العصا أمرها هين، تضرب مرة أو مرتين أو حتى عشر، ثم تختفى بعد أن تترك للتلميذ عاهة مستديمة أو أثرا بدنيا يشبه الكدمة الخفيفة، العصا فى المدرسة لها تاريخ طويل فى الترهيب وبث الرعب، وتحتل مرتبة أولى فى قائمة أدوات التعذيب المدرسية، ولكنها ليست الوحيدة، بالطبع هى أرحم كثيرا من البصق فى الوجه والضرب بالحزام، وما استحدثه المدرسون من «بونيات» و«شلاليت» تلائم موجة العنف التى انتشرت فى المدارس المصرية، ولكنها مع كل تطوراتها الشكلية تبقى وسيلة لإيذاء الطلاب بدنيا تظهر وتختفى حسب نوع المدرسة وعقلية المدرس، أما ما يليها فى قائمة أدوات التعذيب المدرسية، فهو أخطر وأشد فتكا بأجيال كاملة، لأنه يمثل حفلات تعذيب مستمرة ومنظمة يصعب السيطرة عليها؛ لأنها نتاج منظومة سياسية لم تعد قادرة على السيطرة على نفسها أصلا، فى المدارس المصرية وسائل أخرى للتعذيب أخطر من «العصاية» لأنها تبدأ من قبل الحصة الأولى ،ولا تنتهى حتى إذا ضرب جرس الحصة الأخيرة.
طابور الصباح:
انزل الشارع واسأل أى تلميذ أو طالب عن طابور المدرسة؟ لن تجد سوى إجابة واحدة : يارب يلغوه مالوش لازمة، الطابور فى حد ذاتة حفلة تعذيب نعانى منها فى أى مصلحة حكومية أو غيرها فما بالك بطابور المدرسة، الذى يصاحبه حركات الثنى والمد والفوق والتحت والجرى فى المكان ب،الإضافة إلى المزيد من صفا وانتباه وكلمة ركيكة وطويلة للسيد ناظر المدرسة ،وإذاعة مدرسية لا تذيع سوى حكمة اليوم ونصيحة الغد وهى نصائح وحكم معروفة لمن كان يحضر الطابور فى صفه الأول الابتدائى.
هل هناك تعذيب أكثر من أن يستيقظ تلميذ فى ساعة مبكرة من نومه بعد يوم سابق شاق من مدرسة ودروس ومذاكرة، هل هناك تعذيب أكثر من تلك اللهجة الآمرة التى يستخدمها المدرسون فى تنظيم الطلاب وكأنهم فى الجيش؟ هل هناك إهانة أكثر من الألفاظ التى يستخدمها المدرسون لإعادة الانضباط للصفوف؟ ولماذا يتحمل التراب وسحابة الغبار الصادرة عن فناء المدرسة بعد تمارين شاقة وغير مفيدة بدنيا؟ بعدها يطالب المدرسون التلاميذ بأن يكونوا فى شدة الانتباه على مدار 7 ساعات كاملة. كل هذا ويمكنك أن تضيف حفلة العذاب التى يسببها الطابور لأولئك الغلابة الساكنين بجوار المدارس.
المصاريف:
حكومتنا لا تمل أبدا من معايرة شعبها بمجانية التعليم، وشعبها لا يمل أبدا من سؤال الحكومة عن تلك المجانية، التى لم يعد يشعر بطعمها، مصاريف المدارس وسيلة خطيرة جدا للتعذيب لأنها مزدوجة وتأثيرها النفسى قوى وبلا حدود، حتى أن العام الماضى شهد ثلاث حالات انتحار لآباء فشلوا فى توفير مصاريف مدارس أولادهم، ومحاولة انتحار لفتاة أحرجها مدرسها كثيرا حينما عايرها بعدم قدرتها على دفع مصاريف المدرسة، العام الماضى صعدت المراكز الحقوقية شكوى طلاب مدرسة «دبركى» الإعدادية التابعة لإدارة منوف التعليمية، والتى تعرض فيها عدد من الطالبات لعنف نفسى واضح من جانب إدارة المدرسة، بسبب عدم ارتداء الزى المدرسى ودفع مصاريف الكتب، حيث كان رد الطالبات بأن ظروفهن المادية صعبة ولا تسمح بتوفير ملابس غير التى يرتدينها، فجاء رد المدرسة عنيفا، بإجبار الطالبات على تنظيف دورات المياه على مسمع ومرأى بقية طلاب المدرسة.
"افتكاسات" وزراء التعليم:
«فى الماضى غير البعيد، كان من الطبيعى أن تشاهد مفكرين وزعماء كبارا على كرسى وزارة التعليم من أمثال طه حسين وسعد زغلول وغيرهم، الآن من الطبيعى جدا أن تشاهد رجالا لا علاقة لهم بالمجال التربوى والتعليمى فوق كرسى الوزارة، بل لا يكتفون بذلك، فيجتهدون فى الابتكار و«الافتكاس» فى العملية التعليمية تحت شعار تطويرها، ومن هنا تبدأ رحلة عذاب كبيرة لطلاب وتلاميذ مصر، فمن أول الوزير فتحى سرور، ومرورا بحسين كامل بهاء الدين، وأحمد جمال الدين حتى الدكتور يسرى الجمل، لم يخجل وزير من الافتكاس فى العملية التعليمية وتعذيب التلاميذ والطلاب بقراراتهم، مرة بتغيير نظام الثانوية العامة، ومرة بالعودة للنظام القديم، ومرة بعودة السنة السادسة، ومرة بتعديل نظام الامتحانات، وأخرى برصد الدرجات، وثالثة خاصة بتعديلات لا تنتهى للمناهج وأخطاء مستمرة فى الكتب المدرسية، ونظام امتحانات غير مستقر، حتى أصبحت الحالة «سمك لبن تمر هندى»، وعذاب اللخبطة فى الأكل عظيم.. فما بالكم بعذاب اللخبطة فى الدماغ؟!
دورات المياه:
لا تتوقع هنا حديثا عن أشياء تلائم الاستخدام الآدمى، ذاكرتك سوف تكتفى بتأكيد ذلك لك حينما تعود إلى الوراء وتتذكر تلك اللحظة التى تشعر فيها بمعاناة قضاء الحاجة، وترفع شعار الصبر مفتاح الفرج خوفا من التفكير فى مجرد الذهاب إلى حمام المدرسة سخرية خوفاً المدرس وكأنك تطلب فعل شىء مضحك أو رفضه الشديد وكأنك تجهز لفعلة حرام.
قضاء الحاجة، من حاجات الإنسان الأولية هذا ما تدرسه صفحات الكتب المدرسية، أما إدارة أغلب المدارس المصرية، فهى لا تعترف بذلك، وبالتالى طبيعى جدا أن تجد أغلب دورات المياه فى المدارس المصرية إما بلا مياه، أو فى حاجة إلى جهد خارق لعبور بحيرات «المجارى» التى تملأ الحمام ماء وتغزو المدرسة رائحة.
وطبقا للعديد من التقارير التى نشرتها مراكز حقوقية فإن عدم نظافة دورات المياة فى المدارس وسيلة جديدة لتعذيب الطلبة، بسبب الأمراض التى تنشرها بين الطلاب والتى تبدأ بفيرس «سى» لمن يستخدمونها، أو بالتهاب المثانة لمن يمتنعون عن استخدامها خوفا ورهبة، هذا بخلاف تجاهل الطلبة من ذوى الاحتياجات الخاصة، وكأن ليس من حقهم قضاء حاجتهم.
دعك من النظافة فأمرها هين إذا ما قارنتها بطريقة أخرى يتم تعذيب التلاميذ بها فى الحمامات.. وهى الاغتصاب، أكثر من حادثة وأكثر من بلاغ عن اغتصاب مدرس أو فراش لتلميذ ابتدائى فى دورة مياه المدرسة أشهرها ربما يكون حادثة المعهد الأزهرى فى 2007 وما فعله مدرس إسكندرانى فى مدرسة تابعة لإدارة المنتزه بتلميذ بالصف الخامس الابتدائى.. فهل تريد أقسى من ذلك وسيلة تعذيب.