◄ لن ينصرنا أوباما لأننا لم ننصر أنفسنا.. نحن منقسمون يقتل بعضنا بعضا ولانتعلم الدرس
ما جرى يوم 5 نوفمبر 2008 هو التغيير الأكثر انقلابية، بالرغم من أنه جاء من صناديق الانتخابات، غير المفهومة لكثيرين.عشرات المليارات من البشر تابعوا بشغف، لحظة يصعد فيها حفيد كنتا كنتى، إلى أعلى منصب فى أقوى دولة بالعالم، وهو الذى كانت كل الطرق لا يمكن أن تشير إلى مستقبله. لولا أنه ولد فى أمريكا.
لقد فاجأ فوز باراك أوباما مؤيدى نظريات المؤامرة ومعارضيها. للعرب الذين يرون شابا والده اسمه حسين، وللإسرائيليين، حلفاء الديمقراطيين التقليديين. ولأنصار الحلول السهلة. والنظريات الجاهزة، وحتى لهؤلاء الذين قاطعوا الانتخابات الأمريكية، انتظارا لتحقق نظام الشورى. للذين أعلنوا نهاية التاريخ، عند النظام الأمريكى، والذين يراهنون على نهايته تماما. لكن الأكثر بقاء وإثارة، تلك الصورة الغامضة التى تجمع بين أفكار رعاة البقر، وسندوتشات الهامبورجر، مارلين مونرو، وعصابات المافيا، العنصرية المصفاة، والتسامح الذى يمنع الرموز الدينية فى المدارس والجامعات. وزجاجة الكوكاكولا التى لا يخلو شكلها من إيحاءات تثير الغضب والإعجاب.
أمريكا التى تمثل حلما لأعدائها قبل مريديها، تبيع رؤساءها كما تسوّق ماكينات الحلاقة. وتمنح أصواتها لجورج بوش وحروبه، بينما تمنح جائزة الأوسكار لأشد ناقديه عنفا، مايكل مور.. تسخر من رؤسائها وحريتها وملابسها. الأولى فى عدد الأغنياء، والمساجين، وحوادث الاغتصاب، وأفلام السينما، وشركات الدعاية. أمة إبراهام لينكولن وجون مكارثى، اينشتين ورونالد ريجان، مارك تواين وجون كيندى، هيمنجواى، وجورج بوش، «السى. آى، إيه» ووالت ديزنى.
باراك أوباما المولود لأب مسلم، والذى تربى فى كنائس الكاثوليك، أسود لم يكن يحق له قبل نصف قرن أن يشارك البيض ركوب الحافلات، راهن أكثر الناس تفاؤلا أنه لن ينجح لأن أمريكا عنصرية، والبيض يتحكمون وتوقعوا اغتياله. وبعد تزايد فرصه، انتهوا إلى نظرية جاهزة. الرئيس «ليس هو الحاكم»، هناك «السى آى إيه والبنتاجون وتجار السلاح والنفط» وجماعات الضغط. الأمر فى حاجة لنظرية «مؤامرة»، تقدم تفسيرا أكثر راحة يوظف دور اللوبى وغيره وأعلن أصحاب النظريات الجاهزة «متعاطف مع إسرائيل، الشرق الأوسط ليس فى اهتمامه»، وهو نفس ما كان سيفعله ماكين. مع العلم أنه ليس من الممكن أن يأتى رئيس أمريكى ليعلن الانضمام إلى العرب، الذين لا يكفون عن التلويح بسلاح يستعملونه فقط لقتل بعضهم، أو قمع شعوبهم، بينما أمريكا ترى إسرائيل دولة ديمقراطية يتقلب عليها رؤساء الوزارات، ويتصارع العمل مع الليكود.. لا العمل يكفر الليكود، ولا الليكود يخون العمل. صراع سياسى محسوب، مصالح إسرائيل معروفة. وأمنها خط أحمر. آلة الحرب لديهم واضحة المعالم، لديها عنصريتها وجبروتها، وعدوها واضح، فهل من الممكن أن يحدد أطراف القضية الفلسطينية مصالح فلسطين؟. ما هى مصلحة فلسطين لدى حماس أو فتح؟ هم يعرفون أعداءهم ونحن لا نعرف.
شيعة وسنة، تكفير وقتل. بينما أمريكا فيها جميع الجنسيات والأديان والعقائد وحتى الخارجين عنها. كل هؤلاء يعيشون ويتصارعون معا، توحدهم زجاجات الكوكاكولا، وسندوتشات الهامبرجر. وحتى هؤلاء الذين يعارضون فكرة أمريكا، يعبرون عن آرائهم، وقد رأينا كما نشرت بى. بى. سى، فى المركز الإسلامى لدار الهجرة فى فولز تشيرش شمال فيرجينيا شبانا من جماعة «دى. سى. مسلم» كانوا يوزعون على المصلين نشرة يقولون فيها إنه «لا يحق لمسلم أن يصوت فى انتخابات تشرع حكما آخر غير (حكم الله)». فى المقابل الإمام جوهر عبدالمالك، يرى أن المسلمين يجب أن يكونوا من أول الناس، الذين يؤيدون ما هو صالح «ويمنعون ما هو ضار».
باراك حسين أوباما، ليس المخلص لمن لا يمكنهم تخليص أنفسهم، لكنه رسالة تؤكد أن الكفاح يمكن أو يوصل، وأن السلاح ربما لا يكفى لاقتناص الحق. رسالة وضعت أسسها امرأة، رفضت أن تترك مكانها فى الأتوبيس لأبيض، وتعرضت للضرب والإهانة، ودعا مارتن لوثر كينج للحلم، كل هؤلاء. ولأن أمريكا تستورد كل شىء حتى الأحلام فربما حصلوا على حلمهم من رجل منح الكثير من الأمل للمعذبين، اسمه نيلسون مانديلا، اختار أن يبحث عن الحرية، دون أن يسعى لاستعباد مستعبده السابق. مانديلا حرر شعبه، ورفض أن يتحول إلى قيد فى يديه. ولم يفكر فى اغتيال من اختلفوا معه فى الرأى. لم نتعلم من مانديلا، فهل نتعلم من باراك؟. لن يغير باراك كثيرا، لن تنقلب السياسة الأمريكية، فقد كان التغيير الأوضح أن رجلا أسود يمكن أن يحكم من مكان اسمته العنصرية البيت الأبيض. كل شىء كان أبيض. نيلسون مانديلا دخل السجن وخرج وحرر شعبه، ومازلنا نسأل هل باراك أوباما مسلم أم مسيحى، هل هو مرتد أم كافر؟
أمة متعددة تستدعى الغرباء بقانون للهجرة، تمنح كل اختراع اسمها، وتمنح العالم الأحلام والكوابيس. العهد الأمريكى الذى ينهار ماليا وسياسيا تحت وطأة الجمهوريين، وبعد ثمانى سنوات، يصلح الأمريكيون أنفسهم،التصويت الخاطئ جزء من الديموقراطية. أمة تضم أكبر عدد من «الهومليس» وأكبر عدد من المليارديرات، وبيل جيتس يتبرع بثلاثة أرباع ثروته التريليونية لفقراء خارج الولايات المتحدة، ونتوقف لنسأل عنه وهل يدخل الجنة، أم النار، وهل يدخل الحكام العرب الجنة، بينما الشعوب العربية تعيش فى نيران حكامها ونيران تكفير بعضها. الأمريكيون لا يقرأون ومع ذلك يملكون أحدث الأساليب، نظام يخرج العلماء أو يستهجرهم ويمنحهم الأمان والفرص وتكافؤها، اينشتين الألمانى، هو الذى صنع ما أطاح بهتلر الألمانى من أمريكا.
هل يمكن أن يحكم فلسطينى كل فلسطين بما فيها اليهود يوما ما، ربما لو سعى الناس مثلما سعى منديلا أو جدود أوباما. عقدة أوباما للذين لا يستطيعون أن ينتصروا، ويريدون من الآخرين نصرهم.. أوباما لن يناصر قضايانا لأننا لا نناصرها، ولن يتوقف عن دعم إسرائيل، لأننا لا ندعم أنفسنا. ولم يحول دفة أمريكا التى هى قبلة الجميع لأنها تتعلم الدروس.
وجه أمريكا يتغير، وحتى القبح العنف والإرهاب اليمينى بدا مختفيا خلف نور لمع فى سعى المواطنين، ليصنعوا تغييرا ثوريا بلا دم. أما نحن ،قابعون فى أوهامنا نروج للخرافة ونغذى الطائفية والعنصرية والظلم.
لقد سهر كثيرون ليتابعوا مباراة أوباما مثلما فعل كثيرون قبل عشرين عاما، وهم يتعاطفون مع محمد على كلاى الأسود، الذى تربع على بطولة الملاكمة، وكانت له مواهب استثنائية، أتيح له أن يتربع وهو المسلم فى بلد ليست كذلك.
لمعلوماتك..
◄ باراك أوباما: ولد فى 4 أغسطس 1961 فى هونولولو، هاواى، وهو الرئيس المنتخب للولايات المتحدة الأمريكية ، وسيكون بذلك الرئيس الرابع والأربعين ،وأول رئيس من أصول أفريقية يصل للبيت الأبيض، حقق انتصاراً ساحقاً على خصمه جون ماكين، وذلك بفوزه فى بعض معاقل الجمهوريين مثل أوهايو وفرجينيا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة