احتفل العالم هذا الأسبوع باليوم العالمى للتسامح - 16 نوفمبر- فى ظل حالة احتقان شديدة على المستويين الدولى والمحلى، فالعالم يواجه تهديدات ناشئة عن عدة عوامل من أبرزها، الحرب والإرهاب والجرائم ضد الإنسانية والتطهير العرقى والتمييز ضد الأقليات، وكذلك على المستوى الداخلى تزايدت حدة الطائفية والفرز والعنف ضد كل ما هو مختلف. هذا الاحتقان يؤدى إلى نشر الخوف والانطواء على النفس، ورفض الآخر بكل صوره الدينى والنوعى والثقافى والحضارى. ولذلك فإننا فى أشد الحاجة إلى ثقافة التسامح التى تنبع من قبول التنوع الدينى والثقافى وقبول الاختلاف والتعايش معه.
إن التسامح كما جاء فى إعلان التسامح الصادر عن اليونسكو يعنى الاحترام والقبول والتقدير للتنوع الثرى لثقافات عالمنا، ولأشكال التعبير وللصفات الإنسانية لدينا. ويتعزز هذا التسامح بالمعرفة والانفتاح وحرية الفكر والضمير والمعتقد. والتسامح ليس واجبا أخلاقيا فحسب، وإنما هو واجب سياسى وقانونى أيضا. وبطبيعة الحال لا يعنى التسامح تقبل الظلم الاجتماعى أو تخلى الإنسان عن معتقداته أو التهاون بشأنها. بل يملك الإنسان كل الحرية فى التمسك بمعتقداته، لكنه يقبل أن يتمسك الآخرون بمعتقداتهم. والتسامح يعنى الإقرار بأن البشر مختلفون بطبعهم فى مظهرهم وأوضاعهم ولغاتهم وسلوكهم وقيمهم، ولهم الحق فى العيش بسلام، وأن آراء الفرد لا ينبغى أن تفرض على الغير.
طبقا لهذا المعنى كانت مصر قبل ثورة يوليو 1952 من أكثر بلاد العالم تسامحاً، فى مصر عاش المسلمون والمسيحيون واليهود فى سلام، كما عاش المصريون الأصلاء والجاليات الوافدة كالأرمن واللاتين والطليان واليونانيين دون أن تشعر أى طائفة أنها مميزة عن الأخرى، بل أضفى هذا التنوع ثراءً ثقافيا وحضاريا ساهم فى تقدم مصر وتحضرها.
جاءت الثورة، وحدث ما حدث، من تنامى الشعور بالقومية العربية والتعصب لها، وسافر المصريون إلى دول الخليج ليتشبعوا من ثقافة بدوية ترفض الاختلاف والتنوع بكافة أشكاله، وعاد هؤلاء المصريون ليقوموا بأكبر حركة تغيير للثقافة المصرية. تراجع نمط القيم السائدة، فبدلا من التسامح والمحبة وقبول الآخر أصبحت هناك قيم أخرى، تفوق الأنا ورفض الاختلاف والانغلاق على الذات. هذا التراجع ألقى بظلاله على العلاقة بين المسلمين والمسيحيين، أصبح تصنيف البشر على حسب أديانهم عنواناً لهذه الثقافة، وأصبح السؤال المقيت "هو أنت مسلم ولا مسيحى؟"، يتصدر التعاملات العادية بين المصريين. لم يقتصر تأثير هذه الثقافة البدوية على علاقة المسلمين والمسيحيين فقط، بل تأثرت أنماط أخرى للعلاقات من أبرزها علاقات الرجل والمرأة، حيث سيطر الفكر الذكورى الذى يريد للمرأة أن تعود للمنزل لتحبس داخله، وكذلك ظهر تعصب المواطن لقبيلته أو محافظته، فهذا صعيدى والآخر بحراوى، وكل منهما يتخذ مواقفه طبقا لانتماءاته القبلية.
هذا الاحتقان فى العلاقات، يتطلب نشر ثقافة التسامح، والتسامح يقتضى ضمان الدولة للعدل وعدم التحيز فى التشريعات، وفى إنفاذ القوانين والإجراءات القضائية والإدارية. وهو يقتضى أيضا إتاحة الفرص الاقتصادية والاجتماعية لكل شخص دون أى تمييز. فكل استبعاد أو تهميش إنما يؤدى إلى الإحباط والعدوانية والتعصب. المشكلة أن الدولة المصرية غائبة عن تحقيق هذه الأهداف لأنها تقوم بمهام أخرى للحفاظ على بقاء استمرار الحكم.
القارئ إسحاق إبراهيم يكتب: ثقافة التسامح الاختيار السهل
الأربعاء، 19 نوفمبر 2008 11:03 م
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة