خالد الشريف

أوباما والضمير الأمريكانى!!

الثلاثاء، 18 نوفمبر 2008 11:28 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
منذ أكثر من خمسين عامًا راح الأستاذ سيد قطب رحمه الله يتحدث عن "الضمير الأمريكانى"، عندما رأى انبهار الشرق الإسلامى بالقِيَمِ التى تُنَادِى بها الولايات المتحدة، مثل الحريات، والديمقراطية، والانتخابات الحرة النزيهة، وأدرك صاحب الظلال ببصيرته أنّ "الضمير الأمريكانى" تُجَاه القضايا العربية والإسلامية لا يَخْتَلِفُ عن ضمائر الغرب الأخرى، والتى كانت تستعمر بلاد العرب حينئذ، لأنّ جميعهم أبناء حضارةٍ واحدةٍ، هى الحضارة المادية العنصرية، التى لا تسمع إلا صوت الآلة، ولا تتحدثُ إلا بلسان التجارة، ولا تنظر إلا بِعَيْنِ المرابى، فهى حضارة "براجماتية"، تَعْمَلُ لمصلحتها فقط، دون النظر لمصلحة الشعوب.

تذكَّرْتُ كلام الأستاذ سيد قطب رحمه الله، وأنا أرى الكثيرين فى وطننا العربى يُعَلِّقُون آمالًا عريضةً على فوز أوباما بالرئاسة الأمريكية، فى تغيير الأوضاع العربية، بدءًا من سَحْبِ قُوَّات الاحتلال من العراق وأفغانستان، ونهايةً بحل القضية الفلسطينية، وتحرير شعوب المنطقة من الأنظمة الديكتاتورية البالية التى تساندها الإدارة الأمريكية!

ورغم أننا مِمَّنْ فَرِح بإزاحة بوش، صاحب النظرة الصليبية المتطرفة ضد العرب والعالم الإسلامى، إلا أنه من السذاجة أن ننتظر حَلا لكل قضايانا على يد أوباما، بالإضافة إلى أنه من المستحيل الثقةُ فى الضمير الأمريكانى البراجماتى، الذى يَسْعَى دائمًا لتحقيق مصالحه، وتوسعة نفوذه، وتقوية إمبراطوريته.

نعم.. من السذاجة أن يتغير الضمير الأمريكى بين يومٍ وليلةٍ، بل من المستحيل أن تتغير النظرة الأمريكية الاستعمارية للعالم العربى بين عَشِيَّةٍ وضُحَاها..ولَعَلَّ موقف الولايات المتحدة الأمريكية من القضية الفلسطينية طَوَال العقود الماضية يُوَضِّحُ الضمير الأمريكى الميت! فأمريكا مشغولةٌ دائمًا بتدليل إسرائيل على طول الخط، منذ أن أنزلت بريطانيا المشروع الصهيونى من عالم الأساطير إلى عالم الواقع، ولا نَظُنُّ أن أمريكا سوف تتخلَّى بكل بساطة عن الكيان الصهيونى، ودعمه، للتخلص من فلسطين، أو تتخلى عن سياسة ترسيخ دعائم الدولة اليهودية الخالصة للغاصبين حتى تتهاوى فلسطين، ويُقْذَف بها فى يَمِّ النسيان!

فإذا تحوَّل أوباما عن هذا الهدف الصهيونى فهو يعرف جيدًا المصير، الذى ربما يكون الإقصاء، وربما القتل والاغتيال.. ولذلك ليس مستغربا أن يبدأ أوباما بالإعداد لهذه المهمة مبكراً، حيث قام فَوْرَ فوزه بتعيين صهيونيّى، شارَكَ فى عدوان الجيش الصهيونى على الدول العربية، كبيرًا لموظَّفِى البيت الأبيض، وهذا هو سر التعليق الوردى من جانب إسرائيل بأنها سعيدة بانتخاب أوباما!

وإن كُنَّا نعتقد أن التهديد العسكرى الأمريكى للعالم الإسلامى، والذى سادَ فى ظل إدارة بوش الغاشمة، فَشِلَ فشلا ذريعًا فى أفغانستان والعراق، ولا رجعة فيه، إلا أن المنهج الأمريكى الفكرى الْمُعَادِى للعرب والمسلمين، سيظَلُّ قائمًا ومُسَيْطِرًا على العقلية الأمريكية.

وهو الأمر الذى يؤكده الرئيس الأمريكى الأسبق "نيكسون"، حينما قال: "إن الغَرْبَ فى تعامله مع الإسلام يَضَعُ نفسه فى حُفْرة ضيقة، ومعه مجموعة من الثعابين، التى تحمل فى سُمِّها أيديولوجياتٍ متصارعةً، وقومياتٍ متعارضةً". لذلك عَلَّلَ نيكسون حَلَّ الاتحاد السوفيتى بقوله: "إنه لو بَقِى الاتحاد السوفيتى إلى القرن الحادى والعشرين، لأصبح المسلمون فيه أغلبيةً، وهذا ما لن نسمح به أَبَدًا".

فإذا كان البعض ينبهر بفوز أوباما ويبنى آمالا لترسيخ الحريات والديمقراطية، وحقوق الإنسان فى الشرق الأوسط، فإنّ أوباما لا يختلف عن بوش.. فالضمير الأمريكانى واحدٌ، لا يتغير من نيكسون إلى بوش، مروراً بريجان، ثم كلينتون.. لا يختلف عن الضمير الأمريكانى عن الإنجليزى، أو الفرنسى، أو الهولندى، لأن جميعهم أبناء حضارة واحدة، هى الحضارة المادية بكل قسوتها ونفعيتها.

وقد اقترب الكاتب الأمريكى "وليام فولبرايت" من المفهوم السابق، ولكنْ بطريقةٍ مختلفة، فى كتابه "غطرسة القوة" الصادر عام 1966، عندما قال: "إنّ هناك علاماتٍ لغطرسة القوة لا تخطئها العين فى مسلك الأمريكيين عندما يذهبون إلى البلاد الأخرى، فشعورهم بالانتماء لأكبر وأغنى دولة فى العالم يجعلهم يتصرفون بشىء من التعالى كأنهم يملكون المكان، وكأنّ أهل البلاد أنفسهم غير موجودين".

حيث لا يزال هناك فِكْرٌ سائد فى الإدارة الأمريكية بأنّ هناك أجناسًا من حَقِّهَا السيطرةُ، وأخرى ليس لها إلا الخضوع والاستسلام! وهو ما عَبَّرَ عنه المفكر الأمريكى المنصف "نعومى تشومسكى" قائلاً: "إن العالم سينقسم إلى سادةٍ وماسِحِى أحذية"!!
على كلٍّ، نحن نقول: إذا كان أوباما صاحبَ ضمير أمريكى مختلف، أو أقلّ تَطَرُّفًا وعنصريةً من بوش، فيجب أنْ يُسْرِعَ لتغيير سياسة أمريكا الاستعمارية.. فالتركة التى خَلَّفَهَا بوش ثقيلةٌ للغاية، وحقائبها مثقلة بالمظالم، والاستعمار، والنهب، وتبديد ثروات العراق وأفغانستان، وهى مُهِمَّةٌ صَعْبَة للغاية.

نَتَمَنَّى أن يكون ضمير أوباما أقلَّ عدوانيةً وتَطَرُّفًا ضد العرب، فينهى سياسة الانحياز الأمريكى ضد كل ما هو إسلامى وعربى، ويسرع بسحب القوات الأمريكية من العراق وأفغانستان..

ونتمنى أن تُسَلِّمَ الإدارة الأمريكية الجديدة بحقِّ الشعوب الإسلامية فى أن تَعِيشَ وَفْقًا لشريعتها، وانطلاقًا من دينها.. ونتمنى أن تُطْلِقَ تلك الإدارةُ الجديدةُ مبادراتِ تصالُحٍ وسلامٍ مع العالم كُلِّه بعد أنْ حَوَّلَهُ بوش إلى ساحة حرب وقتال.. وإنّ غَدًا لناظِرِه قريبٌ، لنرى ونشاهد ماذا يفعل ضمير أوباما الأمريكانى؟!
نتمنى!





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة