8 تقارير و30 ورقة رسمية وزيارة ميدانية تكشف كيف يتم تدمير الاستثمار فى مصر

مصنع الحديد والصلب.. قلعة صناعية يأكلها الصدأ

الجمعة، 28 نوفمبر 2008 08:34 ص
مصنع الحديد والصلب.. قلعة صناعية يأكلها الصدأ عمال أعرق مصانع مصر معرضون للتشرد والمصنع نفسه معرض للانهيار
كتب شوقى عبدالقادر

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄ إدارته باعت 218 ألف طن مربعات حديد بأقل من ثمنها بـ121 مليون جنيه.. وصدرت 200 ألف طن بخسارة 105ملايين جنيه.. وأعطت شركة ألمانية 28 مليون جنيه لإنشاء فرن أوكسجين لم يتم إنشاؤه.

شركة الحديد والصلب، ليست فى حاجة إلى تعريف، لكنها فى حاجة إلى إنقاذ من الإهمال والخسائر، وبشهادة الخبراء فإنها تحولت «بقدرة قادر» من قلعة صناعية راسخة إلى مبان وبيانات غير مطابقة، خسائرها بعشرات الملايين، سياسات إدارتها متخبطة، أزماتها لا تنتهى، وكان من الممكن أن تقوم الشركة بدور فى المواجهة فى أزمات حديد التسليح التى اشتعلت مؤخرا، إلا أنها كانت مشغولة بإعادة تقييم الأصول والأراضى التى لا تملكها، وتتملكها الدولة، كل هذا لترفع أسهمها «على الورق» فقط.

من خلال عيون أحد عامليه رصدنا حال المصنع، الذى لاحظنا أن ضجيجه الخافت لا يتناسب مع اسمه التاريخى الكبير، رجل فى الخمسين كان يعمل فى عنبر «صب الزهر» شرح لنا كيف كان هذا العنبر «دينامو الإنتاج»، أما الآن فعدد عامليه لا يتعدى الـ«4» عمال، فى حين أنه كان يضم أكثر من 120عاملا من قبل، لم يكن كلامه بحاجة إلى إيضاح أو شرح أكثر من ذلك، فالقوالب التى بدأت تتآكل بفعل الصدأ، وتقلص عدد العاملين به خير دليل على ماوصل إليه الحال، الأمر نفسه يعانى منه «عنبر إنتاج قطع الغيار» والعديد من القطاعات الأخرى.

زيارة المصنع كشفت عن العديد من الصفقات المشبوهة التى تحدث على مرأى ومسمع من المسئولين، فمع ارتفاع سعر الحديد تحكم السماسرة والموظفون فى بيعه لصالحهم بالتعريفة الرسمية وهى 3800 جنيه، وأصبح بائعو الشاى المرصوصون أمام الشركة تجارا ذائعى الصيت فى سوق الحديد، وذلك بحكم علاقاتهم التى تنفعهم فى تسريب الحديد الحكومى، وكأن هناك خطة مدروسة للقضاء على المصنع والمستهلك فى نفس الوقت، والحال الذى وصل إليه هذا المصنع الكبير لم يأت من فراغ، فإدارة الشركة باعت حديداً للخارج بأسعار أقل من السعر المحلى بـ 121 مليون جنيه، ومنذ التسعينيات تعطلت الاستثمارات وغابت السياسات والخطط وحضرت الدعاية والإعلان.

رئيس الشركة القابضة للصناعات المعدنية قال فى أحد تصريحاته: «»نحن لا نؤمن بالمعجزات فى هذا العصر ولكن نعرف كيف نصنعها» بينما المعجزة الحقيقية التى أنجزتها إدارته هى تدمير صرح صناعى، وخسارة بالملايين وشلل فى الإنتاج. تحت سمع وبصر وزير الاستثمار، وأعضاء مجلس الإدارة.

وقع المفاجآت يشبه أحيانا تساقط أوراق التوت عن العورات، إن جاز تشبيه ذلك بالفضائح التى انهالت على رؤوس المسئولين عن الاستثمار فى مصر، فالشركة تمارس نشاطا غير إنتاج الحديد والصلب، وتستثمر الأموال فى الأذون والودائع، فى حين أن السوق كانت ومازالت تعانى نقصا فى الحديد، كما أن الشركة حصلت على 2،855 مليار جنيه قيمة فروق إعادة التقييم لحوالى 2297 فداناً، واستخدمت الشركة تلك الفروق فى تغطية خسائرها بتعلية هذه المبالغ للإيرادات، على الرغم من أن هذه الأراضى مخصصة كمنفعة عامة، ومنزوعة الملكية ولايجوز بيعها أو التنازل عنها أو تغيير النشاط المخصصة له، وبالتالى عدم صحة إعادة تقييمها، ويبدو أن مساحة الأراضى الشاسعة التى تضع الشركة يدها عليها أدت إلى أن تتراخى فى الاهتمام بإنتاج الحديد، على اعتبار أن إعادة تقييم الأراضى، تدر عليها عائدا كفيلا بتغطية الخسائر، فمن خلال عملية أخرى وصل عائدها إلى 52،675 مليون جنيه قيمة مساحة 415 فداناً استغلتها الشركة دون سند قانونى يؤيد ملكيتها، وقيمتها بسعر 30جنيها للمتر، أى أن السوق تحتاج للحديد، والشركة التى يفترض أن تنتجه تتجه إلى نشاطات المتاجرة والاستيلاء على الأراضى، فهل يفترض أن تتولى شركات الأراضى والمقاولات إنتاج الحديد؟

المهندس عبدالعزيز غريب، رئيس الشركة، فسر الماء بالماء فقال: «استثمارات الحديد موجودة ولكنها متأخرة بعض الشىء» وتبين أن «بعض الشىء» الذى تحدث عنه «غريب» بدأ منذ أواخر التسعينيات، وتضم هذه الاستثمارات سبعة مشروعات فى غاية الأهمية لزيادة الإنتاج، إلا أنها مؤجلة لحكمة لا يعلمها إلا الله، وأصحاب القرار فى الشركة القابضة للصناعات المعدنية وكبار منتجى القطاع الخاص والمستوردين.

عدة قرارات اتخذتها إدارة الشركة فخسفت بها أسفل سافلين، أولها قرار بيع 218 ألف طن مربعات صب بنسبة 24،7 % من إجمالى كمية المبيعات، بدلا من استكمال تشكيلها وبيعها كمدرفلات من القطاعات المتوسطة والخفيفة، مما أضاع على الشركة حوالى 121مليون جنيه تمثل قيمه مضافة ضائعة، القرار الثانى هو تصدير حوالى 200 ألف طن بأسعار تقل عن مثيلاتها من الأسعار المحلية، بحوالى 105ملايين جنيه، مع العلم أن هذه الكمية تتضمن 10365طن صاج، وألواحاً مدرفلة على الساخن، تم تصديرها بأسعار تقل عن تكلفتها الصناعية بنحو 1،8مليون جنيه، وهذا الأمر يعرض الشركة لعقوبات من قبل منظمة التجارة العالمية «الجات» لممارستها «الإغراق» لكن الهدف المعلن، كما قالت الشركة، هو الحفاظ على سمعتها فى الخارج والمنافسة فى السوق العالمية، ناسين أن ما يحتاجه «البلد» يحرم على «الخارج».

ثالث القرارت التدميرية هو تعاقد الشركة مع الاستشارى إيجيتالك /سيل، الذى أعد تقريرا لإجراء »عَمْرَة« من الدرجة الأولى للفرن الثالث، وأهمل فى تقريره العديد من الملاحظات المهمة التى تتعلق بهبوط الأعمدة التى تحمل الفرن، ولم يجر دارسات أو قياسات واستخدم ألفاظا تحتمل أكثر من معنى، ومع ذلك وافق مجلس الإدارة على هذا التقرير الذى تم على أساسه حساب متطلبات تكلفة الصيانة التى تم عرضها على وزير الاستثمار. قرار آخر كلف الشركة ملايين الجنيهات التى تقاضتها شركة «ليندا» الألمانية المتخصصة فى إنشاء محطات توليد الأكسجين، بعد تداعى حالة محطة الأكسجين الروسية التى تعمل منذ عام 1973، فتم الاتفاق مع الشركة الألمانية على إنشاء محطة جديدة وإنشاء فرن يساعد على زيادة الإنتاج، لكن المشروع توقف، بعد أن تقاضت الشركة الألمانيه حوالى 4ملايين يورو، أى حوالى 28 مليون جنيه مصرى، ثم عادت الشركة واستعانت بالخبرات الروسية مما يدل على تخبط سياستها وإهدارها المال العام بلا محاسبة من أحد.

أسباب تولى القيادة فى شركة الحديد والصلب لا تخضع لأى معايير مهنية أو إدارية، ذلك ما أكده قرار التجديد لصلاح هيكل بعد تجاوزه السن القانونية الذى صدر فى يناير الماضى، ليتولى رئاسة مجلس إدارة جمعية الحديد والصلب بجانب رئاسته للجنة النقابية، وبهذا التجديد أصبح يتقاضى راتبا شهريا بالإضافة إلى المعاش، وسبب التجديد له هو تكراره الدائم بأنه «مفيش مشاكل».

بجانب «مفيش مشاكل» هناك معيار آخر لتولى القيادة فى الشركات الحكومية، وهو القدرة على إنشاء العبارات الأدبية الفخمة، مثلا المهندس زكى بسيونى، رئيس الشركة القابضة للصناعات المعدنية، التى تضم 20 شركة، منها شركة الحديد والصلب، يبدع فى صناعة عبارات أدبية غامضة، فهو القائل «تعودنا أن نعمل كشركة أوروبية قطاع خاص لها رسالة اجتماعية بجانب دورها الإنتاجى» وأيضا ينسب له مقولة «لا توجد شركة صناعية حقيقية ليس لها ثقافة وتقاليد» فى حين أنه حوَّل رصيد حساب مخزن الشركة من المواد وقطع الغيار بقيمة 8،8 مليون جنيه للاستخدام داخل المصنع ولم يضفها إلى المخازن، مع وجود العديد من أوامر التشغيل لتصنيع مثلها.

وعودة إلى الإنتاج وعلله فى هذه الشركة الحكومية، فالاستثمارات المنفذة خلال العام المالى «2006-2007» تم تقديرها بـ10،879 مليون جنيه بنسبة 2،14 % من الموازنة الاستثمارية المعتمدة التى تبلغ 507 ملايين جنيه، رغم إدراج مشروعات إحلال وتجديد ذات أهميه بالموازنة التخطيطية، فى حين أن حساب الاستثمارات المنفذة فى تاريخ القوائم المالية رصد 25،985 مليون جنيه قيمة أصول جديدة، لم يتم استغلالها بعد، ويعود بعضها إلى سنوات سابقة مما أدى إلى تعطل الاستثمارات فيها، ويشير التقرير إلى أن كل ذلك تم دون وجود دراسة اقتصادية أوفنية وفقا للاحتياجات الفعلية، دون تحديد المسئول عن ذلك.

الحديث عن أهمية هذه الشركة لم يأت من فراغ، بل جاء عن طريق وزير الاستثمار محمود محيى الدين مؤخرا فى إعلانه عن التوجه الجديد لإدارة الأصول الحكومية، وتوزيعها على الموطنين، مشيرا إلى أن الدولة ستحتفظ بنسبة لا تقل عن 67 % من أسهم الشركة نظرا لأهميتها الإنتاجية.

بينما قال الدكتور يحيى شاش، خبير صناعة الحديد، معلقا على لجوء الحكومة للتفكير فى برنامج إدارة الأصول الحكومية قائلا: «أعتقد أن الموضوع واضح ومفهوم، والحكومة لجأت لهذا التصرف، بافتراض حسن النية، لأنها فشلت فى إدارة شركات القطاع العام وخربتها تماما لأنها تعتقد أن الكراسى تصنع الرجال وليس العكس، ولهذا اختارت رؤساء شركات غير مؤهلين ولا أكفاء، ولم تعرف كيف تحدد مسئوليتهم ولا كيف تراقبهم أو تحاسبهم، وحينما فشلوا وخربوا شركاتهم أو نهبوها لا تريد الاعتراف بذلك ولكنها ستبقى عليهم مهما كانت الخسائر.

شاش طالب الجهات المعنية، وبالأخص وزارة الاستثمار والتجارة والصناعة بإصلاح «الحال المايل» بدلا من المناورات التى يقوم بها وزير الاستثمار فى إقامة مصانع جديدة، ومحاولة إيجاد حلول فعلية وعملية قريبة من أرض الواقع بعيدا عن النظريات، ويستدل شاش بالبيان الذى أعلنته «القابضة للصناعات المعدنية» الذى أشار إلى انتهاء الدراسات الخاصة بالحديد ومنتجاته المختلفة بما فيها حديد التسليح خلال أيام، على أن يتم عرضها على هيئة التنمية الصناعية للحصول على التراخيص والموافقات اللازمة.

أحمد الزينى، نائب رئيس غرفة مواد البناء، انتقد بشدة التواطؤ الحكومى فى قطاع الحديد قائلا: «الفساد شىء متوارث وإذا كانت هناك نية أو رغبة حقيقية لإصلاح تلك الشركات فلابد من اقتلاع المسئولين الذين تعاملوا مع قطاع الحديد بنظام الكوتة».

وأنهى حديثه قائلا: «شركة الحديد والصلب بحلوان تنتج حاليا حوالى 600 ألف طن سنويا برغم العرقلة المتعمدة للإنتاج، ولو تم ضخ بعض الاستثمارات فى الشركة لتطوير المعدات الموجودة بشركة حلوان سيصل الإنتاج إلى مليون ونصف المليون طن تقريبًا.

لمعلوماتك..
10% يمثلها الحديد من تكلفة المنشآت السكنية.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة