رغم بشاعة ما يمكن أن تسمعه من الاخصائية الإجتماعية بمدرسة «هاجر مجدى» عن مشكلتها، إلا أنك ستجد ما تحكيه هاجر نفسها أصعب كثيرا، فهى تحكيه بكل ألمها وعذابها وحسرتها على سنواتها التى لا تتجاوز الاثنتى عشرة.
تستقبلك هاجر بابتسامة رقيقة خجولة، وهى تحكى عما لاقته على يد والدها، المختل نفسيا بشهادة مستشفى الأمراض العقلية، والذى تسبب فى النهاية فى بتر قدمها اليسرى. بعد وفاة الزوج الأول لأم هاجر ترك لها ولدا وبنتا، تولت تربيتهما وكانت تبيع الحلوى أمام أبواب المدارس، حتى قابلت مجدى بحرى بائع الأنابيب الذى تزوجها واهتم بابنيها كأنهما ابنيه هو، ثم رزقهما الله بأحمد وهاجر، ومع الوقت تغيرت سلوكيات وأفعال مجدى بحرى، وكثرت مشاكله مع زوجته وجيرانه، وكان يصفهم بالكفرة والمنافقين.
«أم هاجر» لم تتحمل، وذهبت إلى بيت أهلها، لتفاجأ بعد يومين باتصال من ابنها أحمد، يخبرها بأن الأب أحرق قدم هاجر، وحبسها فى الغرفة، فتلقت الخبر بصدمة، واستعانت بإخوتها لإنقاذ ابنتها، ولكن دون جدوى حيث أنكر الأب وجودها من الأساس وقال إنها بخير وذهبت إلى الحضانة، واستمر حبس هاجر بقدمها المحترقة أربعة أيام دون علاج أو إسعاف، حتى حمل الأب البنت وذهب بها إلى مديرية الأمن، وهناك حجزوه، وحولوا البنت إلى مستشفى قصر العينى لعلاجها، حيث تم بتر قدمها نتيجة تفحمها. هاجر تحكى سبب المأساة: «أبويا كان بيقول إن عليا جن، وإنه عاوز يطلعه منى، فمسك رجلى ودخل فيها إبرة التنجيد الكبيرة من تحت وطلعها من الناحية التانية، وأنا كنت باصرخ، وأحمد أخويا حاول يبعده عنى، فضربه لحد ما وقع فى آخر الشقة، وقفل عليا الباب، ودلق على رجلى جاز وولع فيها».
هاجر لم تستطع إكمال حديثها: «أنا باتخنق وباحس أنى مش عارفة آخد نفسى لما بتكلم فى الحكاية دى» وخرجت من الغرفة، لتكمل أمها القصة: «حصلت منه على الطلاق بعد دخوله مستشفى الأمراض العقلية فى العباسية، وتوسط عم الأولاد لإقناعى بالرجوع إليه حتى يخرج من المستشفى ويكمل العلاج فى المنزل، بعد أن أكد لى الطبيب أنه لا خطر منه، وانه أصبح هادئا جداً، فوافقت تحت الضغط، ولاحتياجى لمن يعول الأولاد وينفق على البيت، ولكن بعد خروجه لم يعد إلى عمله واكتفى بالتنازل عن حصته فى الأنابيب لبائع أخر مقابل 250 جنيهاً». ورغم كل شىء نجحت هاجر فى الدراسة العام الماضى، وبدأت دراستها بانتظام فى العام الحالى، تقول: «أنا نفسى أكمل تعليمى وأطلع دكتورة، ومسيبش التعليم، واشتغل زى اخواتى»، شبح الأب لم يختف تماما، بل عاد ليهاجم الأسرة الحزينة بقسوة، ليفاجأوا به يطرق الباب بعنف فى جوف الليل، ويتهم ابنه بأنه يسحر له «وعامل له عمل».