◄أبوالعز الحريرى: هو «طباخ السم».. وسألته مرة: لماذا كل هذا الدفاع عن الحكومة؟.. فأجاب: «أدافع عن النظام»
◄ فريد إسماعيل: أجهض اقترابى من إقناع الأغلبية بالتصويت لصالح تعديل فى قانون الطفل بإعطائه فرصة الحديث للكل ثم التصويت بالاسم
«صحصحوا معايا.. الاقتراح ده من نائب إخوانى».. تحذير «عابر» و«لافت»، أطلقه د. أحمد فتحى سرور رئيس مجلس الشعب للأغلبية، حتى تتنبه أن الاقتراح الذى كادت أن توافق عليه برفع المعاشات إلى 25 %، مصدره نائب الإخوان أكرم الشاعر.
حدث هذا أثناء اجتماع مجلس الشعب فى دورته الماضية لمناقشة زيادة الأسعار، لتغطية النفقات المطلوبة لتمرير قرار الرئيس مبارك بزيادة المرتبات 30 %, والتقطت الأغلبية «التحذير»، الذى اقترب به سرور من حد «الجريمة» لأن مصدره «إخوانى»، ودفع الثمن أصحاب المعاشات الذين سينضم إليهم يوما ما د. سرور نفسه، فهل كان هذا «الفعل التحذيرى» من رئيس البرلمان نبتا شيطانيا.. فى حديقة ما يسميه بـ«الديمقراطية البرلمانية»؟، أم هى ممارسة دائمة منه لصالح الأغلبية التى جاء من صفوفها، حتى لو كان ذلك ضد وظيفته الدستورية؟ هذا السؤال يمكن أن نعتبره أرضية لسؤال أوسع، وهو: «هل الممارسة العلنية للدكتور سرور وهو يجلس على كرسيه الفخم أثناء رئاسته لجلسات المجلس، والممارسة «السرية» فى الغرف المغلقة، هى التى دفعت الإخوان والمستقلين لعقد النية على عدم الترشح ضده فى الدورة البرلمانية التى تدق الأبواب؟ وهل هى أيضا السبب فى تمسك أركان الحكم به رئيسا للمجلس 19 دورة متتالية، والذى يعد بذلك الأطول فى منصبه بين رؤساء برلمانات العالم؟
الأسئلة تزامن طرحها مع توجه أنظار العالم صوب أمريكا لترقب من سيجلس فى البيت الأبيض رئيسا لأربع سنوات مقبلة بانتخابات صحيحة، ومع مجىء باراك أوباما «47 عاما» تحت شرارة التغيير، كنا كمن لا يعنيه الأمر فى شىء، فاللعبة هى كما هى، سرور رئيسا للبرلمان، والإخوان والمستقلون يفاوضون لانتزاع مكاسب صغيرة حتى يتركوا له الساحة، أما «المكاسب» فهى الحصول على 25 % من مقاعد اللجان وهيئة مكتب المجلس، على اعتبار أنهم يشكلون ربع العضوية.. وعلق سرور لهم على تلك المطالب بالقول: «عندكم حق، لكن الكلمة مش فى إيدى»، كانت هذه الكلمة بمثابة «السم فى العسل»، فتعبير «عندكم حق».هو «العسل»، أما تعبير: «الكلمة مش فى إيدى»، فهو «السم»، ومن الاثنين نعود إلى مجمل أسئلتنا السابقة، ونبدأ الإجابات عليها من حيث السطر الأول لقصة صعود سرور إلى رئاسة المجلس، فالمتتبع لها، والقارئ لما بين سطورها سيعرف سر بقاء الرجل طوال هذه الفترة فى موقعه.
فى 23 يونيو عام 1984، تولى الدكتور رفعت المحجوب رئاسة البرلمان، فى وقت كانت الأوضاع السياسية يتجاذبها حبلان، الأول ناحية مصر «الناصرية» فى الخمسينيات والستينيات، والثانى ناحية مصر «الساداتية» فى السبعينيات، وفى هذا المناخ جاء رفعت المحجوب على رأس برلمان أفرزت انتخاباته فى دورتى 1984 و1987 عن دخول عشرات من نواب المعارضة، وهما الدورتان اللتان أجريت فيهما الانتخابات بالقائمة النسبية، وبفضلها كان الوفد والإخوان حليفين فى انتخابات عام 1984، وتغيرت فى انتخابات عام 1987 بتحالف العمل والإخوان والأحرار، وكانت المعارضة وقتئذ جذرية إلى حد ما فى توجهاتها السياسية، فحزب التجمع كان معتصما بحبل يساريته، ولهذا لم يدخل البرلمان فى هاتين الدورتين، ولم ينجح زعيمه خالد محيى الدين بفضل التزوير، وكان الوفد يطرح نفسه بوصفه «البديل» الليبرالى لـ «الوطنى»، مستندا إلى طبعته التاريخية المكتوبة بأسماء زعيمين هما سعد زغلول ومصطفى النحاس، أما الإخوان فكان مطلب تطبيق الشريعة الإسلامية هو الشعار الذى تلهب به مشاعر الناس، أما حزب العمل بزعامة إبراهيم شكرى فدخل الساحة بثوب جديد بعد اغتيال السادات عام 1981 حيث سحب موافقته على اتفاقية كامب ديفيد، ورفع شعارات تقترب من الناصرية، حتى تحول إلى ثوبه الإسلامى بتحالفه مع الإخوان عام 1987.
فى هذه الأجواء جاء شكل مجلس الشعب فى الثمانينيات، وجاء رفعت المحجوب رئيسا، يمارس ألاعيب ومناورات السياسى القديم الذى كان بارزا فى الاتحاد الاشتراكى مع عبدالناصر، وزاد مع السادات، وأصبح فى الصف الأول مع مبارك، ومع مبارك كان هناك من الرموز السياسية المحسوبة على دولة عبدالناصر تراه سدا منيعا لطموح توجهات فريق من «الوطنى»، يسانده الوفد فى إلغاء قوانين مثل «الإصلاح الزراعى»، وإلغاء القطاع العام، وغيرها من القوانين الاشتراكية، وفى السر أجرى المحجوب مفاوضات مع بعض رموز الدولة الناصرية لإقناعها بالانضمام للحزب الوطنى، وقال لهم نصا كما سمعته من أحدهم: «انضموا ولا تتركوا الساحة لهم».. ولم تلق هذه المفاوضات صدى حقيقيا، لكنها خلقت بين هؤلاء مساحة للتواصل مع الدولة، لأن فيها من يدافع عن توجهاتهم، ولنسأل ما علاقة هذا الاستطراد عن المحجوب بسرور؟تتبع الحالة يصنع سؤالا، من قلب السؤال السابق، وهو: هل كان شبح المحجوب يطارد سرور؟
فى المتابعة أيضا ستجد ممارسات برلمانية فى ظل المحجوب «صاخبة» أحيانا، كما حدث فى محاولة اعتداء نائب الوفد طلعت رسلان على وزير الداخلية اللواء زكى بدر، وهو يلقى بيانه أمام أعضاء المجلس، ومفيدة أحيانا فى قوة الاستجوابات التى كان الرجل يسمح بها، وهذه «الطبخة» البرلمانية يضعها النائب البرلمانى السابق أبوالعز الحريرى فى سياق أشمل وهى: «أن المحجوب كان رجل دولة، واغتيل لذلك، كان يلقى فى كلمته كل دورة تصورات مجلس الشعب بما يفرض على الحكومة أن تتبعه، ولأنه كان مع بداية حكم مبارك فكان يعى أنه يساهم فى صنع دولة وأن له رؤية فى ذلك كالحفاظ على القطاع العام والدفاع عنه».
التقييم القاطع من أبوالعز الحريرى يعيدنا إلى حالة المتابعة، حتى نعرف ما إذا كان صحيحا أم لا؟ وفى المتابعة نجد أن برلمان 1990 الذى تولى رئاسته سرور عقب أول انتخابات بعد اغتيال المحجوب قاطعته المعارضة، ولم يكن فيه سوى 5 من حزب التجمع الذى شذ عن المقاطعة، وبرلمان مثل هذا فلنتخيل كيف كان الرجل يديره؟ وفى 1995 كانت المعارضة 13 نائبا فقط، ومرة أخرى فلنتخيل أيضا برلمانا مثل هذا، كيف كان الرجل يديره؟ وفى هذه الدورة تحديدا شهدت مصر قوانين سيئة السمعة، أشهرها قانون حبس الصحفيين الذى دخل البرلمان فى جنح الظلام، وتمت مناقشته وإقراره مساء دون مروره على لجان المجلس المختصة، وانتفض الصحفيون ضد ما حدث، ومازالوا يدفعون الثمن، كان سرور فى هذه القضية ليس رئيسا لمجلس الشعب يمارس دورا رقابيا، وإنما مدافع عن الحكومة وسياستها بالدرجة التى تجعله معبرا عنها وليس رقيبا عليها، حدث هذا مثلا فى قانون 100 للنقابات المهنية التى اكتشفت الحكومة كارثته الآن، وعلى منوال أشد ألغت المحكمة الدستورية قوانين مثل «الضريبة على المصريين العاملين فى الخارج»، وعدم دستورية «قانون الجمعيات الأهلية» وغيرها من القوانين التى خرجت من تحت يد سرور فقيه القانون، ووضع كهذا يدفعنا إلى القول وبكل ثقة إن كل التشريعات المخالفة للدستور خرجت من برلمان يقوده هو، وليس خافيا على أحد أن أيمن نور النائب البرلمانى السابق والذى يقضى عقوبة السجن الآن، كان يشاغب الرجل أحيانا بقوله: «هذا مخالف لما تكتبه أنت فى القانون» فيرد سرور: «اللى باكتبه حاجة، وهنا حاجة ثانية»، كيف يمكن إذن تفسير هذا السلوك؟
المعنى الأقرب فى التفسير هو سير الرجل على الحبل الذى يحافظ من خلاله على منصبه، ولأجل هذا تضيع كما يقول أبوالعز الحريرى «هيبة» الرجل الثانى فى الدولة بحكم الدستور، فهو يلعب دورا وكأنه زعيم الأغلبية وليس رئيسا للبرلمان، أبوالعز يتذكر حوارا دار بينه وبين سرور، سأله فيه: «ليه كل هذا الدفاع منك عن الحكومة؟ رد سرور: «أنا أدافع عن النظام»، سأله أبوالعز: «هل المجلدات والمراجع والتقارير الموجودة أمامك والتى تمر عليك ليست كافية لإسقاط حكومة؟»، رد: «تكفى لإسقاط 20 حكومة»، «لماذا إذن الدفاع عن الحكومة؟»، هكذا سأل أبوالعز، فرد سرور: «أنا أدافع عن النظام».
هنا يبدو الخلط، وتبدو «الفزاعة»، الحكومة هى النظام، والنظام هو الحكومة، فى حين أن الفرق بينهما واضح، ولأن الدكتور سرور المؤكد أنه يعلم الفرق، ولا يعمل به، فقد ذهب أبوالعز إلى تلخيص دوره بالقول إنه «طباخ السم»، ويستشهد على ذلك بما حدث مثلا فى قضية احتكار الحديد، والتى تناولها أكثر من تقرير رقابى، وتم حجزها جميعا حتى انتهت دورة مجلس الشعب، ويستشهد أبوالعز بأمثلة عديدة أخرى، أبرزها رفضه لمناقشة موضوع المصرف العربى الدولى رغم ما تحدث أبوالعز بشأنه بأنه مصرف ليس عليه رقابة، وغطاء لأشياء يجب إزاحتها.. فهل هناك متسع من الأمثلة للتدليل على تعبير «طباخ السم» الذى أطلقه أبوالعز؟
هناك من الممارسات «الرئاسية البرلمانية»، ما يبدو منها أنها عابرة، لكن وضعها «متراصة» بجوار بعضها يقربنا من قراءات ذات مغزى، وإليكم الأمثلة:
◄ يتذكر النائب المستقل فريد إسماعيل أنه أثناء مناقشة قانون الطفل وفى المادة 54 الخاصة بالولاية التعليمية للولى وحالات رفع الولاية، تقدم بتعديل على المادة، ولانت الأغلبية لصالح هذا التعديل لدرجة أنه لو تم أخذ التصويت وقتها كان سيذهب لصالحه، لكن سرور وبذكاء منه خرج من المأزق بإعطاء مساحة أكبر فى المناقشات والاستماع لكل من يريد الحديث، حتى يعطى لنواب الأغلبية فرصة حضور الجلسة، ثم أخذ التصويت من خلال النداء بالاسم حتى تمكن نواب الوطنى من الحضور.
◄ خلال مناقشات قانون المحاكم الاقتصادية، تقدم نائب الإخوان محسن راضى بتعديل يقضى بأن تضم اللجنة المشكلة من المحكمة اثنين مساعدين متخصصين لكى يساعدا القضاة فى الأمور الفنية.. وكانت المعارضة بحساب الحضور هى الأغلبية، وهنا سأل سرور: «فين الأغلبية؟» فردت المعارضة: «إحنا الأغلبية»، فرد سرور مشيرا إلى يمينه حيث مقاعد نواب الوطنى: «الأغلبية موجودة هنا»، فرد راضى: «هو فيه أغلبية هنا، وأغلبية هناك»، وأكمل النائب حديثه بطلب التصويت، فرد عليه سرور: «أنت راجل عاقل ممكن تكسبوا جولة دلوقتى، لكن هتخسرها بعد شوية»، وذلك فى إشارة منه إلى أن المجلس يمكنه أخذ الموافقة على التعديل فى الجلسة، ثم تتقدم الأغلبية باقتراح بإعادة المداولة.
◄ مثال ثالث.. يأتى من حدث مقتل المواطن السويسى محمد فؤاد فى مارس الماضى بطلقات رصاص السفينة الأمريكية، وتوحدت الأغلبية والمعارضة فى البرلمان على الغضب الشديد مما حدث، وطالبوا بعدم السماح للسفينة بمغادرة المياه الإقليمية إلا بعد انتهاء التحقيقات، وانقضت جلسات البرلمان، وعاد النواب بعد أسبوع وبعد أن سمحت الحكومة للسفينة بالمغادرة، فانطلق الهجوم من جميع النواب على الحكومة، فتدخل سرور قائلا: «إن ما اتخذه المجلس لم يكن قرارا، وإنما توصية باقتراح برغبة، إذا استطاعت الحكومة أن تنقدها فلتفعل، وإذا لم تستطع فلا تنفذ».
يدق مثلا جرس الإنذار للأغلبية بأن هناك أمرا مهما قادما كالتصويت، فيقول للدكتور عبدالأحد جمال الدين زعيم الأغلبية: «فين رجالتك، أنا بعد كده أجرى التصويت، وانتم اللى هتشيلوها».الممارسات السابقة يراها النائب المستقل جمال زهران تصب فى خانة قتل الموضوعات داخل المجلس، وحرمان النواب من مناقشتها، كما حدث فى قضية احتكار الحديد، قائلا: «كنا نسرق الحديث فيه لدقائق بالتحايل، ورغم أن المستشار جودت الملط رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات قال إنه أرسل للمجلس تقارير 2007 عن القضية فإنه لم يكن فى مكتبة المجلس سوى تقارير 2005»، ويرى أن ذلك متعمد، ويستخلص «بأن البرلمان أداة تستر على أعمال الحكومة وفسادها»، لكن نائب الوطنى حيدر بغدادى يرى سرور أحسن من تولوا رئاسة البرلمان، يليه فى الترتيب د. رفعت المحجوب: «فهو يجلس على المنصة ما يقارب 8 ساعات متواصلة لا يذهب إلى دورة المياه، أو يأكل حتى ساندوتش، وأنه يعطى كل نائب حقه، ويعترف أنه أنقذ الأغلبية من عدة مآزق.. حيدر أضاف: سرور رجل طيب القلب يثور لكنه بعد فترة يصالح النائب.. فهل طيبة القلب التى تحدث عنها بغدادى.. هى التى دفعت الإخوان والمستقلين لعدم منازعته على كرسيه الوثير أم أن فى الأمر أسبابا أخرى يمكن التوصل إليها؟ ومنه مثلا قيامه بدور زعيم الأغلبية وليس رئيس المجلس.
◄ جمال زهران: كنا نسرق الحديث عن قضية احتكار الحديد لدقائق بالتحايل.. وفى الكثير من الأحيان يتم حرماننا من المناقشة.
◄ حيدر بغدادى: رجل طيب القلب يجلس على الكرسى 8 ساعات.. لا يذهب خلالها إلى دورة المياه.. وينقذ الأغلبية من مآزق عديدة.
دورة برلمانية مضت ودورة جديدة تبدأ وهذا الرجل على كرسى رئاسة المجلس للمرة التاسعة عشرة فكيف يراه أنصاره وكيف ينتقده الخصوم؟!
فتحى سرور.. رجل يعرف أسرار «الصنعة»!
الجمعة، 14 نوفمبر 2008 12:11 ص
فتحى سرور
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة