24 مليون عامل مصرى تهددهم العمالة المستوردة

الجمعة، 21 نوفمبر 2008 03:05 ص
24 مليون عامل مصرى تهددهم العمالة المستوردة عائشة عبد الهادى
عبد الرحمن خير

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄شركة تايوانية استعانت بمساجين تايوان لقضاء مدة عقوبتهم فى مصانع إسكو

شعرت بالدهشة عندما كنت أجلس مع مسئول كبير عن سياسات التشغيل تعرض عليه مشكلة خاصة بانتهاء إقامة أحد العمال غير المصريين، سألت عن مهنته فإذا بها من المهن التى تتوافر الأيدى العاملة المصرية فيها، فأخبرنى الرجل أن هناك مائة ألف وظيفة فى مصانع الملابس الجاهزة لا تجد من يشغلها، تذكرت وهو يحدثنى ما نشر عن مطلب أصحاب هذه المصانع لاستيراد عمالة من الهند وبنجلاديش نظرا لصعوبة توفير عمالة محلية المنشأ.
لفت نظرى أنه قبل فترة قمت بالتعاون مع برنامج لاتحاد الصناعات لتدريب الشباب والفتيات للعمل فى هذه المهنة وقد فشل البرنامج لعدم جودة العملية التدريبية، وصعوبة إقناع الشباب بالعمل فى المهنة، ثم دعيت للمشاركة فى لجنة خاصة بمطابقة المعايير المهنية فى الصناعة ومدى انطباقها مع معايير دول الاتحاد الأوروبى نظرا لأن اتفاقية الشراكة المصرية الأوروبية الموقعة مع الاتحاد تنص على حق المستثمر الأجنبى فى استقدام عمال أجانب للمنشأة إذا لم تتوفر الأيدى العاملة المحلية التى تنطبق عليها هذه المعايير.

المعلومات المتوافرة تؤكد اعتماد مصانع المناطق الحرة على العمالة الأجنبية فى جميع التخصصات، وهذه لعمرى مصيبة تفوق كل ما نواجهه، فمع تصفية القطاع العام وإحجام الحكومة عن سياسة التعيين عن طريق القوى العاملة أو أية وسيلة أخرى تصبح قوة العمل المصرية التى تبلغ 24 مليون نسمة أمام خطر داهم يتمثل فى منافسة أجنبية مشروعة وغير مشروعة نراها فى الصيدليات والفنادق والمصانع وسلاسل المحال التجارية العملاقة، بل تطاردهم إذا خرجوا إلى مواطن عمل تقليدية فى بلدان الخليج، تواجههم فى المستشفيات والمحال التجارية وحتى فى الحرمين المكى والمدنى.

وهنا يطرح سؤال وماذا نحن فاعلون؟ المهن التى تعمل فيها العمالة الوافدة ليست صعبة على المصريين، مراكز التدريب المصرية ومدارس الصنايع بكل تخصصاتها كانت تخرج الآلاف من العمال المهرة الأفذاذ الذين بنوا صروح الصناعة المصرية، فماذا حدث حتى تقفر الأسواق من الأيدى العاملة المدربة بينما الكل يصرخ من استفحال البطالة، رغم تخصيص مبلغ 2/1 مليار جنيه فى عهد حكومة الدكتور عاطف عبيد وتوافر ما يزيد على ألف من مراكز التدريب التحويلى لشباب الخريجين، علاوة على مراكز تدريب القوات المسلحة، والزعيق اليومى عن إنجازات البرامج الحكومية للتدريب، كيف نسمح لأنفسنا بأن نكون ضيوفا فى هذا البلد، يستثمر الأجانب على أرضه ويعملون فيما استثمروه؟!! فنعود إلى زمن الاحتلال الأجنبى.

لقد بلغت الاستهانة بمعايير العمل الدولية حد أن شركة مصر - تايون التى اشترت مصانع شركة اسكو فى شبرا الخيمة تأتى بمساجين من تايوان لقضاء مدة عقوبتهم عملا فى هذه المصانع بالسخرة، وهو أمر يثير العجب إذا ما لاحظنا انتشار أنواع من الجريمة لم يرها مجتمعنا من قبل، وممارسة ترفضها تشريعات العمل الدولية..

فإلى من نتوجه بأصابع الاتهام.. إلى الثقافة التى تسود المجتمع اليوم وتحقر من قيمة العمل اليدوى رغم أن الدستور يقول العمل شرف - العمل واجب - العمل حياة، وتتقاعس الحكومات المتوالية عن التعامل معها تشريعا وسلوكا بما يضمن توافر قوى عاملة مشمولة بالحماية المناسبة تؤدى واجبها فى إدارة دولاب العمل بكفاءة واقتدار، وتسير على خطى البنائين العظام.

أم تلك الحقبة النفطية التى أرسلت للوطن قيما وعادات ما أنزل الله بها من سلطات تحقر عمل المرأة، وتشجع على الغرف والفهلوة فى المال أولا دون نظر للإبداع والمعرفة وكرامة الإنسان.. النقابات والاتحادات والأحزاب ومنظمات المجتمع المدنى بكل أشكالها حيث يصمت الجميع عن هذا الخطر المخيف أن تكون مصر بلا عمالة، فالذين يقتنون خادمات ومربيات من الفلبين لا يهمهم بعدها كيف تسير الأمور فى هذا الوطن.

مصر بلا صناع مهرة، مصر الهرم والسد العالى ومداخن الحديد والصلب والألمونيوم، والمزارع الخضراء، تفتقد العمال الذين يبنون ويصنعون، كيف هذا وإلام الصمت؟ نتعارك حول أمور كثيرة ونغفل دوافع المستقبل، الأمر بحاجة لوقفة جادة حتى نجد دموعا فيما بعد على غرقى قوارب الموت، يبقى ملحا أيها السادات ركاب الطائرات والسيارات الفارهة أن نتحاور حول معالجة ثقافة العمل فى المجتمع المصرى ومخرجات العملية التعليمية وجدية برامج التدريب التى تحولت إلى أفعال للتباهى والمنظرة، وكيفية توفير الحوافز لتشجيع الشباب على امتهان أعمال جيدة تضيف إلى قدرات الوطن بدلا من الاتجار فى كروت المحمول، وأسطوانات الأغانى، وركوب المجهول.

ليس عبثا أن نطالب الجميع بوقفة جادة تحمى المستقبل، والتعلل بافتقاد الحماية فى وحدات العمل لا يقنع أحدا، فحينما يكون هناك عمال حقيقيون فإنهم يستطيعون انتزاع حقوقهم بأيديهم، فحينما بدأ العمال المصريون مسيرتهم النضالية فى أواخر القرن الـ 19 لم يكن هناك قطاع عام ولا حكومة من أصله، فالاحتلال كان سيد الموقف، أما الآن وبعد نضال السنين فعيب أن نترك مستقبلنا للعبث، ويصحوا الواحد فينا ذات يوم ليجد بائع الصحف يقول له Good Morning، والسباك يقول How are you.. أفيقوا قبل الطوفان.. والله من وراء القصد.

لمعلوماتك..
◄60% نسبة تراخيص الاجانب المجددة هذا العام





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة