الصدمات قد تتوالى سريعاً فى الفترة المقبلة عندما تتكشف سياسات أول رئيس أمريكى أسود للولايات المتحدة الأمريكية، وهى سياسات ربما لن تصب فى مصلحة العرب تماماً, فى ظل تنازلات وجد باراك أوباما نفسه مضطراً إلى تقديمها أثناء حملاته الانتخابية لنفى تهمة انحيازه المحتمل للعرب والمسلمين, وبما يجعله ربما أخطر من الرئيس الحالى جورج بوش الذى كانت فترة حكمه الأسوأ بالنسبة لهم.. هذا ما يتخوف منه بعض المراقبين السياسيين, بل و يحذرون من الإفراط فى التفاؤل والتعويل على الإدارة الأمريكية القادمة فى حل أى مشكلات عربية مزمنة.
المراقبون وعلى رأسهم خليل العنانى مساعد مدير تحرير مجلة السياسة الدولية يحصون 3 صدمات محتملة بانتظار الشارع العربى, الذى أسرف فى تعاطفه مع الرئيس الأسود المنتخب وتعليق الآمال على دخوله البيت الأبيض, منها براجماتيته وعلاقته باليهود وتعقيد عملية صنع القرار الأمريكى.
الخطاب السياسى لأوباما وفق رؤية عدد كبير من المراقبين تغير على مرحلتين, الأولى خلال فترة السباق مع منافسته داخل الحزب الديمقراطى هيلارى كلينتون, والثانية بعدما انفرد بالتنافس مع الجمهورى جون ماكين, وقد حاول خلالهما أن يبدى سياسة الحكمة والدبلوماسية تحت خطوط عامة تبتعد كثيراً عن رؤى المحافظين الجدد الذين يميلون إلى نظرية الحسم العسكرى.
لكن يجب أن يعى المعولون عليه - من وجهة نظر العنانى - فى إحداث اختراق سياسى فيما يتعلق بالشرق الأوسط، أن النقاط الإيجابية التى يتمتع بها هى نفسها النقاط السلبية التى تجعل من هذه المهمة الأكثر صعوبة, بدءاً من الحرب على أفغانستان والعراق, والأزمة الفلسطينية الإسرائيلية ومروراً بإيران وأزمتها النووية, وحتى مسار المفاوضات السورية - الإسرائيلية, إذ إن الخط العام لهذه السياسة فى خطاب أوباما هو ضرورة الحوار مع كل الأطراف والتخلى عن سياسة الخيار العسكرى. لكن تبقى تعقيدات عملية صنع القرار فى واشنطن, وهى معروفة للجميع.
د.عبد المنعم سعيد مدير مركز الدراسات السياسية بالأهرام يرى أنه لن تكون هناك خطوط فاصلة مع سياسة بوش, ويستطرد: لكننى أعتقد أنه يمكن المقارنة بسياسة كلينتون, فمنهج أوباما فى السياسية الخارجية سيبنيها على التفاهم والدبلوماسية وتقريب وجهات النظر المختلفة. لكن الخطوط العامة للسياسة الخارجية ستبقى كما هى تقريباً.
وعن استعانة أوباما ببعض الوجوه العربية فى حملته يقول سعيد: الوجوه الأمريكية العربية الأصل التى ظهرت إلى جوار أوباما سواء من مركز كير أو من مركز زغبى أو غيرها فى حملته الانتخابية كانت هامشية, والوجه العربى الوحيد الذى ربما رسم توجهات الخطاب الانتخابى الرئاسى لأوباما وضعه البرفسيور شبلى تلحمى وهو من عرب إسرائيل، وخدم فى الكونجرس لفترة طويلة، وأستاذ كرسى السادات فى جامعة ميريلاند وأحد خبراء السياسة فى جامعة بروكينجز. هو وجه تتقاسمه نزعتان سياسيتان على الأقل: واحدة أمريكية بحكم الجنسية والنزعة الوطنية, والعربية بحكم الجذور.
أما سعيد عكاشة الخبير فى الشئون الإسرائيلية, فيشير إلى ما سماه حالة ارتباك شديدة فى الخطاب السياسى لأوباما تتعلق بالحالة الفلسطينية الإسرائيلية, ويشير إلى أن أوباما على ما يبدو لا يزال بحاجة إلى مزيد من الوقت ومزيد من الجهد لفهم أطر السياسة الخارجية تجاه قضايا الشرق الأوسط. من المهم أن ندرك أن هناك نقاط تماس رئيسية تتعلق بظاهرة أوباما واليهود ـ والكلام لعكاشةـ فمن الصعب تصور أن أوباما والمجتمع الأمريكى تجاوزا اختبار امتحان الرواسب العنصرية رغم انتخاب أول رئيس أسود ليحكم البيت الأبيض. وهنا يمكن القول إنه ـ أى أوباماـ سيبذل قصارى جهده لإثبات العكس، إن لون بشرته لن يكون سبباً فى تغليب تعاطفات على تعاطفات، وسيسعى إلى إثبات ذلك بدعوى أنه رئيس منتخب لكل الأمريكيين وتعبر عنهم سياساته ولو على حساب العرب والمسلمين.
د. حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية يشير إلى أن أكثر المتحمسين العرب لأوباما أصيبوا بصدمة منذ البداية, حين فاجأتهم تصريحاته فى مؤتمر "إيباك" قبل عدة أشهر, والتى أعلن فيها تأييده للقدس "مدينة موحدة وعاصمة أبدية لدولة إسرائيل اليهودية"، إذ بدت سياسته وكأنها صورة طبق الأصل لسياسة بوش، غير أن هذه الطريقة فى التحليل تنطوى على خطأ منهجى واضح، فخطب وتصريحات المرشحين تصاغ لأهداف انتخابية بحتة، أما السياسات التى تصاغ عند تولى المسئولية الفعلية، خصوصاً فى مجال السياسة الخارجية، فترسمها موازين قوى ومصالح تتحدد وفقاً لمنطق ومن خلال آليات أخرى تختلف كليا عن منطق وآليات الحملات الانتخابية.
أما د. منار الشوربجى، الخبيرة فى الشئون الأمريكية، فتقول: كانت العبارة الأهم فى خطابه السياسى هى تلك التى أكد فيها على ذلك التاريخ المشترك الذى "يتحتم معه ألا نسمح للعلاقة بين السود واليهود أن تتأثر". ففى عبارة قصيرة، وربما مبتسرة، ألمح أوباما إلى أحد أهم الأسباب الدافعة للمواقف التى اتخذها إزاء إسرائيل. وقصة العلاقة بين السود واليهود ذات ارتباط وثيق بكفاح السود من أجل حقوقهم فى أمريكا وبالقضية الفلسطينية فى آن معا، ففى أولى مراحل حركة الحقوق المدنية لعب اليهود دوراً محورياً فى الحركة وتبوأ الكثيرون منهم مواقع قيادية مهمة فيها.
مناهضة مصالح العرب لن تكلفه شيئاً. الانشغال بتفاصيل ماقاله أوباما أثناء حملاته ليس هو القضية، فالسؤال الأكثر أهمية، والذى سيسهم بدرجة كبيرة فى تحديد مواقفه، كما تقول الشوربجى، هو ذلك المتعلق بطبيعة تفاعلاته مع الجماعة اليهودية وأى التيارات داخلها سيختار أن يقترب منها أكثر من غيرها. وإذا كانت تلك هى استراتيجيته الانتخابية، يصبح دعمه لإسرائيل متوقعاً.
هل قدوم أوباما للبيت الأبيض فى مصلحة العرب؟
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة