«وأنا صغير حلمت إنى هبقى وزير.. وفعلا بقيت وزير.. وحلمت إنى هحقق لمصر 14 مليون سائح فى سنة واحدة.. وأكيد حلمى ده هيتحقق». بهذه الكلمات أجاب بها وزير السياحة زهير جرانة، عندما سئل خلال اللقاء الأخير لمجلس الأعمال المصرى الكندى بالقاهرة عن الاستراتيجية التى وضعتها وزارته للوصول إلى 14 مليون سائح خلال عام 2011 طبقا للبرنامج الانتخابى للرئيس مبارك.
الأحلام تحولت الى كوابيس، والأوهام إلى استراتيجيات للوزير والحكومة، التى تصمت عليه. بينما يتصرف فى الوزارة والأراضى والتصاريح، كأنه يحكم ملكا خاصا له، وليس وزارة عامة. بدليل صمت رئيس الحكومة الدكتور أحمد نظيف عن تصريحات جرانة ، وتجاوزاته منذ توليه الوزارة، والتى تعد مثالا واضحا على تسخير السلطة فى خدمة البيزنس.
الواقع فى أنشطة جرانة يقترب هو الآخر من الخيال، وما يفوق هذا الخيال يتبدى فى توزيع الأراضى والتراخيص على المقربين دون حساب أو رقابة، وتبدأ تفاصيل هذا السيناريو منذ دخول جرانة وزارة السياحة مساعدا لوزيرها محمد المغربى الذى أصبح وزير الإسكان حاليا، وقتها كانت «تاروت تورز جرانة للسياحة» التى يملكها جرانة مدينة للبنكين الأهلى, وسوسيتيه جنرال بحوالى 20 مليون جنيه, وكان مهددا بالسجن بعد أن أقام البنكان عددا من القضايا ضده, ثم تدخل المغربى فتمت تسوية ديونه، ومرت فترة قصيرة فى موقعه كمساعد للوزير، ثم صدر القرار بتوليه منصب وزير السياحة, وبدأت العروض تنهال عليه لتحسين وضعه المالى, وتعويض خسائره, وحصل على عرض لشراء 50 % من أسهم «تاروت تورز» بحوالى 350 مليون جنيه، ولانعرف هل هو رقم المنصب أم الشركة؟.
480 ترخيصا لإقامة شركات سياحية من فئتى «أ، ج» برأسمال مائة ألف جنيه فقط للشركة منحها جرانة بتأشيرات شخصية منه, رغم إصداره قرارا وزاريا بتاريخ 2 يناير 2008 بوقف التراخيص بصفة مؤقتة لمدة عام ويجدد, وبالمخالفة للقانون 38 لسنه 1977، الخاص بتنظيم الشركات السياحية, ومنها الترخيص الذى منحه الوزير لرجل الأعمال منصور عامر لإنشاء شركة «بورتو تورز» فئة «أ», والترخيص الذى منحه لشاهيناز النجار، عضو مجلس الشعب السابق وزوجة رجل الأعمال أحمد عز، لإقامة شركة سياحية باسم «النبيلة ترافل جروب» (فئة أ), كما تم منح أحمد أبو طالب رئيس لجنة السياحة والإعلام والثقافة بمجلس الشعب رخصتين بتوقيع الوزير, رغم رفضه العديد من الطلبات التى تقدم بها مستثمرون آخرون للحصول على التراخيص، بحجة تعديل القانون, وبالفعل أقرت التعديلات الجديدة بمجلس الشعب فى الدورة البرلمانية الماضية, وتم رفع قيمة رأسمال الشركة إلى 2 مليون جنيه, مع عدم السماح للشركات الجديدة بتنظيم العمرة والحج, فلماذا منح الوزير التراخيص لهذه الشركات بالذات؟.
الوزير منح خلال عام 2006 فقط 176 ترخيصا لشركات جديدة, وفى 2007 منح 109 تراخيص، وفى العام الحالى منح «195» ترخيصا رغم قرار الوقف، فى الوقت الذى لم يمنح فيه ممدوح البلتاجى، وزير السياحة الأسبق، طوال 10 سنوات هى مدة توليه الوزارة، سوى «70» ترخيصا فقط، وكانت نتيجة ما فعله جرانة أن أصبحت لدينا 480 شركة جديدة، بجانب 1200 شركة قائمة بالفعل, وهو ما لا تحتمله السوق خاصة أن الشركات الجديدة معظمها من فئة «أ».
أحمد المغربى وزير الإسكان ورجلا الأعمال محمدى حويدق وأحمد بلبع هم أشهر المستفيدين من جرانة، نظرا للخدمات والمصالح المشتركة بينهم. أحمد المغربى يمتلك شركة أكور للفنادق إلى جانب فنادق «سوفيتيل ونوفوتل وإيتاب وأكور» وشركات يولمان وإكسبريس للنقل السياحى، وهو ما يعنى أن وزيرى السياحة السابق والحالى يسيطران على نسبة كبيرة من الفنادق الموجودة فى مصر وعلى معظم شركات النقل السياحى، وقد أكدت مصادر أن المغربى قرر حماية مصالحه كذلك من خلال (فتحى نور) أشد خصوم جرانة ورئيس شركة مصر للفنادق، والمدير العام لشركة أكور، ورئيس غرفة الفنادق بالاتحاد المصرى للغرف السياحية، بتوليه رئاسة الاتحاد المصرى للغرف السياحية بدلا من أحمد النحاس الموالى لجرانة لضمان السيطرة على فنادق المغربى. محمدى حويدق رئيس فنادق الجفتون وعرابيا وعرابيلا وبيل أير وشريك جرانة حاليا، أوكل إدارة مجموعة فنادقه لشركة أزور التى يمتلكها جرانة، فكافأه الوزير وخصص له نصف مليون متر مربع بمركز نبق السياحى تحت اسم شركة الرابية للاستثمار السياحى بقرار رقم 29 لسنة 2008 بقيمة 10 دولارات للمتر المربع, بالإضافة إلى تخصيص ما يزيد على 2 مليون متر مربع بمنطقة مرسى علم، بالمخالفة للقرار الذى أصدره جرانة نفسه، بمنع التخصيص واتباع أسلوب المفاضلة فى طرح الأراضى.
أحمد بلبع وحده حصل على سبع قطع أراض دفعة واحدة بمركز نبق السياحى، بلغ إجمالى مساحتها مليونين و314 ألفا و 303 أمتار مربعة، موزعة كالتالى: قطعة رقم 17 فى المنطقة الشاطئية بمساحة 225242 مترا مربعا، وخلفها قطعة 13E بالمنطقة الوسطى مساحتها 46540 مترا مربعا وبجوارها قطعة رقم 37 بنفس المنطقة الوسطى مساحتها 13721 مترا مربعا، وبجوارها قطعة رقم 40 بالمنطقة الخلفية الثالثة وقطعة رقم 41 بنفس المنطقة الثالثة وبجوارها القطعتان رقم أ52 ورقم 52 ب مساحتهما مليونا متر مربع. هذه الأراضى السبع حصل عليها تحت أسماء ثلاث شركات. الأولى شركة شرم الشيخ الدولية للاستثمار السياحى (3 قطع) وشركة الماسية للمشروعات السياحية (قطعتين) وشركة تنمية شرم الشيخ الجديدة - الشركة الأم - (قطعتين). وحصل بلبع على هذه الأراضى بدولار واحد للمتر المربع، وبعد تسلمها ارتفع سعر المتر من دولار واحد (5.7 جنيه) إلى 800 جنيه، وهو ما يعنى أن مجموع أراضيه التى كانت بـ 13 مليون جنيه أصبحت الآن بقدرة وزير السياحة تساوى مليارين إلا قليلاً من الجنيهات. بالإضافة إلى أراض أخرى خصصت له فى مرسى علم وبعض المناطق بالبحر الأحمر. الجهاز المركزى للمحاسبات أبدى اعتراضه على قرار وزير السياحة بتجديد عقد الشركة الدولية D.D.B للدعاية فى لندن لمدة عام ونصف العام، ووكيلها فى مصر «طارق نور للإعلان»، ابتداء من سبتمبر الماضى مقابل أكثر من20 مليون دولار، بعد انتهاء عقد الشركة الذى كانت مدته 3 سنوات, وأنفقت وزارة السياحة خلاله أكثر من120 مليون دولار على حملة الدعاية للسياحة المصرية، والنتيجة أن الحملة كانت من أضعف الحملات الدولية، ولم يحس بها أحد بخلاف حملات مصر فى التسعينيات وبداية الألفية الثالثة والتى شهد لها العالم.
الجهاز أبدى ملاحظات أخرى بعدم أحقية الشركة فى نحو 9 ملايين جنيه تم صرفها كنسبة من التكاليف المتغيرة 11.6 % ورأى ضرورة رد هذا المبلغ، واعترض الجهاز كذلك على صرف مايقرب من مليون جنيه قيمة فواتير انتقالات وإقامات بالفنادق وتليفونات وتذاكر طيران، تخص العاملين بالشركة المنفذة بالمخالفة لأحكام المادة (5) من العقد.
هذه المخالفات ليست الوحيدة، فقد فرض الوزير على الشركات السياحية دفع 120 مليون جنيه، للحصول على 10 آلاف تأشيرة حج مجانية من السعودية, حيث باعت الوزارة تأشيرات الحج المجانية لشركات السياحة مقابل 12 ألف جنيه لكل تأشيرة، وقرر جرانة معاقبة من يرفض الدفع, بتحرير المخالفات ضده، لأن الوزارة التزمت بجمع المبلغ لوزارة المالية أو للإنفاق على البعثات، ورغم أن الحكومة نفت ذلك فإن الوزارة اتفقت مع الغرفة على هذا المبلغ مقابل هذه التأشيرات وأكدت ضرورة التنفيذ. جرانة لم يهتم بخراب بيوت المستثمرين فى طابا, ولا حتى تعرضهم للحبس وبيع ممتلكاتهم فى المزاد العلنى، بعد وقف البنوك تعاملاتها التمويلية للمشروعات السياحية فى منطقتى طابا ونويبع, بعد رفض الوزير التوسط لجدولة مديونيات المستثمرين بعد تراجع النشاط السياحى إلى نقطة الصفر فى أكثر من 80 % من المنشآت السياحية بالمنطقة على خلفية الهجمات الإرهابية فى سيناء عام 2004, فاتخذ البنك الاهلى، الشريك الرئيسى فى معظم المشروعات السياحية، إجراءاته ورفع دعاوى قضائية ضد 50 مستثمراً لاسترداد أمواله, مما اضطر بعضهم إلى عرض فنادقهم للبيع بالمزاد العلنى لسداد مديونياتهم، بعد تراجع نسبة الإشغال السياحى بالقرى والفنادق إلى الصفر تقريبًا، وانهيار الأسعار إلى أدنى مستوياتها، رغم أن هذا كله من صميم اختصاص وزارة السياحة، التى لم ينتبه وزيرها إلى أن المنطقة واعدة وتحتاج إلى الترويج ووضعها على خريطة السياحة العالمية. جرانة واجه سؤالا فى البرلمان حول الرواتب العالية للمستشارين فى وزارته، فأجاب: «ليس مطلوباً منى أن أفهم فى جميع التخصصات، ولو شايفين إن المرتبات عالية، يبقى نقفل وزارة السياحة»، لكن هناك حلاً آخر غاب تماما عن ذهن جرانة، وهو أن الأسهل من إلغاء الوزارة هو تنحية الوزير ومحاسبته على ما اقترفت يداه، وربما يكون هذا أقرب إليه مما يتصور.
لمعلوماتك..
◄جرانة أصدر قراراً بوقف التر اخيص ومنح منصور عامر ورئيس لجنة السياحة تسهيلات لإنشاء شركات
◄مواليد 20 فبراير 1959, حاصل على بكالوريوس السياحة من كلية السياحة والفنادق بجامعة حلوان, وتأسست شركته عام 79 وظل جرانة مالكها والعضو المنتدب فيها والآمر الناهى بها حتى جاء وزيرا عام 2005 ليتولى إدارتها عمه كريم جرانة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة