كانت السيدة الأربعينية وما تزال تصحو من النوم، لتبدأ فى فحص صدرها، بحثا عن أى تغير يمكن أن يشير للمرض اللعين، فقد أصابها الرعب من السرطان منذ فقدت شقيقتها، بسرطان الثدى، عشرات الآلاف من المصريات يرعبهن الخوف من السرطان الذى أصبح «فوبيا» فى المجتمع، وليس سرطان الثدى، بل السرطان عموما يرعب المصريين، وهم ليسوا وحدهم فكل شعوب العالم لديها هذا الرعب.
الذين يرون زملاء لهم أو أقارب يغادرون الحياة ويصارعون الموت، فى أسرة بيضاء بمعهد الأورام أو يدوخون على الأطباء، السرطان بالرغم من التقدم العلمى، ما يزال الأكثر إثارة للرعب، لأنه غامض، لا أسباب واضحة له.
مثل الكبد الوبائى الفيروسى الذى يهدد عشرة ملايين آخرين. بينما لا يشكل مرض «الإيدز» نفس الدرجة من إثارة الخوف فى القلوب لدى المصريين على العكس منه فى الولايات المتحدة مثلا. الخوف من المرض، أحد جوانب الخوف التى تنتشر فى المجتمع وتختلف كثيرا عن الخوف الطبيعى للأطفال من الظلام والعفاريت وأمنا الغولة، هو خوف يشترك فيه ملايين البشر ويتزايد مع الزمن، وتعقد الحياة.
1- المستقبل
لو سألت أى مصرى عن أكثر ما يسبب له الخوف، سوف يذكر أشياء كثيرة لكن غياب شعوره بالأمان هو أكثر ما يلفت النظر فى الإجابات. فالخوف من المستقبل شعور يشترك فيه الفقراء والأغنياء والطبقة الوسطى، هناك شعور بعدم الأمان، سوف يرد: المستقبل، والمعاش، الحياة أصبحت أكثر تعقيدا، وأصبح لدى الطبقة المتوسطة هواجس كثيرة، ارتبطت بتحولات اقتصادية واجتماعية، ومن خلال العديد من المواطنين والمهنيين أطباء ومثقفين بدا أن المستقبل يشغل بال الأغلبية، فالقاضى يشترك مع المعلم أو سائق التاكسى فى الخوف من المستقبل، هناك عدم شعور طاغ بعد الأمان، ولا علاقة لذلك بالدخل، فقد كشف مسح بين الفئات الأكثر فقرا والأكثر ثراء فى مصر قبل ثلاث سنوات، غياب الشعور بالأمان، قالت النسبة الغالبة من الأكثر فقرا إنهم لا يشعرون بالأمان لهم ولأسرهم 84 %، والمثير أن 78 % من الأكثر ثراء شاركوا الفقراء الشعور بعدم الأمان، لهم ولأسرهم، وغاب الشعور بالأمان على الممتلكات مع فارق 12 % فقط بين الفقراء والأثرياء، ونفس الأمر بالنسبة للشعور بالاستقرار المستقبلى أو مستقبل الأبناء، ولم يبد الفقراء والأغنياء أملا فى حل مشاكلهم، ولا الاطمئنان فى العمل، المسح ورد ضمن تقرير التنمية البشرية 2005، والذى يصدر عن معهد التخطيط مع الأمم المتحدة، ومحررته الرئيسية الدكتورة هانية الشلقامى، لا الفقراء ولا الأغنياء يشعرون بالأمان، وتنتابهم مخاوف دائمة على مستقبلهم. وإذا كان هذا منطقيا لدى الفقراء فإنه يبدو مثيرا للدهشة مع الأثرياء الذين لا يشعرون بالاطمئنان على ثرواتهم ويشعرون أنها مهددة. الشعور بالخوف من المستقبل يترجم فى الإقبال على وثائق التأمين.
2- المرض
أحد مخاوف المصريين الدائمة وحتى عقود قريبة كان أخذ المريض إلى الطبيب يعنى اقترابه من الموت، وكان مشهد العائلة كاملة وهى ترافق المريضة بالسخونة إلى الطبيب أو المستشفى معهودا، المرض يثير خوف الفقراء والأغنياء، لكن مع الفقر تتضاعف المخاوف، فى ظل تردى أحوال المستشفيات العامة والمركزية، والتأمين الصحى وضيق المستشفيات الجامعية، وارتفاع أسعار الخاصة، وكلها تجعل المرض يشكل الخوف الأكبر لدى المصريين.
حملت العقود الأخيرة مخاوف مع ظهور أمراض مختلفة تهاجم المواطن وتهدد استقرار حياته ومستقبله، على رأسها يأتى مرض السرطان، وهناك فوبيا السرطان فى مصر كما يشير أطباء الأورام، لكنه رعب مبرر هناك مائة ألف مريض بالسرطان يضافون سنويا، حسب تصريح لعميد معهد السرطان القومى السابق الدكتور حسين خالد و90 % منهم غير قادرين على تكاليف العلاج الباهظة.
ومن حق النساء أن يشعرن بالقلق من الزائر البغيض، وتشير الإحصاءات العالمية والمحلية إلى أن واحدة من 112 سيدة فوق سن الأربعين تصاب بسرطان الثدى، وفى مصر هناك سيدة من كل 10 حالات محتمل إصابتها بالمرض، حسب إحصاءات المؤسسة المصرية الخيرية لمكافحة سرطان الثدى. السرطان عند الأطفال يمثل رعبا للآباء والأمهات دفع إلى حشد الجهود لجمع تبرعات لمستشفى سرطان الأطفال، والخوف من المرض بالنسبة للأطفال مبرر، وإحصائيات مستشفى سرطان الأطفال تشير إلى أنه تم استقبال 2095 طفلا مريضا من يوليو 2007 حتى أغسطس 2008. الخوف من السرطان لا يشبه الرعب من التهاب الكبد الفيروسى «سى»، ولا يوجد مصرى إلا وفقد صديقا أو قريبا أو زميلا، وأمامه عشرات من معارفه يعانون المرض، الذى يمثل خلال عشرين عاما أكثر الكوابيس التى تقلق ملايين المصريين من المرضى الظاهرين أو المحتملين، مصر من أكثر الدول فى العالم إصابة به. ويتجاوز المرض إلى تدمير مستقبل الآلاف الذين يحاولون السفر للخليج ويعوقهم ظهور المرض ولو كانوا حاملين له.
هناك أمراض ظهرت فى العقود الأخيرة على رأسها الفشل الكلوى. هناك الخوف من أزمة قلبية، والرعب من جلطة مفاجئة، وخوف متواصل من أمراض العصر السكر والقلب، ولا ننسى فيروس أنفلونزا الطيور الذى لم يصب البشر فقط لكنه دمر الثروة الداجنة وقضى على استثمارات بعشرات الملايين، وأصبح متوطنا فى مصر .
3- حوادث
الشوارع والطرقات والأرصفة، أصبحت جميعها تمثل أسبابا للخوف لدى قطاع واسع من المجتمع، فالحوادث تمثل زائرا غير مرغوب فيه، تفقد الأسرة عائلها أو أحد أبنائها، ومع اتساع نشاط البشر أصبحت هناك ضرورة للتحرك والتنقل، وهو ما يجعل احتمالات الحوادث واردة، والطرقات والشوارع خطرة، ولهذا فإن الكثيرين ممن استطلعنا آراءهم قالوا عن أكثر ما يصيبهم بالرعب هو حوادث الطرق التى تقع للماشى والراكب، بسبب الطرقات السيئة والقوانين الغائبة. هناك 25 ألف ضحية لحوادث الطرق سنويا حسب إحصاءات مركز معلومات مجلس الوزراء، منهم 5 آلاف قتيل، وهو رقم مفزع فضلا عن الخسائر المادية التى تبلغ 4 مليارات جنيه سنويا، ولأن المواطن لا يمكنه التوقف عن الحركة، فإن رعب الحوادث يخيف الفرد على أسرته، كما أشار عدد ممن استطلعنا آراءهم.
الشارع نفسه يمثل خوفا للفتيات من التحرش، وللجميع من السرقة بالإكراه، التى ارتفعت معدلاتها، لتصل فى القاهرة إلى 200 حالة يوميا، حسب تقارير مديريات الأمن، وقد يصل الأمر بالبعض إلى الخوف من السير على الرصيف.
4- البورصة
عندما قرر «ع» أن يتجه إلى البورصة، كان قد يأس من الحصول على وظيفة منتظمة، ووجد فى البورصة ضالته، حيث باع قيراط أرض ورثه عن والده، وباع مصاغ زوجته وبدا ينتظم فى شراء وبيع الأسهم، حقق أرباحا، وخسر أحيانا، وتكونت لديه بعض الخبرة فى البورصة، حتى كان يوم الثلاثاء الأسود حيث شهدت البورصة هبوطا كبيرا، تعرض معه لخسارة بلغت ما يقارب ثلاثة أرباع ما يملكه. ولم يساعده على تحمل الصدمة سوى أنه رأى أمامه عددا من الناس يتساقطون بأزمات قلبية أو يقدمون على الانتحار، وهو نفس ما تكرر بشكل أقوى مع تداعيات الأزمة العالمية، التى تعرض فيها أكثر من 300 ألف مواطن من صغار المستثمرين بالبورصة لأضرار مالية أطاحت بأحلامهم، وهناك ما يقرب من مليون مصرى يضاربون فى أسهم البورصة، أغلبهم من المواطنين العاديين الذين تسبب لهم الخسارة أضرارا بالغة، وحتى كبار المستثمرين فى البورصة يملؤهم رعب الخسارة على أثرها سقط واحد ميتا، وانتحر مدرس من الصعيد بعد أن قتل زوجته وأولاده أشعل فيهم النار عقب حالة انهيار. هناك مليون و700 ألف مستثمر فى البورصة.
الرعب من البورصة نوع جديد ربما لم يكن معروفا قبل عشر سنوات. وهو رعب يشارك فيه المصريون غيرهم، فالربح وارد والخسارة واردة بنفس الدرجة، لكن الأشخاص غير القادرين على تحمل الصدمات، ينصحهم الأطباء بالابتعاد عن البورصة.
5- الزلازل
بعد زلزال أكتوبر 1992 كان «ح» قد أصيب بخوف من أى هزة وظل شهورا يصحو مفزوعا، ولم يغلق باب الحمام أبدا لأن الزلزال فاجأه وهو عار فى الحمام فخرج وتصور أن العمارة المرتفعة تنهار، لم يكن رأى أو عرف زلزالا من قبل. ظل مريضا بالخوف شهورا وذكريات الهزة تصدمه.
حتى التسعينيات كان المصريون يتفرجون على الزلازل فى التليفزيون لكن عام 1992 حمل لهم رعبا رأته الأجيال الجديدة، فلم يحدث أن هاجم مصر زلزال بقوة تزيد عن 4 ريختر لكن زلزال 92 تجاوز الـ6 ريختر، أصاب منازل وزرع الخوف فى نفوس كثيرة.
6- الشرطة
لدى المصريين خوفهم الخاص من الشرطة، ويتحاشى المواطن كثيرا الاقتراب من القسم أو المركز، يغذى هذا الشعور المشاعر غير الطيبة للمواطنين تجاه الشرطة، وتكرار حوادث التعذيب والقتل والضرب، ويشترك المواطنون عموما باختلاف درجاتهم الاجتماعية فى التوجس من الشرطة.
7- السفاح
مازلنا نتذكر قبل عامين فقط عندما انطلقت أخبار عن سفاح المعادى، الذى يطعن بنات المدارس، فى منطقة المعادى ويهرب، انطلقت حوله أساطير وحكايات، استمرت لما يقارب الشهر ساهمت فيها الصحافة والإعلام، وخيالات الناس، حتى انتهت بلا ذيول. فى كل فترة تظهر حكايات عن سفاح، يقتل أو يهاجم النساء أو الأطفال، هذا فى المدن، أما فى القرى والأرياف فإن السفاح عادة تقابله » السلعوة« حيوان غامض، ذئب مسعور يعقر الحيوانات والأطفال، ويهاجم الكبار، وغالبا ما تنتهى الأساطير إلى كلب مسعور أو ذئب طائش، تساعد الحكايات على تضخيمه.
8- العفاريت
السحر والحسد.. القطة السوداء والتشاؤم والتفاؤل، والعفاريت تشغل مساحة كبيرة من عقول المصريين، ويكفى أن نعرف حجم ما ننفقه على السحرة والدجالين وفك الأعمال والربط، لنكتشف مدى الخوف من العفاريت، فالمصريون ينفقون على الدجالين سنويا 10 مليارات جنيه، حسب دراسة فى العام الماضى للمركز القومى للبحوث كشفت عن وجود 275 خرافة على الأقل تتحكم فى حياة المصريين، وأن 63 % من المصريين بينهم 20 % من صفوة المجتمع يؤمنون بالخرافات، و90 % من العينة أعلنت إيمانها بخرافة الربط الجنسى فى ليلة الدخلة بين أهل الريف والمدينة الذين يلجأون إلى الدجالين، بالإضافة إلى استخدامهم الأحجبة لمختلف الأغراض بداية من طلب الشفاء إلى طرد العفاريت والتى حددتها الدراسة بنسبة تصل إلى 70 %.
لمعلوماتك..
◄ 10 ملايين عدد مرضى الالتهاب الكبدى الوبائى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة