يسرى فودة

مطلوب سكرتيرة حسناء

الجمعة، 28 نوفمبر 2008 08:23 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
دعك من شرط الحلاوة، فمجرد أن تحدد فى إعلانك أن المطلوب هو سكرتيرة (مؤنث لا مذكر) كفيل بأن يجرّك إلى محكمة على أساس التفرقة بين الجنسين فى فرصة الحصول على عمل لا علاقة لنوع الجنس بالقيام به. آه، عفوا، نسيت أن أضيف هذه الجملة: إذا كنت فى بلد غير مصر.. إخوانى المصريين، اتحدوا، وتعالوا نولّعها.

يا نهار أسود! هكذا كان لسان حالى عندما قرأت هذا الإعلان الذى نشرته الزميلة «المصرى اليوم» قبل أيام قليلة. قناة فضائية جديدة تعلن عن حاجتها إلى عدد غير محدد من المذيعين والمذيعات. فى البند الأول من الإعلان مطلوب مذيعة تحمل بطاقة عضوية نقابة الصحفيين، تتوافر فيها مجموعة من الشروط من أهمها: «السن لا يقل عن 27 سنة ولا يزيد عن 37 سنة. تتمتع بالوسامة والأناقة والجمال والرشاقة. الطول لا يقل عن 160 سنتيمترا ولا يزيد عن 172 سنتيمترا. الوزن لا يقل عن 60 كيلوجراما ولا يزيد عن 70 كيلوجراما متناسبا مع الطول.. بدون غطاء رأس».

والله كنت أظن أنها نكتة يحاول من خلالها الزميل مجدى الجلاد أن يشرح لنا مشروع «عايز حقى». وقبل أن أتصل به كى أهنئه وأقول له: «جامدة فحت» خطر لى أن أتصل أولا بالمرجع القانونى الأستاذ نجاد البرعى. «يا يسرى بيه المساواة بين المرأة والرجل حق يكفله الدستور المصرى»، هكذا أثلج الأستاذ صدرى فى البداية. لماذا إذن يتم تخصيص عربة من أولها لآخرها فى قطار مترو الأنفاق حكرا على النساء من دون الرجال؟ «ما هو فيه واحد رفع قضية نيابة عن الرجالة والمحكمة الإدارية حكمت من كام يوم بتأييد قرار التخصيص». على أى أساس؟ «على أساس أن التكوين الجسمانى للمرأة فى مصر أضعف من التكوين الجسمانى للرجل».

نعم؟!!! التكوين الجسمانى للمرأة فى مصر أضعف من التكوين الجسمانى للرجل؟!!! من امتى؟ طيب خلينا نوزن كل نساء مصر فى كفة ونوزن كل الرجالة فى كفة ثانية ونشوف مين اللى هيبطط مين. كامل احترامى لنساء مصر ولقضاة مصر ولكننى كنت أتمنى أن نسمى الأشياء بمسمياتها الحقيقية، فتأتى الحيثيات واضحة أن أساس الحكم هو انتشار ظاهرة التحرش الجنسى، فليس كل رجل ربنا أنعم عليه بقليل من الصحة يريد أن يفقأ عين المرأة التى بجواره، وليست كل امرأة ملظلظة تريد أن تفرم رجْل المسكين الذى بجوارها، ولسنا جميعا حيوانات كى تنحصر قيمتنا فى أوزاننا. وهو ما يعود بنا إلى ذلك الإعلان المصيبة، فتعالوا بنا نتوقف أمامه كلمة كلمة.

أولا، «مطلوب مذيعة» يعتبر تمييزا مباشرا وفقا للقانون البريطانى الصادر عام 2000؛ لأنه حدد جنسا واستثنى آخر لعمل لا علاقة له بنوع الجنس. وقد يحاول المعلن أن يكون فهلويا فيطلب شخصا لتقديم برامج تليفزيونية بشرط أن يكون طوله 190 سنتيمترا؛ لأن احتمال أن يكون هذا الشخص رجلا أكبر بكثير من احتمال أن يكون امرأة. القانون البريطانى يدرك هذا التمييز غير المباشر ويحرّمه أيضا. خواجة؟ والله أنا لست خواجة لكننى من ألد أعداء السخرية السلبية التى تفسح المجال لأصحاب الجِبِلّة والعين الجامدة على حساب أصحاب الحق والحياء. تجارب الآخرين إذن نقطة انطلاق مفيدة لقلب الطاولة على أدمغة هؤلاء.

ثانياً، «بطاقة عضوية نقابة الصحفيين» لا علاقة لها بالضرورة بطبيعة المهنة أو مستوى الأداء. نقابة الصحفيين هى جمعية أو اتحاد يهدف أساسا إلى حماية حقوق أعضائه مثلها مثل جمعية المزارعين الغلابة، قد يكون من بين أعضائها من لا يفهم الفارق بين البرتقال البلدى والبرتقال أبو صُرة. ومن ثم يمنع القانون اشتراط عضوية مثل هذه الجمعيات لأنها لا تعتبر «مؤهلا» علميا موضوعيا للحكم على الشخص ويؤدى اشتراطها إلى الإخلال بمبدأ تكافؤ الفرص. لو كان الأمر كذلك لصار 99 % من المذيعين والمذيعات فى الشارع.

ثالثا، اشتراط أن «السن لا يقل عن 27 سنة ولا يزيد عن 37 سنة» يعتبر خرقا سافرا لحقوق الإنسان وتشريعات العمل على أساس أنه لا علاقة بالضرورة بين السن، صغُر أو كبُر، والقدرة على تقديم البرامج التليفزيونية (أو أى وظيفة أخرى). تبنت بريطانيا هذا القانون عام 2006، وكانت الدنمارك قد سبقتها إليه عام 2004، وأيرلندا عام 1998، وأستراليا عام 1977، والولايات المتحدة الأمريكية فى العشرينيات، وغيرها من دول العالم. من يجرؤ على اشتراط سن معينة فى هذه الدول يقع مباشرةً تحت طائلة القانون. بل إن هذا القانون يحرّم السؤال عن عدد سنوات الخبرة أو تاريخ الميلاد.

رابعا، «تتمتع بالوسامة والأناقة والجمال والرشاقة. الطول لا يقل عن 160 سنتيمترا ولا يزيد عن 172 سنتيمترا. الوزن لا يقل عن 60 كيلوجراما ولا يزيد عن 70 كيلوجراما متناسبا مع الطول». يا عينى!! دا طالب رقاصة دا واللا إيه بالظبط؟ كلمة واحدة من هذا القبيل فى أى دولة محترمة كفيلة بأن تلقى بكاتبها إلى أنياب المجتمع كى يشرب من دمه. ومن هى هذه المرأة التى تقبل على نفسها أن تتوجه إلى لجنة اختبار تحت هذه الشروط كى تضع نفسها بين أيدى أناس يكون من «حقهم» أن تقوم بقياسها وفرزها وتقليبها يمين وشمال ومن تحت ومن فوق؟

والأهم من هذا، ما علاقة هذه الشروط بمتطلبات عمل المذيعة؟ حتى هؤلاء الباحثون عن المتعة الجنسية السريعة لا «يحق» لهم أن يحددوا هذه المواصفات بهذه الدقة فى بائعة الهوى رغم أن لها علاقة مباشرة بطبيعة «الوظيفة» فى هذه الحالة. إنه فهم متخلف لوظيفة الإعلام يجرد المرأة من الاحترام ويرسخ صورة ذهنية بدائية تقصر دور المذيعة على مجرد أن تبدو «جميلة» وهى تحمل طاولة المشروبات إلى المشاهد الرجل بينما هو يختلس أثناء ذلك نظرة إلى مفاتنها. وأهم من ذلك أنه استغلال وقح للأزمة الاقتصادية فى مصر ونقص فرص العمل وحاجتنا جميعا إلى لقمة العيش، وهو ما قد يدفع البعض إلى أن يغمض عينيه ويرضى بالمتاح. خامسا، «بدون غطاء رأس». أهلا وسهلا! دخلنا فى فتنة طائفية. بغض النظر عن رأيك الشخصى فى مسألة الحجاب فى حد ذاتها ينبغى علينا جميعا أن ننتصر لمبدأ حرية الاختيار.

وعندما نضيف إلى ذلك حقيقة أن الحجاب لا يمثل عثرة فى سبيل قيام المرأة بالعمل الإعلامى (بل إنه يزيده وقارا وجدية) ندرك أن القانون فى مصر يحتاج إلى أنياب. إننى لفخور بحالة الزميلة غادة الطويل التى جرّت القناة الخامسة إلى المحكمة عام 2002 بعدما حرمها التليفزيون المصرى من الظهور على الشاشة بسبب الحجاب. ورغم وقوف القضاء إلى جانبها بقيت سنوات طويلة ممنوعة من مزاولة عملها، وهى من أفضل النماذج الإعلامية فى مصر. لم ينفعها فى النهاية، مع بعض زميلاتها اللائى مررن بنفس التجربة، سوى إصرارها وإيمانها بقضيتها وتهديدها بتصعيد المسألة. اتقى المسئولون «شرها» وأعادوها أخيرا إلى الشاشة، وهو ما يثبت أن الحق لا يضيع إذا كان وراءه مطالب. هذه سابقة فى منتهى الأهمية.

إيمانى أنا بالقضية التى أعرضها فى هذا المقال من القوة بحيث يدفعنى إلى الدعوة إلى حملة وطنية عامة تضع حدا لممارسات التمييز فى فرص العمل على أى أساسٍ كان، سواءٌ كانت له علاقة بنوع الجنس أو الدين أو المذهب أو السن أو طول القامة أو وزن الجسم أو درجة «الجمال» أو المظهر الخارجى أو الملبس، إلى آخره. ينبغى أن تكون للقانون أنياب تنال المخالفين سجنا وغرامة، وتحفظ ليس فقط حق الفرد المجتهد فى الحصول على ما يستحق، بل أيضا (وربما يكون هذا هو الأهم) حق المجتمع وحق مصر كلها فى أن تستفيد من طاقات أبنائها إلى أقصى حد ممكن، ولن يحدث هذا إلا عندما نضع الشخص المناسب فى المكان المناسب. غير ذلك هو ببساطة نوع آخر من أنواع الفساد ندفع جميعا ثمنه ويجنى ثماره الظالمون.

وأخيرا اسمحوا لى أن أبدأ هذه الحملة بدعوة أى قارئة كريمة ترى أن لديها المؤهلات الموضوعية للعمل كمذيعة إلى أن تقدم طلبا باليد فى المقر الإدارى لهذه القناة الجديدة وعنوانه: 24 شارع حسين حجازى المتفرع من شارع قصر العينى، الدور السادس، فى أى وقت من العاشرة صباحا حتى العاشرة مساء. أتعهد شخصيا بالوقوف إلى جانبها ضد أى تمييز من أى نوع. ستجدين القضاء المصرى إلى جانبك، لكنّ القضاء لا يساعد أحدا لا يساعد نفسه، وهذا أضعف الإيمان.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة