عماد عمر

غلطة الجمل بألف

الإثنين، 03 نوفمبر 2008 06:32 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الحقوق الأساسية للإنسان ليست قابلة للمنع أو المنح .. فهى حقوق يكتسبها الإنسان لمجرد كونه إنساناً، سواء كان شيخ مسجد أو قسيساً أو حتى "رقاصة" أو مجرماً موغلاً فى الإجرام.

والمفترض بالطبع أن يعرف المثقفون ذلك جيداً وألا يتورطوا فى أخطاء أصحاب الفكر المنغلق الذين يبررون لأنفسهم ممارسة التمييز ضد فئة أو أخرى على أساس المعتقد الدينى. ولذلك لم أستطع أن أفهم تورط مثقف بحجم الدكتور يحيى الجمل أستاذ القانون الدستورى والوزير السابق فى منع الطالبات المنتقِبات من الجلوس فى الصف الأول أثناء محاضرته فى جامعة القاهرة.

وحسب ما نشرته الزميلة المصرى اليوم الأسبوع الماضى، فقد طالب د.الجمل طالبة منتقِبة بعدم الجلوس فى الصف الأول، قائلاً "مع احترامى للحرية الشخصية وأنى لا أتدخل فى خصوصيات، ولكنى لا أحب أن أرى منتقبة جالسة أمامى فى الصف الأول".

والدكتور الجمل ليس فى حاجة لمن يذكره بحقوق الإنسان سواءً كان فتاة منتقبة أو أخرى تتفنن فى إبراز مفاتنها؛ لكن كلمات مثقف بحجم الدكتور الجمل لابد أن يكون لها ثقل ووزن لدى كثيرين، وقد تبرر للبعض ممارسة التمييز بأشكال أبشع وأوقع، وبالتالى فالغلطة من د.الجمل بألف غلطة.

وقد يكون مثل هذا الموقف من كبار المثقفين مبرراً لبعض من يحاولون جذب المجتمع إلى طرف يقع على النقيض تماماً من الطرف الذى يسعى المتشددون الدينيِّون لجذبه إليه، وبالتالى يضيع منا الوسط ونكون كمن يستجير من الرمضاء بالنار. فالأمر يبدو فى نظر بعض الكتاب والمثقفين كأن المعركة ضد التشدد هى معركة ضد الدين نفسه، وبالتالى يقع المثقف فى نفس خطأ المتطرف الدينى، لكن على النقيض أى بالإسراف فى جذب المجتمع بعيداً عن الوسطية إلى الطرف الآخر.

وعلى مدى التاريخ كان الفكر الوسطى المعتدل هو القادر على قبول الآخر والاستفادة من معارفه وتطوير ما يفيد منها ولفظ الضار .. هذا ما فعلته أوروبا حين استفادت من حضارتنا فى بناء نهضتها .. وهذا ما ينبغى أن نفعله إذا قدر لنا أن ننهض يوماً.

وربما فات على د.الجمل أيضاً أن تلك الفتاة المنتقبة لم تفضل لزوم بيتها فى سلوك يتسم مع التشدد الدينى لكنها خرجت إلى الجامعة بل وجلست فى الصف الأول أثناء المحاضرة وهو ما قد يكشف عن استعداد حقيقى للتعلم والمعرفة .. بل وربما الدخول فى حوار وتفاعل مع المجتمع قد يقنعها بالميل إلى الوسطية.

وليس الغرض من هذا المقال الدفاع عن النقاب أو مهاجمته، لكن الغرض هو الدفاع عن ركن أصيل فى أى مجتمع مدنى بأن تكون لديه قدرة حقيقية على تقبل الآخر بما يقنع هذا الآخر بأن له بالفعل مكاناً فى المجتمع لا يصح أن يتركه ليكبل نفسه بالتشدد والتطرف.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة