء موجودة فى كل مكان بالعالم, دون أن يلتفت إلى أن الأنظمة الأخرى تتعلم من أخطائها.
الجوادى اعتبر أن ما يحدث مجرد بدايات نتائج الفساد الذى سيطر على المحليات والأنظمة الحكومية جميعاً, وهو إنذار بانهيار النظام الحالى مادامت الحكومة متمسكة بسياسة الاجتماعات الطارئة لمواجهه أى أزمة, دون الخروج بتوصيات محددة يمكن تنفيذها لتفادى مصائب المستقبل.
من حريق القاهرة إلى الشورى وصولاً إلى محكمة الجيزة..
خبراء: تكرار الحرائق ينادى بتغيير الحكومة
الأربعاء، 05 نوفمبر 2008 03:08 م
يوماً ما ستحترق القاهرة من جديد والمتهم "ماس كهربائى"
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة