«التربية فى مصر تجعل الولد يخاف من أبيه والتلميذ يخاف من المدرس والمدرس من الناظر والناظر من المدير والمدير من الوزير، والوزير من رئيس الوزراء، ورئيس الوزراء من الرئيس، وكل هذا بسبب غياب الشعور بالأمن، والعدل. هكذا يلخص د. أحمد عكاشة رئيس جمعية الطب النفسى فى العالم حديثه عن الخوف لدى المصريين.
ويقول إن الإنسان يولد بدون خوف، والدليل أن الطفل ينام فى الظلام بدون خوف، حتى تبدأ الأم فى سرد الحكايات التى تجعله يخاف من الظلام (حكاية أمنا الغولة).. وتنهره عندما يحاول اللعب مع الكلب فيخاف من الحيوانات، تصرخ فيه عندما يمسك أشياء من الأرض فيخاف من الشارع.. تصيح عندما يصاب وينزف فيخاف من الدم. الخوف من وجهة نظر د. عكاشة عادة مكتسبة من المجتمع، فالمصريون دأبوا على اعتبار الحاكم إلها مقدسا من نسل الآلهة فأطاعوه طاعة عمياء وقربوا له القرابين،.
خافوا من الفرعون ثم من الملك ثم من الخليفة وأخيراً من السلطة ككل. وفى قرى مصر ستجد عبارة شهيرة صارت مثلاً وقدوة وهى «سلامتك فى البعد عن الحكومة»، وهو أمر يوسع الفجوة، بينهم وبين الحاكم والناس. فى السنوات الخمسين الأخيرة مرت مصر بعدة قوانين متعسفة بدءا من الطوارئ ونهاية بقانون مكافحة الإرهاب، تعطى للسلطة الحاكمة حق الاعتقال واقتحام البيوت وتفتيشها بلا مبررات، والسجن وأحيانا دون حتى العرض على القضاء، كل هذا يجعل المواطن يعيش فى خوف دائم. لأنه لا يمكنه الحصول على حقه، ولا يوجد دليل أقوى من عبارة وزير الداخلية «التليفونات متراقبة.. اللى يخاف ميتكلمش»، اعتقال أصحاب المدونات وحبس الصحفيين كلها أمور تجعل هناك خوفا من التعبير عن الرأى. هذا السلوك من قبل السلطة يدفع المواطن إلى الابتعاد عن أى مشاركة سياسية نتيجة الإحساس بعدم الأمان.
أما الخوف المرضى فهناك أمراض تتسم بالخوف العرضى المؤقت وهو ما يطلق عليه علميا «الرهاب» ومن أكثرها انتشارا «الخوف الاجتماعى» وهو درجة شديدة من الخجل من أى تواصل اجتماعى، خاصة مع الجنس الآخر ومع الأكبر سنا أو مقاما، فيصاب باحمرار بالوجه وازدياد ضربات القلب واضطراب فى الأطراف وغصة فى الحلق وتلعثم ومغص فى المعدة، حيث يتحاشى المواجهة خوفا من هذه الأعراض ومن النقد.
الخوف لو استمر لفترة طويلة يصاحبه قلق شديد وتوتر عصبى وإذا استمر لفترة أطول يصاب الإنسان باضطرابات عصبية جسيمة، وبعدها تثبت الحالة أولاً وبعدها قد يتحول إلى الجنون والاندفاع.
علاج الخوف كما أشار دكتور عكاشة ينقسم إلى ثلاثة أنواع، أولاً: العلاج السلوكى فلو مثلاً كان هناك شخص يخاف من النحلة فأبدأ بأن أعوده تدريجياً على صورة النحلة فى الكتب ثم يرى نحلة ميتة على بعد أمتار منه تتقلص تدريجياً ثم يمسكها، ونفس الشىء يطبق على نحلة حية وهذا العلاج يحتاج من 3 إلى 6 شهور.
العلاج النفسى المعرفى هو ثانى نوع لعلاج الخوف فلو يخاف شخص من الأماكن المغلقة، فنبدأ بأن نبث فيه عدم الخوف من هذه الأماكن ونهيئه نفسيا لقبول هذه الأماكن. وهذا العلاج يأخذ أيضاً فترة من 3 إلى 6 شهور.
ثالث نوع لعلاج الخوف وآخرها هو العلاج الدوائى عن طريق المهدئات والمسكنات وهو ما يعطى للإنسان الخائف نوعا من الراحة النفسية والطمأنينة لمواجهة الخوف ويأخذ هذا النوع من العلاج فترة أطول من 6 شهور.
«الخوف من السلطة» لا علاج له فهو - أى الخوف - كما وصفه د.أحمد عكاشة «خوف قومى» لا ينفع معه شىء إلا بتغيير ثقافة المجتمع ككل واستبدال السلطة والشعب الموجودين الآن بغيرهما.. فتحت قانون الطوارئ والأحكام القضائية لا يمكن أن يشعر أى مواطن بالأمان، والخائف يتقبل العلاج عندما يشعر أن المعالج يريد له الخير ويساعده وهذا لا يحدث فى حالة السلطة السياسية.
لمعلوماتك..
◄ 75% من حالات الخوف والذعرتحدث أثناء الليل.