يا خسارة.. انهزمت الجميلة «سارة بيلين» وجاءنا العجوز «جو بايدن» نائبا لرئيس أمريكانى أسود. وكما ظهرت فى لمح البصر اختفت فى لمح البصر ولم تترك وراءها إلا تسريحة شعرها. فجأةً تدخل تسريحتها التاريخ وينشغل الحلاقون فى نيويورك بنسخها على شكل باروكة يتعدى ثمن الواحدة منها ألف دولار. الزبون الأول؟ النساء اليهوديات. لماذا؟ لهذه الأسباب..
فى التشريع اليهودى الأرثوذكسى يُترك شعر المولود الذكر كما هو حتى يبلغ الثالثة من عمره، وعندها يقيمون له احتفالا لقص الشعر يسمونه بالعبرية Halaqah (لاحظ التشابه مع الجذر اللغوى العربى «حلق»). بعد ذلك تكون للطفل الذى سيصبح صبيا ثم رجلا حرية التصرف فيه كيفما شاء. بعضهم يهذبه وبعضهم يتركه سائحا وبعضهم يغطيه بقُبّعة وبعضهم يحلقه جزئيا تاركا المجال لضفيرتين غير مهذبتين تتدليان من جانبى الرأس.
هؤلاء يسمونهم Yeshiva، وهى كلمة آرامية تعنى حرفيا «اجلس فى الفصل الدراسى»، لكن الدراسة هنا تقتصر على التوراة والأدبيات اليهودية ولا تشمل علوم الدنيا (لاحظ التشابه مع فكرة الكُتّاب الريفى وأعمدة علماء الدين لدى المسلمين)، يستثنى القانون الإسرائيلى هؤلاء من الخدمة العسكرية؛ فهذا هو «جهادهم» ضد أعداء الأمة. إذا قابلت أحدهم فى يوم من الأيام فلا تحاول أن تجادله؛ فهم لا يفهمون إلا ما يفهمون. «بَجَم» بالتعبير المصرى الأصيل. لا يعلّمون نساءهم وإذا علموهن يفصلوهن فى قطاع آخر يسمونه Midrasha (لاحظ التشابه مع الجذر اللغوى العربى «درس»). أما شعر الأنثى فهو، كما هو عند العرب والمسلمين، فتنة ينبغى وضع حد لها إما بـ«حجبه» عن الأعين جزئيا أو كليا كما يفعل المحافظون من المسلمين والمسيحيين، أو بإزالته حَلْقا، كما لا يفعل أحد آخر غيرهم، والاستعاضة عنه بـ... ماذا؟ بباروكة. ولا ضير من أن تكون هذه الباروكة على شكل تسريحة شعر سارة بيلين رحمها الله.
فأما الحجاب المنتشر بين اليهوديات فإن له أشكالا كثيرة مختلفة أدعوكم إلى النظر إلى بعضها من خلال هذا الرابط الإلكترونى: http://www.tznius.com/cgi-bin/tying.pl. وأما حلاقة الشعر فإن لها أيضا أشكالا مختلفة تبدأ عند بعضهن بقص بعض الخصلات و«حجب» ما تبقى من الشعر عن طريق شال أو منديل أو قُبّعة أو كيس بلاستيك أو باروكة، وتنتهى بحلق الشعر تماما «ع الزيرو»، وعادة ما يحدث هذا عقب ليلة الزفاف على يد أم العروس. فبينما تتوجه الأم المصرية يوم الصباحية إلى منزل ابنتها العروس وفى رأسها سؤال واحد: «ها! حصل؟» فإن الأم اليهودية الأرثوذكسية تتوجه يوم الصباحية إلى منزل ابنتها العروس وفى يدها مقص وشفرة حلاقة وباروكة.
الهدف من وراء ذلك نظريا هو التعفف والتواضع وإغلاق الباب فى وجه الفتنة. لكن الحاخام المعتدل، دوف ليرنر، يعترف بأن «الباروكة فى معظم الأحيان تكون زينة وزخرفة تتعدى قدرة أبرع الحلاقين على زخرفة الشعر الطبيعى». وهو الأمر الذى يشبه حال بعض المسلمات اللائى يضعن الحجاب على رؤوسهن ومعه الأحمر والأصفر والفوشيا على وجوههن. «أليزا رايخ» فتاة أمريكية جميلة لديها تسعة عشر عاما وشعر أشقر داكن يكاد يلمس خاصرتها. لديها عقل متفتح مقبل على الدنيا دفعها إلى أن تشترط على ذلك الشاب اليهودى الذى تقدم لخطبتها أنها لا تنوى أن ترتدى حجابا على شعرها. ضغطت عليها حقيقة أنها ولدت فى مجتمع اليهود الأرثوذكس فى كليفلاند حتى وجدت نفسها ذات يوم فى أحد أشهر وأغلى محلات الحلاقة فى أمريكا. أقنعها صاحب المحل، الذى يؤكد أن ثمانين بالمائة من زبائنه نساء يهوديات، بألا تحلق شعرها وقام بدلا من ذلك بتفصيل باروكة من نفس لون الشعر وجعل لها فتحة من أسفل يمر منها شعرها الطبيعى. لا تعدم النساء حيلة أبدا وليس من المهم فى هذا السياق على من يضحكن.
ولأنه حلاق يهودى ذكى ومثقف ويعلم كيف يتعامل مع نساء جلدته فقد شرح لها أن ثمة تقليدا يهوديا قبلانيا (فصيل يهودى أقرب إلى الصوفية) يلزم المرأة بارتداء الحجاب (والباروكة بهذا المعنى تعتبر حجابا) فقط أثناء الدورة الشهرية وما يصحبها ويعقبها من حيض. ولأنها أدركت أن قيامها بذلك سيكون فى الواقع إعلانا لكل من هب ودب عن موعد دورتها الشهرية فقد قررت أن ترتدى الباروكة طوال أيام الشهر. غير أن مفهوم أيام الحيض لدى اليهود يختلف عنه لدى المسلمين والمسيحيين. فكل امرأة مسلمة على سبيل المثال تعلم أيام حيضها وأيام طهرها، يختلف هذا من امرأة إلى أخرى وقد بيّن العلماء لنا أحكام الدين فى هذا الشأن. وبغض النظر عن اختلاف فترة الحيض من حالة إلى أخرى بيوم أو أيام قليلة، أو حتى اختلافها فى نفس الحالة من فترة إلى أخرى، فإن الذى لا شك فيه هو حكم القرآن الكريم على الرجال: «ولا تقربوهن حتى يطهرن».
الحال نفسه لدى اليهود، غير أن اللافت للنظر أنهم يطبقون ذلك بحذافيره فلا تستطيع المرأة اليهودية الأرثوذكسية مثلا أن تناول زوجها ملعقة أثناء فترة الحيض خوفا من أن تلمس إصبعه بالصدفة. أما المشكلة الكبرى فتتمثل فى عدم انتظام مواعيد بدء الحيض أو الفترة التى يستغرقها. تشير أبحاث متكررة إلى أن هذه ظاهرة صارت أكثر انتشارا فى عالم اليوم الملىء بالتوتر والإحباط والقلق، لكن المشكلة تزداد تعقيدا فى حال اليهوديات الأرثوذكسيات؛ إذ إن علاقتهن بأزواجهن تبقى فى دائرة «ولا تقربوهن» على الإطلاق لمدة سبعة أيام أخرى بعد انتهاء الحيض. يصل الأمر أحيانا لهذه الأسباب فى بعض الحالات إلى احتمال انعدام فرصة اجتماع الرجل بزوجته دون معصية الله. كانت اليهودية لين ميريديث شريبير على علاقة بشاب مسيحى كاثوليكى ولم تكن تتخيل أن الحال سينتهى بها إلى الزواج بيهودى أرثوذكسى. من أول ليلة بدأت تكتشف تدريجيا ماذا يعنى ذلك، وكانت أولى المفاجآت أن فى غرفة النوم سريرين، واحد لهما معا فى أيام طهارتها، والثانى له وحده فى أيام حيضها. «بعد سنوات من الخروج مع شبان لا يدفعون فاتورة العشاء»، تقول السيدة شريبير، «حان الوقت للبحث عن رجل حقيقي». دخلت بقدميها إلى عش الأرثوذكس.
فى الليلة التى سبقت ليلة الزفاف، أخذتها أمها من يدها إلى أول «غطسة» فى حياتها داخل حمام يهودى، وهو تقليد منتشر بين الأرثوذكس له طقوسه وفروضه على سبيل التطهر قبل الزواج وكل مرة بعد انتهاء الحيض. يتم ذلك فى حمام يسميه اليهود Mikvah، يقدّر اتحاد الأرثوذكس عدد هذه الحمامات فى أمريكا وحدها بأكثر من ثلاثمائة. عند مدخل الحمام تستقبل زوجة الحاخام النساء الزائرات، ويكون للعروس الحق فى أن تغطس أولا قبيل غروب الشمس بينما تنتظر الأخريات إلى أن يستطعن رؤية ثلاث نجمات فى السماء بعد حلول الظلام.
بأناقة، تصف العروس شريبير تجربة الغطسة الأولى: «أسير فى خطى امرأة، هى أمامى وأنا وراءها على بعد خطوتين، داخل ممر صالة صامتة صمت المقابر، إلى أن تبلغ بى بابا أعبر من خلاله بينما يتقافز انعكاس الضوء من الماء إلى السقف إلى الأرض. أخلع الروب (لم أكن أرتدى سواه) وأهبط فى رهبة إلى داخل حوض ملىء بالمياه، رفقا، رفقا، إلى أن تغطى هذه كتفى. الآن أسمع بوضوح صدى نفَسى يرتد إلىّ من جمود الحوائط. أسدل عينىّ وأغطس، يتفاقع الماء. أضم ركبتىّ وأدفن نفْسى بينهما قبل أن أنبثق فوق صفحة الماء فتهتف عاملة الحمام: (كوشير). أغطس مرة ثانية، وثالثة: (كوشير، كوشير)». وكوشير هذه يمكن ترجمتها هنا إلى المصرية الدارجة هكذا: «حلال عليكى، حلال عليكى».
تهرول شريبير بعد ذلك إلى زوجها الذى ينتظر فى شغف، لكننا غير متأكدين مما إذا كان لقاؤهما الزوجى يتم كما ينتشر القول من خلال فتحة فى ملاءة. يقول أحد الحاخامات إن هذه العادة منتشرة بين فصائل يهودية على سبيل التواضع Tziniyut غالبا فى غرفة مظلمة تضمن أن هدف اللقاء الزوجى أسمى من مجرد اللذة: إعادة الإنتاج البشرى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة