الوحل البارد .. قصة: هشام عبد الصمد

الأحد، 02 نوفمبر 2008 05:03 م
الوحل البارد ..  قصة: هشام عبد الصمد لوحة للفنان كلود مونيه

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
وميض البرق وهزيم الرعد انتظما مع صفير الرياح وهطول الأمطار فانكمش فى فراشه وصار للدفء مذاق لذيذ ضاعف متعة النوم، فهو يأمن البرودة وكل أشكال قسوتها خارج الجدران.
استيقظ مثل مدينته نحو العاشرة توجه إلى السوق والمدينة على مهل تقترب من وقت الذروة مع شمس ساطعة وصباح لا يحمل من قسوة الليل سوى أرض طينية ومستنقعات صغيرة.
فى التقاطع غير المكتمل قبل دخوله السوق، حيث أرصفة المعارض تبتعد كثيراً عن قاع الشارع استعار رخامها الأسبانى الموطن قليلاً من سخونة الشمس.
تكور قليلاً فى تمدده فوق أحدها، بعد أن مرت سيارة نصف مسرعة وتناثرت فوق نقاط المياه السوداء نظر إليه لم يغير من إيقاع خطواته واستعاد رؤيته نحو الأرض، لكنه قبل دخوله السوق كان مع الجموع الخارجة منه.
اقترب منه توقف، برفق حثيث أيقظه، وقف بجواره رجل قال:
- البانجو؟
- نعم.
- تعاطى البانجو يفعل أكثر من هذا.
بحث عن رد أو تعليق فلم يجد فاكتفى بالنظر إليه وتحول عنه للراقد:
- ما اسمك؟
- أحمد.
- هل تناولت إفطارك؟
- لا.
- اتبعنى.
تبعه بخطوات سريعة محاولا ألا يفتقده، تغوص قدماه العاريتان، وقليل من سرواله المبلل حتى الفخذين فى الوحل البارد.
بعد خطوات أصبحت أصوات الباعة فى سوق السمك أكثر وضوحاً مع رؤية المعروض.
ابتاع لــه كعكاً وبسكويتاً وأوصــاه ألا ينام ثانية فوق الأرصفة الرخامية أو السيراميك، فسخونتها مؤقتة متزامنة بسطوع الشمس المتقلبة.
وبصوت عال متحمس كمن فقد شيئاً هاما صاح :
- إنها شمس أمشير.
أشار برأسه بالموافقة وعينيه وسط الكعك والبسكويت.
فى الرابعة لم يكد يبدأ طعامه حتى توقف واستدار صوب ابنه سأله:
- أيهما تفضل الكعك أوالبسكويت؟
صاح بفرح: كعك وبسكويت فدموع وامتناع عن الطعام.
راحت زوجته تسأله عن حاجته لسؤال غير مبرر!
تركها وحيدة فى إقناعه بالعودة للطعام، يقذف قطع الأسماك الساخنة إلى فمه.
فى المساء تباطأ ثم توقف عن استكمال مضغ اللقمة الأولى من عشائه.
سأل زوجته :
هل ابننا يستطيع التفرقة بين البانجو والسكر .. !؟
تجهمت نظرت أجابت بسؤال:
- أتقصد التفرقة بين سكر البنجر وسكر القصب؟
- لا ...... لا ..... أعنى ما أقول الفرق بين البانجو والسكر؟
زادت مساحة دهشتها، لم يستطع إلا أن يشركها حيرته.
بعدها علقت:
- فى مثل هذا السن لا يتأثرون بالبرد
احتضن بقوة كوب الكابتشينو مع مؤشرات تزايد البرودة فى الخارج.
جاءه سعال ابنه من غرفتيهما، محت زوجته دهشة قبل أن تكتمل:
- من الظلم أن نعزله وحيداً، إنه يزيح الغطاء مراراً، بالتأكيد هذا سبب سعاله.
صفير الريح وهزيم البرق أكثر ارتفاعاً من البارحة لكنه لم يسمعها، ففى أذنيه دوى كلمات:
فى مثل هذا السن لا يتأثرون بالبرد، وينامون تحت تأثير البانجو.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة