بدأت بـ"لبنان" وأهمها زيارة جنوب السودان..

مصر تتأهب لأوباما بـ"ثورة دبلوماسية"

الجمعة، 21 نوفمبر 2008 08:50 م
مصر تتأهب لأوباما بـ"ثورة دبلوماسية" 35 عاماً هو فارق السن بين الرئيس مبارك وأوباما
كتب إبراهيم أحمد عرفات

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أثار النشاط المكثف للسياسة المصرية هذا الشهر خارجياً، العديد من التساؤلات، حول الهدف من هذا التحرك، بدءًا من زيارة الوفد الأمنى برئاسة نائب مدير جهاز المخابرات المصرية إلى لبنان، مروراً بالزيارة الخاطفة التى قام بها الرئيس مبارك إلى جنوب السودان كأول رئيس مصرى وعربى يزور ذلك الإقليم الذى يتجه ـ ظاهرياً ـ نحو الانفصال عن السودان، بالرغم من أن مصر تدعم وحدة هذا البلد، ثم زيارة الهند، وأخيراً استقبال رئيسة الأرجنتين الآن.

وكشفت هذه (الثورة) الدبلوماسية والأمنية، عن امتلاك مصر للعديد من مفاتيح تسوية بعض الملفات المهمة فى الشرق الأوسط، ولديها وسائل تساعدها على تفادى أية قرارات من شأنها أن تؤثر على الأمن القومى المصرى.

بطاقة تعارف موجهة لإدارة أوباما
ربما تكمن الإجابة على هذه التساؤلات فى رغبة القيادة المصرية فى تقديم (بطاقة تعارف إستراتيجية) للرئيس الأمريكى القادم، حيث استهلت أولى ذلك النشاط والصحوة بزيارة نوعية إلى بيروت، قبل الانتخابات الأمريكية بـ9 أيام فقط، ثم أكملت "الهجوم" الدبلوماسى ـ إذا جاز التعبير ـ بعد فوز باراك أوباما بمنصب الرئاسة، وهو ما جسدته زيارة الرئيس مبارك إلى السودان شمالاً وجنوباً، فى خطوة تحمل العديد من الرسائل، ليس للإدارة الأمريكية الجديدة فحسب، بل إلى دول شرق أفريقيا وحوض النيل، وتحديداً إلى كينيا (مسقط رأس والد أوباما).

وهو ما يعنى أن مصر لا تزال رقما مهما وصعبا فى معادلة الأحداث الإقليمية، وهناك صعوبة أمام أية إدارة أمريكية، التخلى عن دورها فى المنطقة، وأن أية ترتيبات مستقبلية يجب أن تراعى المصالح المصرية.

مخاوف مصر من "واقعية" أوباما ـ بايدن
لماذا تحركت مصر نحو الملفات الأصعب التى تمتلك أوراقها سوريا وإيران تحديداً؟.. هذا هو التساؤل الأهم، فقد بدا واضحاً أن الرئيس الديمقراطى الجديد ونائبه جون بايدن، ليس لديهم أية مشاكل أو صعوبات فى فتح قنوات اتصال مباشرة بين واشنطن وكل من طهران ودمشق، بل وحركة حماس أيضاً، وهو ما بدا فى تصريحاتهما خلال الحملة الانتخابية، والتى تعتبر متوافقة مع توجهاتهم السياسية ذات النزعة "الواقعية"، التى لا تقف عند حدود نفسية ـ كما كان الحال لدى بوش وإدارته ـ وتتعامل مع الواقع بما تفرضه المصلحة.. وهو النهج الذى يعتمد فى الأساس على الأدوات الدبلوماسية والسياسية دون العسكرية.

هذه النزعة تشير دلالاتها إلى أن تطور الأحداث مستقبلاً قد يؤدى إلى تدعيم دور كل من إيران وسوريا تجاه ملفات لبنان، والعراق، بل وفلسطين، فى إطار مساومات سياسية بين الجانبين، من شأنها أن تؤثر على الدور المصرى فى المنطقة، بل وتعرض أمنها القومى للخطر فى المستقبل، من منظور أنها أصبحت (ورقة غير مفيدة) .. لذلك جاءت زيارة اللواء عمر قناوى للبنان، لتحرك العملية السياسية، وتمهد الطريق أمام لقاء تاريخى بين سعد الحريرى ـ رئيس كتلة المستقبل وأحد قيادات الموالاة ـ مع السيد حسن نصر الله زعيم حزب الله وأحد أقطاب المعارضة، فى خطوة إستراتيجية تؤكد أن القاهرة لديها العديد من أدوات التأثير الهجومية لتدافع عن مصالحها فى الشرق الأوسط.

تأمين مياه النيل ومواجهة التعنت الكينى
ثم تأتى زيارة الرئيس مبارك للسودان وتحديداً إلى جوبا عاصمة الجنوب، بعد 4 أيام من إعلان باراك أوباما رئيساً لأمريكا، لتعبر عن قراءة القيادة المصرية لإستراتيجية واشنطن المقبلة تجاه أفريقيا، وحدود تأثيرها على الأمن القومى المصرى. فهناك الكثيرون لا يعرفون أن هناك قانوناً أمريكياً يدعى "قانون الفرصة والتنمية" (AGOA) لتعزيز علاقات الشراكة بين أمريكا وأفريقيا السوداء ودول الباسيفيك، كما أنه له غطاء سياسى يتمثل فى فصل شمال القارة عن جنوبها، بالقدر الذى يجعل الجنوب موالياً تماماً لواشنطن، ويمكن أن يكون أداة ضغط على دول الشمال ولاسيما مصر.

وقد تجلت هذه الرؤية واضحة فى دعم أمريكا الواضح لكينيا (خلال الفترة الثانية لكلينتون والفترة الأولى لبوش الابن) وإسناد ملفات حيوية لها، مثل الملف الصومالى وملف جنوب السودان، وهى ملفات أكبر من قدرات نيروبى، كسياسة تشير بوضوح إلى مساعٍ إستراتيجية أمريكية لتقويض (بقايا) الدور المصرى فى أفريقيا، كل ما يحمله من مخاطر مستقبلية على الأمن القومى المصرى، تتمثل أهمها فى دعم واشنطن ـ بمساعدة البنك الدولى ـ لموقف كينيا وأوغندا وتنزانيا (المتعنت) من التوقيع على اتفاقية نهر النيل الجديدة التى تساعد على زيادة حصة مصر من مياه النيل بـ5 مليارات متر مكعب، وتؤسس لقواعد عدم بيع أو نقل المياه خارج دول الحوض.

من هنا، جاءت زيارة مبارك إلى جنوب السودان ولقائه برئيس حكومة الإقليم سيلفاكير مياردين، لدفع مشروع جونجلى وتنقية حوض بحر الغزال، الذى سيوفر، وفقاً للدكتور ضياء الدين القوصى مستشار وزير الموارد المائية والرى، نحو 45 مليار متر مكعب تستفيد منها مصر والسودان فقط.

الهند .. هامش دولى للمناورة
ثم تأتى الزيارة المهمة إلى الهند، لتبعث برسالة مفادها أن هناك بدائل أمام القيادة المصرية فى حال تعنت الولايات المتحدة فيما يتعلق بتحريك اتفاقية الشراكة الاقتصادية مع مصر خلال الفترة المقبلة، بكل ما يعنيه ذلك من مساعدة مصر للهند على اختراق سوق الشرق الأوسط وأفريقيا، مما يهدد المصالح الأمريكية الاقتصادية.

ويبدو أن مصر تسعى إلى إيجاد هامش دولى للمناورة ضد سياسات متوقعة أكثر تشدداً من واشنطن، وهو ما تجلى فى تحريك الرئيس مبارك ونظيرته الهندية بارتيبا باتل، لمنظمة دول عدم الانحياز، والبحث عن دور لها فى الأزمة المالية العالمية، وهى المنظمة التى كانت أداة مهمة خلال ستينيات القرن الماضى لمواجهة ضغوط قطبى الحرب الباردة الاتحاد السوفيتى وأمريكا..

الأرجنتين .. فضاء إستراتيجى مهم
لم يكن مستغرباً أن تستقبل مصر رئيسة الأرجنتين الجديدة، التى تسعى بدورها إلى تعزيز مكانة بلادها الإقليمية والعالمية من خلال الانفتاح على الشرق الأوسط، لمواجهة صعود النفوذ البرازيلى فى أمريكا اللاتينية، وذلك من خلال تقديم خدمات لدول الشرق الأوسط، خاصة فى مجال الطاقة النووية، ولنا فى قراءة تاريخ العلاقات المصرية الأرجنتينية أيام كارلوس منعم خلال الثمانينيات خير مثال.

فقد كانت بوينس إيرس فضاء إستراتيجى مهم لمشروع البرنامج النووى المصرى خلال عقد الثمانينيات، خلال حكم منعم، وذلك تفادياً لحوادث الاغتيالات التى كانت تطال العلماء المصريين فى أوروبا وتحديداً فرنسا، وهو ما تم الكشف عنه فى أواخر ثمانينيات القرن الماضى، ولم يعرف بعد ما إذا كان هناك أوجه تعاون بين مصر والأرجنتين فيما بعد كارلوس منعم أم لا؟

أخيراً.. يبدو أن باراك أوباما بالنسبة للمصالح المصرية الحيوية، ليس مبعثا للتفاؤل كما يعتبره البعض، لكنه مصدر خطر احتاج إلى تحرك مسبق لتعديل أية مخططات له وإدارته من شأنها انتهاج الضغط على مصر وتهديد مصالحها.. ولكن هل تنجح مصر فى استثمار ذلك النجاح الأخير فى استعادة دورها الإقليمى مرة أخرى؟!





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة