هشام البسطويسى واحد من أكثر القضاة معارضة للحكومة وأحد أهم المنادين باستقلال القضاء الذى يصب فى النهاية فى خدمة العدالة ورغم أن هذا هو محور الحديث فإننى أردت أن أعرف فى البداية أى عدالة نالها هذا القاضى وإلى أى مدى يسمح له بالتعبير عن رأيه.. ولا أنكر أنه فوجئ بسؤالى خاصة أنه السؤال الأول وبلا مقدمات..
هل تتلقى تهديدات؟
ليست تهديدات ولكن أحيانا يحدث بعض التصرفات الصبيانية، وكنت أتصور أن الأجهزة الرسمية فى الدولة لا تصل لهذا المستوى المتدنى للسلوك وهذه الصبيانية فى التصرفات، بالنسبة لى مثل هذه الأمور لا تشكل أى ضغط وقد جربوا كل الطرق معى ولم أمتثل ولكن سميها رذالة لا أكثر.
فيما يسمى بالانتقام السياسى؟
يعنى.
الجهاز الأمنى على رأس هذه الأجهزة؟
طبعا الجهاز الأمنى هو ما كان يتصرف بهذه الأمور السخيفة لأننى لا أتصور أن أحدا يستطيع أن يقدم على مثل هذه التصرفات سوى الجهاز الأمنى.. ولا أريد الخوض فى تفاصيل ما يحدث أرجوك.
أعود لما جئت بشأنه هل يوجد تنظيم سرى داخل منظومة العدالة الآن كما كان فى الستينيات؟
لا أستطيع القطع بذلك لأنه ليس لدى أوراق تثبت ذلك وعلى ما يبدو أن الدولة تعلمت من خطئها فى الستينيات وأصبحت مثل هذه الأمور تتم بشكل غير مكتوب بعكس ما كان فى الماضى وإنما تتم بتعليمات شفاهية.
ولكن هناك مؤشرات ودلالات على وجوده منها أن ما جرى فى الانتخابات الماضية من تساهل بعض القضاة كان كثيرا.. حيث قدمت شهادات من بعض القضاة فى اللجان الفرعية بأن رؤوساء بعض اللجان تلاعبوا فى النتائج ولدينا وثائق بتوقيع قاض معين تثبت تزويره الانتخابات وتلاعبه فى النتيجة.
هل هناك أدلة أخرى؟
مثلا ينتدب مستشار قانونى لأحد الوزراء والشركات بمقابل مالى أضعاف مرتبه مما يعد شبهة خاصة عندما يصادف أن هذا المنتدب هو الذى ينتدب للإشراف على الانتخابات فى دائرة بعينها التى يتضح فيما بعد أنه قد تم التلاعب فى نتائجها.
عندما يخرج علينا مجلس القضاء الأعلى بيانا يقول بأن القضاة سيشرفون على الانتخابات حتى لو القانون لم يتم تعديله، وعندما يكون هناك 65 اختصاصا فى قانون السلطة القضائية تسمح لوزير العدل بالتدخل فى أمور القضاة، أليس هذا دليل على أن مجلس القضاء الأعلى مرتبط على نحو ما بالدولة!
إذن هل تشك فى استقلال القضاء؟
القضاء فى مصر غير مستقل ولكن القضاة مستقلون فى غالبيتهم يعنى أكثر من 80 % من القضاة مستقلون هم فى أشخاصهم حريصون على استقلالهم ويدافعون عن هذا الاستقلال، لكن القضاء كمؤسسة غير مستقلة.
ما هى الجوانب المعيبة فى قانون السلطة القضائية؟
◄ استخدام الندب لأعمال القضاء نوع من الفساد.
◄ وجود نصوص تسمح باختيار قاض معين لنظر قضية معينة دون أن يكون مختصا بها أصلا فى قرار الجمعية العمومية.
◄ الضغوط المالية على القضاة والتقطير عليهم بالرواتب والسيطرة عليهم بتوجيه الأحكام. وتدخل السلطة التنفيذية فى مسيرة عمل القضاة وما يمنحه المجلس الأعلى للقضاة من مكافآت ومبالغ فوق رواتبهم يعد شبهة ونوع من الفساد.
◄ رفع سن التقاعد بمناسبة ودون مناسبة شبهة أخرى. وأن يكون مجلس القضاء الأعلى كله بالأقدمية المطلقة باستثناء اثنين من اختيار الدولة دون قيد أو شرط أو أى ضوابط تضمن الكفاءة، أو حتى الحد الأدنى من الكفاءة، لذا نطالب بأن يكون تشكيل مجلس القضاء الأعلى بالانتخاب من الجمعيات العمومية.
قاطعته سائلة ولكن الأقدمية ليس فيها تلاعب؟
الأقدمية المطلقة ليس كما تزعم الدولة، ليس لها فيها يد.. فالأقدمية تسمح للدولة أن تعرف من سيأتى عليه الدور ليدخل مجلس القضاء الأعلى قبل أن يأتى دوره بسنوات لذا تستطيع أن تتعامل معه وتعده قبل أن يصل إلى مجلس القضاء الأعلى من خلال الندب والتحكيم والمكافآت.
لكن إذا تركت الأمر بالانتخاب كأن ينتخب القضاة أعضاء المجلس، سيكون هذا المنتخب أكثر حرصا على أن يرعى مصالح القضاة واستقلالهم حتى يحظى بثقة زملائه.
منصب النائب العام يشاع عنه أنه منصب سياسى أكثر منه قضائى فما رأيك؟
يفترض أن منصب النائب العام منصب قضائى ولكن يتم اختياره بالإرادة المنفردة لرئيس الجمهورية دون أى ضوابط وهذا يترتب عليه أنه أحيانا يأتى نائب عام مستوى كفاءته الفنية ضعيف جدا.
هل ينطبق الأمر نفسه على منصب رئيس المحكمة الدستورية؟
لابد أن نعرف أولا أن المحكمة الدستورية العليا فى مصر ليست جزءا من السلطة القضائية إنما هى محكمة تقوم بدور سياسى لأنها تراقب مدى اتفاق القوانين مع الدستور وروح الدستور، وهذه مسألة سياسية وليست قانونية، ثانيا طريقة الاختيار فى المحكمة الدستورية تكون باختيار رئيس الجمهورية ووزير العدل.
وعلى مدى تاريخ هذه المحكمة ارتبطت بشخص رئيسها وكانت الفترة المزدهرة للمحكمة الدستورية التى أصدرت فيها أحكاما فعلا تطبق نصوص الدستور تطبيقا صحيحا وتمارس رقابة دستورية حقيقية وسليمة كانت فترة المرحوم عوض المر الذى تجاهلته الدولة فى مرضه وفى وفاته ويكاد يكون الوحيد الذى لم يكرم.
ما هو الاستثنائى من وجهة نظرك فى الشأن القضائى؟
أغلب القوانين التى صيغت بعد يوليو 52 لأنها تحمل فى روحها أن تبقى الدولة فى حماية القوة الأمنية باستخدام مواد القانون، وباستخدام محاكم استثنائية وتدخلات فى شئون العدالة، وهى منظومة متكاملة.. لك أن تعرفى أن أول قرار صدر من مجلس قيادة الثورة صدر فى شهر 9 عام 1952 بعد الثورة بأقل من شهرين وهو إلغاء الانتخاب من مجلس القضاء الأعلى، وكأن الثورة لم تقم من أجل خلع الملك ولا حتى إخراج الإنجليز إنما حتى تلغى الانتخابات من مجلس القضاء وكأنها لم تكن خلفها مهام جسيمة أكبر من إلغاء الانتخابات، وهنا نستطيع القول إن أول بتر لفكرة استقلال القضاء كانت فى شهر سبتمبر 1952 فى عهد الرئيس جمال عبدالناصر.
وهل سار بقية الرؤساء على النهج نفسه؟
كان التوجه طيبا بعد ذلك نحو الاستجابة لما يطالب به القضاء، وكنا نتصور أنه تتم الاستجابة للأمر تدريجيا، ولكن فوجئنا أن لا حل والأمور تزداد سوءا يوما بعد الآخر.
ما هى القوانين التى ترى من وجهة نظرك أنها استثنائية ولا تتفق لا مع نص الدستور ولا مع روحه؟
قوانين كثيرة على رأسها قانون السلطة القضائية فهو قانون ملىء بالثغرات ولا يتفق مع المعايير الدولية لاستقلال القضاء وجعلونا نتمنى أن نعود لقانون السلطة القضائية الأول الذى صدر قبل الثورة فى الأربعينيات، كان يوفر مساحة استقلال أكبر.
كما أننى أعترض على كل النصوص التى أدخلت على قانون العقوبات مؤخرا مثل.. النص الذى صدر بقانون 97 لسنة 92 الخاص بمكافحة الإرهاب المواد الـ86 و86 مكرر و86 مكرر الف (أ) ويعقبها حوالى 10 أو 15 مادة رغم أن أرقامها كلها متداخلة مع بعض تجدى أنه يجرم أفعالا لا يمكن اعتبارها جريمة أصلا وليست جريمة إرهابية.. مثل أى شخص يطالب بتعديل الدستور.. إذا أنشأ جماعة.. إذا فرد أو جماعة استعملوا العنف أو فكروا فى استعمال العنف أو اتفقوا.. أو إلى آخره.
وكيف يمكن حسم فكرة التفكير أو النية؟
هذا ما أقوله فهى نصوص ليس لها معنى ومطاطة ويتم استخدام صيغ مطاطة أثناء صياغة القانون مثل جملة تهديد الوحدة الوطنية، ماذا تعنى هذه الجملة وكيف أحكمها؟! وجملة تهديد السلام الاجتماعى فى مصر! هل يعنى هذا أننى أستطيع اعتبار أن أى وزير من الوزراء يرفع الأسعار أو يتسبب فى أزمة من الأزمات مثل الخبز يهدد السلام الاجتماعى، إذن فليحاسب الوزير بجريمة إرهابية.
من هم المسئولون عن هذا التردى فى صياغة القوانين؟
لا أعرف.. ولكن هناك كثيرون منهم متعاونون مع الحكومة فى صياغة هذه القوانين من أول الدكتور فتحى سرور للدكتور مفيد شهاب للمستشار الدكرورى وعدد كبير من أساتذة القانون والدكتورة آمال عثمان، لكن من منهم ضالع فى هذا ومن منهم بعيد عنهم، الله أعلم لأنك تعرفين القوانين لدينا تتم فى سرية شديدة جدا وكأنها أسرار حربية على خلاف المفترض فى القوانين.. فلا توجد دولة فى العالم تعد قانونا بشكل سرى وتكتم، وغير معروف من شارك فيه ولا يطرح على الناس ولا يشارك فيه الرأى العام... فمثلا تجدين القانون الخاص بمكافحة الإرهاب، هو قانون سرى تعده مجموعة سرية، وتستهدف هذه النصوص فى النهاية حريات المواطنين وحرم حياتهم الخاصة ولا يسمع فيها رأى أحد.
لقد جعلوا الشعب المصرى كله مجرما، وأصبح من النادر أن تجدى مواطنا فى مصر لم تعمل له قضية؛ لأن طريقة التشريع معيبة.
لمعلوماتك..
◄2006 طلب البسطويسى رفع اسمه من قائمة ترشيحات المحارب المصرى
◄2000 قاض يخدمون فى وزارة العدل
المستشار هشام البسطويسى - تصوير عمرو دياب
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة