◄وانظر أين يهان المصريون ستجد هذا فى الأقطار التى تربط حكوماتها علاقات وثيقة بالنظام المصرى: السعودية، الكويت، قطر، الأردن، ليبيا، ولا نعرف ماذا يناقش حكامنا مع حكام هذه البلاد؟!!
عقب حرب أكتوبر المجيدة عام 1973 التى خاضها جيش الكنانة، تدفقت على الأقطار النفطية فى الخليج وليبيا أموال هائلة جرى استخدام جزء منها فى الإنفاق الترفى وآخر فى إنشاء بنية أساسية حديثة قدرت قيمتها خلال نصف عقد 1980 إلى 1985 بـ500 مليار دولار جرى تنفيذها بنظام تسليم المفتاح من قبل شركات أجنبية استغلت تغييب مصر عن أمتها العربية فالتهمت هذه الوجبة الدسمة حيث أتت بجيوش من الهنود والباكستانيين والبنجلاديش والكوريين ليعملوا فى تشييد هذه المشروعات وفق عقود تنظم ما لهم وما عليهم راعت تلك الأقطار تنفيذها بدقة.. فى الوقت الذى تدفقت فيه موجات من العمال المصريين بعدما أسقطت الدولة المصرية جميع القيود على السفر إلى الخارج.. كان الفارق كبيرا.. المصريون يذهبون عبر السماسرة ومقاولى الأنفار، ليتقاضوا أدنى الأجور فى ظل كفيل ينقل كفالتهم ويبيعها هنا وهناك بل إن بعض مواطنى هذه الأقطار كان دخلهم يقوم على أسعار تأشيرات تباع للمصريين بأسعار متفاوتة، ويأتون إلى مصر ليعيشوا عيشة الأباطرة لدى أصحاب مكاتب التسفير ومقاولى الأنفار ويذهب العامل إلى المجهول ليتقاضى أجرا متدنيا لمدة عامين على الأقل حتى يسدد تكاليف سفره..
بينما الأجانب من كل فج وصوب تحترم عقودهم وآدميتهم وإذا ما ديس لهم على طرف أزبدت حكوماتهم وأرعدت.. ولعل التهديد الهندى لأقطار الخليج كان واضحا حينما صرح وزير خارجية الهند فى الثمانينيات السعيدة بأن الهند ستتدخل إذا ما لزم الأمر لحماية مصالحها فى الخليج ، وما هذه المصالح إلا تلك العمالة الهندية التى كانت تحول لبلدها 14 مليار دولار سنويا بينما فاتورة استيراد النفط الهندية 15 مليار دولار سنويا.. ويا قلبى لا تحزن. العمال المصريون يسامون الهوان. تحويلاتهم فيما عدا القطر العراقى يتسلط عليها قطاع منظم من تجار العملة لتصل إلى مصر جنيهات هزيلة تذهب لتقيم مبانى الطوب والأسمنت على الأراضى الزراعية فتهدرها أو شركات توظيف الأموال التى انتظمت كعقد من القطرن تمارس كل أنواع النصب، بينما الحكومة تغمض العين فلا هى قادرة على تنظيم تحويلات العمالة لتصب فى مشروع تنموى كبير، ولا تقدر على وقف نشاط شركات شفط الأموال التى تمردت؛ خوفا من إغضاب شيوخها، وليست فى حالة تسمح لها بمحاورة الأشقاء فالعلاقات مقطوعة وهى تحاول التقرب لهم فلا تحصل إلا على استثمارات عقارية توسع الخرق على الراتق..
استغل الأشقاء فى الخليج وليبيا تلك الحالة المتردية فازدادت أجور المصريين انخفاضا، وامتد هذا إلى تعديات جائرة على استحقاقاتهم تنشر الصحف منها النذر اليسير حسب العلاقة بهذه الدولة أو تلك فى ظل غياب شبه كامل للدولة المصرية التى أرسلت إلى مكاتب تمثيلها أو رعاية مصالحها بضباط فى المخابرات أو المحاسيب المرضى عنهم والذين تريد مكافأتهم ، وكان الأسوأ وضعا فيهم الملحقين العماليين الذين كانوا معزولين عن الدبلوماسيين التابعين للخارجية، بل إن بعضهم كان يدفع للاستمرار فى موقعه حتى وقت قريب لبعض الفاسدين. استفحل الأمر وصرنا نسمع عن حوادث الاعتداء الجنسى، والطرد الجماعى حيث يلقى بالعمال على حدود مصر من قطر شقيق، والاعتداء بالضرب فى الكويت وقطر وحتى السودان، وزاد استخفاف القوم بعمالنا للأسف مع عودة العلاقات المصرية، العربية، وكأن هذه العودة دوما ثمنها تعاسة حال العمال المصريين.. وانظر أين يهان المصريون ستجد هذا فى الأقطار التى تربط حكوماتها علاقات وثيقة بالنظام المصرى: السعودية، الكويت، قطر، الأردن، ليبيا، ولا نعرف ماذا يناقش حكامنا مع حكام هذه البلاد؟!! إذا لم يكن همّ رعاياهم فى المقدمة وحتى لبنان تفرض حكوماتها السنية 800 دولار سنويا على العامل المصرى وهو الذى لا يتقاضى غير الفتات.. المثير للضحك أنه فى أغلب هذه البلدان اتحادات عمالية علاقاتها وثيقة بالنقابات المصرية..وواضح أن هذه العلاقات لا يدخل فيها باب الاهتمام بالعمالة المصرية التى تمول هذه النقابات باشتراكاتها فتتحول إلى تذاكر سفر وبدلات وإقامة فى الفنادق الفاخرة والوجبات على ظهور المراكب ، أما العمال فليذهبوا إلى الجحيم يظلمون هنا وهناك يدفعون رسوم التصاريح هنا.. وتبخس أجورهم هناك.. يجلد الطبيبان فى مخالفة للشرائع السماوية والأرضية ، على أرض الجزيرة العربية التى يرسل لها المصريون مليارات الريالات حجا وعمرة فيترك للصحف والأحزاب أن تنبح بينما تطلق أعلى الفورسيزون فى قلب القاهرة احتفاء بالأمير الوليد بن طلال.. ويصم أهله عن الاستجابة لمنظمات المجتمع المدنى المصرى، يخطف القراصنة المراكب المصرية، ويحتجز الصيادون المصريون فى أريتريا واليمن والصومال وليبيا، ولا حكومة لنا ولا يحزنون.. فالحكومة تبيع كل شىء ولا يهمها ظلم عمالنا فى أى شىء..
وتنضم إلى منظومة المظالم هذه الكيانات الهزيلة المسماة منظمة العمل العربية، واتحاد العمال العرب الذين تضم جنباتهم محاسيب الحكومات العربية يتقاضون أعلى المرتبات على حساب قوة العمل العربية لا يهمها شأن العمالة المصرية التى تفرق دمها بين القبائل فحكوماتهم ومنظماتهم تواطأوا جميعا على إهدار دمائهم.. وحينما جرت محاولة لتنظيم سفر العمال إلى السعودية ثار أصحاب المصالح وتألبت صحف وفضائيات وأحزاب تحارب محاولة وزيرة العمل فاضطرت الحكومة للتراجع المهين.. فإذا بمشهد جلد الطبيبين المروع والاستهانة بمشاعر طالما غمرت أياديها البيضاء أهل جزيرة العرب منذ ترك لهم الخليل إبراهيم هاجر المصرية ورضيعها إسماعيل بواد غير ذى زرع عند البيت الحرام فكانت لهم برا ورحمة، إلى قوافل المؤن عام المجاعة.
بعد هذا كله أليس هناك حل؟!
هناك حلول وحلول شريطة أن نمتلك الإرادة لفرضها إذا تقاعست الحكومة..
فمسئولية الحكومة تنظيم سفر رعاياها للعمل.. وإعداد برامج تدريب وتثقيف لهم وتوفير الكوادر الإدارية القادرة على متابعتهم بإمكانيات واسعة، ومراجعة عقود عملهم لضمان توافر الأجر العادل ، وإغلاق مكاتب السفريات ومطاردة السماسرة الذين يجوبون قرى الريف لجمع الفتيات وعمال الزراعة.. وألا يكون هناك سفر للعمل إلا عن طريق الدولة.. وعليها التصدى بحسم لعصابات تسفير الرقيق.. نعرف أنها لن تلجأ للمنظمات الدولية خشية على الأشقاء من مس النسيم لخدودهم.. ولكن منظمات المجتمع المدنى وفى طليعتها الأحزاب المصرية عليها أن تقف هى الأخرى متجاوزة خطوط المجاملة.. فلم يعد هناك نظام رجعى وتقدمى فالكل راكع تحت أقدام الأمريكان ، أن نتواصل مع الهيئات الدولية فى حملة واسعة لكشف الافتئات على حقوق العمال المصريين بكل صوره.. ولا يخيفها تهديد غشوم بالاستغناء عن العمالة المصرية.. فعليهم أن يعلموا أننا سندهم الحقيقى إذا ما أرادت إيران التهامهم ، وما يوم الكويت ببعيد، إننا ندفع الآن ثمن موقف خاطئ تجاه العراق الشقيق الذى كان ملاذا كبيرا للعمال المصريين احترمت فيه حقوقهم وآدميتهم وجرت مساواتهم بأهل القطر المضيف.. أتوجه بحديثى هذا لأطراف تعد لاحتفالات كبرى بمرور 60 عاما على الإعلان العالمى لحقوق الإنسان جعلت شعاره «لا للطوارئ، لا للتعذيب، لا للقوانين الاستثنائية» ، أما حقوق العمال ، والطبيبين اللذين يجرى تنفيذ حكم الجلد فيهما، وذلك المصرى الذى أعدم فى ليبيا، فلم تبك عليها باكية ، بينما قامت الدنيا لحكم بالإعدام صدر فى حق ممرضات بلغاريات بذات البلد فأخلى سبيلهن خوفا من عين الخواجات الحمرة.. فهذه قضايا لا تشغل دعاة حقوق الإنسان فى مصر ، صحيح اللى اختشوا ماتوا.. وظلم ذوى القربى أشد مضاضة..على النفس من وقع الحسام المهند.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة