لواقع معرفتى شبه الوطيدة بالدكتور أحمد نظيف أكاد أثق أنه لحقه التغيير الكبير بعد توليه رئاسة الوزارة فى أربعة أمور.
الأول أنه أدرك كم المشاكل والأزمات التى يعانى منها المواطن فى كل القطاعات وليس فقط فى تكنولوجيا المعلومات.الثانى أنه لمس مدى الثقة الهشة وربما المفقودة بين المواطن والدولة، على اعتبار أن الثانى لايلبى مطالب الأول بالصورة الصحيحة.الثالث علمه بقوة الحزب الوطنى فى القرار السياسى والاقتصادى، وضرورة توثيق الصلة مع أركان كبار، مثل جمال مبارك وصفوت الشريف وفتحى سرور وزكريا عزمى وأحمد عز حتى لاتفقد الحكومة هيبتها.الرابع وعيه التام أن كاريزما نجاحه الطاغى كوزير للاتصالات والمعلومات لن تتكرر فى موقفه كرئيس وزراء، فهو فقط عليه تنفيذ أجندة الحزب والحكومة معا، وليس بناء شخصية تلهم المواطن لأن الإلهام من سمة القيادة السياسية فقط ومقصورة عليها.
ولما كان الدكتور نظيف مدركا طبيعة الأمور الأربعة كان لزاما على القيادة السياسية والجهات المهمة فى البلاد تجديد الثقة به مرتين رغم علم الجميع أنه تنقصه الخبرة اللازمة لقيادة الحكومة فى هذا التوقيت الحساس، فعندما تولى نظيف الحكومة خلفا للدكتور عاطف عبيد كان الشارع المصرى ينظر بكثير من الإعجاب إليه، نظرا إلى ما حققه من إنجازات ملموسة خلال توليه وزارة الاتصالات والمعلومات «أكتوبر 1999 - يوليو 2004»، لكن هذه النظرة سرعان ما اختفت لتحل محلها مطالب أساسية تتعلق بتحسين مستوى المعيشة وتثبيت سعر صرف الدولار أمام العملة المحلية وتوفير فرص عمل لملايين العاطلين ووقف ارتفاع الأسعار. وعندما تسلم نظيف مهام منصبه وجه إليه انتقادان.
الأول أنه لا يملك أى خلفية سياسية واضحة، حيث اقتصر عمله الحكومى على ما يختص بتحديث وتعزيز علاقة مختلف مؤسسات الدولة والمجتمع بعصر التكنولوجيا والاتصالات، لكن القيادة السياسية وقتها دافعت عن اختياره قائلة إن عدم وجود خلفيات سياسية معروفة لا ينتقص من وزن وحجم رئيس الحكومة الجديدة، معتبرة أنه من المهم أن يكون قادرا على قيادة فريق الحكومة بشكل جماعى ومنضبط لتحقيق الأهداف التى وردت فى الخطاب الذى وجهه إليه الرئيس حسنى مبارك لدى تكليفه بتشكيل حكومة خلفا للدكتور عاطف عبيد.
الثانى أن الحكومة تمثل مجموعة من الأكاديميين ورجال أعمال ليس لهم خبرة سياسية على الإطلاق، ودون أن يكون لهم هدف عام يحققونه أو إطار جماعى يتحركون فيه، لأن هؤلاء رؤيتهم محدودة وليس لديهم أى اختلاط بالشارع، وهم بعيدون عن طموحاته وأوجاعه فماذا تنتظر منهم؟.
ويمكن القول بأن حكومة نظيف قدرية تماما بمعنى أن كوارث ومصائب الحكومات السابقة صبت فى عهدتها، إضافة إلى أحداث قدرية أخرى مثل انهيار الدويقة وغرق العبارة وحريق مجلس الشورى وكذلك مسرح بنى سويف.. إلخ، وأصبح من مهمتها معالجة أوضاع سابقة ليست هى طرفا فيها وتوفير مناخ جيد حاليا ينسب إليها.. لكن للأسف لا نظيف عالج الأزمات السابقة، ولا بنى مجدا لحكومته الحالية تتغنى به الأجيال القادمة.. فالمشروعات القومية التى تم البدء فيها منذ مطلع التسعينيات مازالت فى مهدها، رغم إنفاق المليارات حتى ما أنجز منها مثل مترو الأنفاق كمثال أصبح فى حاجة إلى معجزة كى يبقى بسبب الإهمال الواضح بشأنه والفساد فيه.
أما توشكى والعوينات والصالحية الجديدة وتعمير سيناء فمشروعات لها الله فقط، لكن التاريخ سيتذكر نظيف بشىء من الخير فيما يتعلق بضبط سوق النقد فى البلاد والقضاء نهائيا على تجارة العملة بعد 15 عاما من الانهيار فى هذا المجال، وإذا كان البعض ينسب الفضل إلى شخصية الدكتور فاروق العقدة محافظ البنك المركزى القوية وخبرته المعروفة، إلا أن نظيف أيضا مسئول بصورة كبيرة، حيث أعطى من جانبه كرئيس حكومة كل الدعم والتعاون للمحافظ لحل عقدة سوق الصرف، وهو ما أكده مرارا محافظ المركزى، أما فيما عدا ذلك فيدخل فى صلب التكليف والواجب تجاه الشعب الذى للأسف لم يلمس جديدا فى وضع معيشته المتردى جدا منذ تولى نظيف المسئولية، بالتالى لا يمكن اعتبار ما قام به نظيف من إجراءات منذ توليه المسئولية إنجازاً لأنه فى الأساس لم ينعكس إيجابا على المواطن كما أنها إجراءات تفتقد روح الثقة المطلوب توافرها فى هذا التوقيت المهم، ومن ثم فقدت الحكومة بوصلة الإصلاح بالنسبة للمواطن رغم جهودها المضنية.. فالمشاكل أكبر من الإجراءات، ورضا الحكومة للقيادة السياسية أهم بكثير من رضا المواطن، وما دام الأمر كذلك تبقى لاجدوى من أى إصلاح ومن أى إجراء.
ورغم هذا الإخفاق فهناك مطالبات ببقاء أحمد نظيف فى موقعه كرئيس للوزراء وتأجيل أى تغيير وزارى إلى نهاية الصيف القادم، واستند هؤلاء إلى حجة تقول إن التغيير فى نهاية الصيف القادم من شأنه أن يمتص الغضب الجماهيرى المتصاعد والبلاد على أهبة الدخول إلى انتخابات مجلس الشعب المتوقع إجراؤها فى عام 2010، رغم أن البعض الآخر يرى أن الأحوال الحالية فى البلاد معرضة لمزيد من التدهور فى ظل بقاء الحكومة الحالية التى أصبحت لا تلقى قبولا لدى الشارع، وأن استمرارها فى تولى المسئولية من شأنه أن يزيد من حجم الغضب والسخط الجماهيرى فى وقت تواجه فيه البلاد مشاكل داخلية وخارجية.
ويرى هؤلاء أن التغيير القادم يجب أن يأتى بحكومة مقبولة لدى الشارع المصرى، وأن يكون هدفها هو إنقاذ البلاد من الفساد وتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وإعادة الانضباط إلى مؤسسات الدولة المختلفة..
وحمّل نواب المعارضة والنواب المستقلون فى البرلمان حكومة نظيف مسئولية الكثير من الكوارث التى تعرضت لها البلاد، وكان آخرها كارثة الدويقة، حيث اتهم النواب الحكومة بالفساد خاصة فى المجالس المحلية وغياب التنسيق بين الجهات الحكومية، وقالوا إن الحزب الوطنى وحكومته فشلا فى إدارة الدولة ومرافقها أو حتى فى الحفاظ على حياة المواطنين البسطاء.
ومما زاد الأمر سوءا ما قام به المستشار جودت الملط، رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، حيث -وفى سابقة هى الأولى من نوعها- انتقد «الملط» بشدة حكومة نظيف وقال: للأسف إنها فشلت فى تبنى أى سياسات ناجحة للنهوض بالتعليم والصحة وقطاعات مياه الشرب والصرف الصحى والإسكان ولم تنجح فى الارتقاء بهذه القطاعات المهمة والحيوية للمواطن وعرض الملط تقريرا تضمن 12 بندا إيجابيا لأداء الحكومة فى مقابل 22 بندا شرح السلبيات وأنه إذا كانت حكومة نظيف قد حققت نجاحات فى عمليات الإصلاح الاقتصادى باعتراف المؤسسات الدولية إلا إن ما تحقق لم ينعكس على الحياة اليومية للمواطنين من الأغلبية والفقراء ومحدودى الدخل وحتى الطبقة الوسطى لم يشعروا بأى إنجازات اقتصادية نتيجة عدم عدالة التوزيع.
أما تقرير أداء الخدمة بالتعليم العام فى المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية عن العام المالى المنتهى فى 3/6/2006 جاء فيه: إن التعليم فى مصر يواجه مشكلات عديدة أهمها ارتفاع كثافة الفصول وتعدد الفترات الدراسية وطرق التدريس التقليدية وغياب التنمية المهنية الفعالة، وانعدام الربط بين البرامج التدريبية واحتياجات هذه التنمية، كما أكد التقرير تضارب تفسير بعض القرارات الوزارية وعزوف طلاب الثانوية عن دراسة المواد العلمية، وكذلك إغلاق العديد من المدارس لخطورتها على التلاميذ وعدم وجود أسوار لبعض المدارس. ما تقدم به رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات -المستشار جودت الملط- فى تقريره الذى لم يأت على هوى الحكومة كان السبب وراء شن هجوم عليه، لكن فى نفس الوقت الذى بادرت فيه الحكومة بالتشكيك فى «جودت الملط» احتفت الصحافة والشارع المصرى بنزاهته وشفافيته وتفعيل دوره الرقابى فى الكشف عن الفساد وعدم التعتيم عليه.
لمعلوماتك..
◄د.أحمد نظيف.. من مواليد مدينة الإسكندرية ولد فى 8 يوليو العام 1952، تخرج فى قسم الاتصالات والإلكترونيات بكلية الهندسـة بجامعة القاهرة عام 1973، ثم حصل على الماجستير فى هندسة الكهرباء عام 1976. أكمل أبحاثه فى جامعة ماكجيل بكندا حيث حصل على الدكتوراة فى مجال الكمبيوتر عام 1983. عاد للقاهرة ليعمل كأستاذ مساعد، ثم أستاذ مشارك، ثم أستاذ لهندسة الحاسب الآلى حتى العام 1999. تولى منصب وزير الاتصالات والمعلومات قبل توليه رئاسة الحكومة تولى رئاسة الوزراء 14 يوليو 2004 بعد حكومة عاطف عبيد.
لمعلوماتك..
◄60 ألف مدرس رسبوا فى امتحانات الكادر فى عهد نظيف.
◄40% من قوة العمل تعمل بالقطاع الخاص.