أثار صدور قرار حظر النشر الصادر من المستشار محمدى قنصوة فى قضية مقتل سوزان تميم انقسام حاد فى الصحافة بين مؤيد ومعارض للقرار، على خلفية صدور أكثر من كتاب يتناول القضية المنظورة أمام القضاء بشكل يوحى بقطع مؤلفيه باليقين فى موضع الشك (وهى القضية التى أوراقها مازالت تداول أمام القضاء) وتناول بعض الصحف القضية بشكل بعيد عن الموضوعية واحترام تداول الدعوى أمام القضاء.. يطرح مثل هذا القرار سؤالا مهما يتعلق بحدود دور الصحفى فى تغطية المحاكمات المطروحة على القضاء، وما هو حق الصحافة فى المعرفة ونقل الأخبار.
مما لاشك فيه أن التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود حق، كفلته المواثيق الدولية لكل شخص (م/19 من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان)، ولقد أكد الدستور المصرى الصادر فى عام 1971 وتعديلاته على أن الحق فى الحصول على الأنباء والمعلومات حق مكفول للصحفيين (م/ 210 دستور)، وبذلك فإن الأصل فى الصحافة هو تقصى الحقائق والأنباء والمعلومات، وإن كان من الملاحظ أن المشرع الدولى والوطنى وضعا من الضوابط ما يحفظ هذا الحق فى إطار من االمسئولية والواجب، ولذلك نجد نص المادة 19 فقرة 3 من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية الصادر فى عام 1966 والداخل فى حيز النفاذ من عام 1976، على أن "تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها فى الفقرة 2 من هذه المادة واجبات ومسئوليات خاصة. وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية:
أ) لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم.
ب) لحماية الأمن القومى أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.
ومن جهة أخرى وفى سياق الدعاوى المنظورة أمام القضاء أكد ميثاق الشرف الصحفى الصادر فى عام 1998 على أن "يمتنع الصحفى عن تناول ما تتولاه سلطات التحقيق أو المحاكمة فى الدعاوى الجنائية أو المدنية، بطريقة تستهدف التأثير على صالح التحقيق أو سير المحاكمة، ويلتزم الصحفى بعدم إبراز أخبار الجريمة وعدم نشر أسماء وصور المتهمين أو المحكوم عليهم فى جرائم الأحداث." (ثانيًا / 10)، وهو ما تناوله المشرع الجنائى فى المادة 187 من إنه لا يجوز التأثير على القضاة الذين يناط بهم الفصل فى دعوى مطروحة أمام أى جهة من جهات القضاء فى البلاد أو فى رجال القضاء أو النيابة أو غيرهم من الموظفين المكلفين بالتحقيق أو التأثير فى الشهود الذين قد يطلبون لأداء شهادتهم فى تلك الدعوى أو فى ذلك التحقيق أو لأمور من شأنها منع شخص من الإفضاء بمعلومات لأولى الأمر أو التأثير فى الرأى العام لمصلحة طرف فى الدعوى أو التحقيق أو ضده، وعلى القاضى أن يحافظ فى دعواه على أن تسير فى جو هادىء بعيدًا عن كل تدخل من الغير فى شئون العدالة وهو ما أكده الدستور المصرى بنصه "القضاة مستقلون، لا سلطان عليهم فى قضائهم لغير القانون، ولا يجوز لأية سلطة التدخل فى القضايا أو فى شئون العدالة"، وأكد المشرع الجنائى أيضاً فى نص المادة 190 على أنه يجوز للمحاكم نظراً لنوع وقائع الدعوى أن تحظر، فى سبيل المحافظة على النظام العام أو الآداب، نشر المرافعات القضائية أو الأحكام كلها أو بعضها بإحدى طرق النشر المنصوص عليها فى المادة 171، ومن يخالف ذلك يعاقب بالحبس مدة لا تُجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.
وهكذا إن كان من حق الصحافة نقل الأخبار والمعلومات للمجتمع إلا أنه من جهة أخرى من حق أطراف الدعوى أن يضمنوا سير دعواهم فى جو هادىء بعيدا عن كل تدخل من الغير أو تأثير على الرأى العام بشكل قد يضر سمعتهم أو دعواهم، وهو ما يكفل الحق فى الحصول على محاكمة عادلة، وهو ما يدفعنا إلى التأكيد على ضرورة تفعيل ميثاق الشرف الصحفى، وضرورة رفع الوعى القانونى للصحفيين بما يضمن زيادة كفاءتهم فى تغطية القضايا المنظورة أمام القضاء بشكل يضمن عدم تعرضهم للمساءلة القانونية أو التأثير على القضاء.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة