للأسف .. السائد فى مصر فى واقع الوضع الصحى الراهن هو إغراق مستشفيات القمة بإشغال معظم أسرتها بحالات كان الأجدر بها أن تكون فى وحدات الرعاية الأولية أو بمستويات المستشفيات الثانوية، حيث إنها لا تتطلب مهارات وتقنيات متميزة، فما يتم حاليا هو إنفاق مبالغ هائلة ومتزايدة لتجهز مستشفى مرجعى حديث، ثم تغرقه بحالات مرضية بسيطة لا تحتاج أكثر من مستوى الرعاية الصحية الأولية والثانوية، ليقوم بها من لم يؤهل لها، وأخيرا فإن خبرة المهنيين فى مستوى الرعاية الأولية والثانوية لا تدانيها خبرة ومهارة من لم يتدرب على ممارسة تلك النوعية من التدخلات، إلا إذا ترك ما درب عليه وما أهل له وتمرس عليه أغلب عمره لممارسة مثل هذه النوعية من التدخلات.
وهكذا نرى أن التأمين الصحى المتدرج الشامل هو الحل الوحيد لوقف التزاحم للوصول إلى مقدمى الخدمات الصحية الدقيقة دون حاجة إليهم، بحكم بساطة الحالة وعدم احتياجها إلا للمتابعة المستمرة فقط.وعلينا بالمقابل أن نتخيل الوضع عندما نطبق التأمين الشامل بتسلسله المتدرج وعندما تتوزع التدخلات الطبية على مستويات الرعاية الأولية والثانوية والثالثية، محررة المستشفيات المرجعية وأغلب الثالثية من هدر وتزاحم خاطئ، وهكذا يصبح من المهم أن تضع مصر معايير الاعتماد الخاصة بها بما يخدم مصالح نظامها الصحى التأمينى الشامل على أفضل وجه، ليس فقط صونا لمبادئ الرعاية الصحية الأولية المتمثّلة فى الشمول، والإتاحة، والعدالة، والجودة، والكفاءة، والاستمرارية التمويلية، ولكن أيضا بإعداد أدلة إرشادية لاعتماد المستشفيات التأمينية المتعاقد معها بمقدار ما تستند إلى هذه المبادئ، وبما يتحقق من تقوية الدور التوجيهى للإدارة الصحية الوطنية المتطورة، وتكون تلك الأدلة متمتعة بمرونة لتحقيق التكيف بما يلائم نظام التأمين الصحى المصرى، كما يجب أن يتميز نموذج الاعتماد المصرى بسمات تجعل المستشفى قابلا للمساءلة أمام النظام الصحى التأمينى والجهات القانونية والمهنية، ومحتويا على معايير تعزيزية، ووقائية، وعلاجية، حيثما كان ذلك مناسبا.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة