نعشق إلى حد الذوبان دور الضحية..!
ونغرم إلى حد الوله بفكرة أن هناك أشرارًا على بعد 25 مليون تفرغوا بالكامل للتآمر علينا ويدسون لنا السم فى العسل نحن معشر العرب الودعاء، المسالمين، الذين لا حول لنا ولا قوة!
يقتلنا حنين جارف إلى لعب دور البطولة فى دراما المجنى عليهم، فهذا يشبع رغبتنا الحارقة فى الصراخ والعويل، ويمنح مناضلى الفضائيات ومحترفى صراع الديكة فى برامج «التوك شو» فرصة ذهبية لتدريب حناجرهم على المزيد من الانتصارات والأهم أن دور الضحية يعفينا تماما من الفعل، ويرفع عنا حرج التفكير!
وإن كنت ناسى أفكرك!!
لقد استهلكت الآلة الإعلامية العربية نفسها على مدار 30 عاما مضت فى التأكيد على أن صورة العربى فى السينما الأمريكية لم تخرج عن واحدة من هذه الصور النمطية: أعرابى من البدو الرحل وبجواره ناقة وخيمة ومن حوله الصحراء الجرداء، أو صورة العربى المنغمس فى اللهو والملذات والمجون وتعاطى الخمر، أو صورة العربى المتجرد من الحضارة وآداب السلوك العام، أو صورة المسلم المتزمت الذى يسوق خلفه زمرة من الحريم المتشحات بالسواد، وأخيرًا الإرهابى، مختطف الطائرات والحافلات، مفجر المبانى وقاتل الأبرياء!
كل هذا الكلام تم الإلحاح عليه مرارًا وتكررت، ونشأت أجيال كاملة عليه فلم تعد ترى فى الآخر سوى الشيطان الرجيم، ولم يسأل أحد نفسه: وماذا فعلنا نحن لكى نقدم صورة مختلفة عن أنفسنا؟ فنحن نملك المال والسفارات والمراكز الثقافية؟ وأين «اللوبى العربى» الذى - لا أقول ينافس اللوبى الصهيونى - بل على الأقل يدعم محاولات تقديم صورة إيجابية عن العرب والمسلمين فى هوليوود. الإجابة: لاشىء!
والمدهش أننا فلعنا الأسوأ...
تجاهلنا مع سبق الإصرار والترصد كل رسائل الغزل التى أرسلت بها هوليوود إلينا منذ منتصف التسعينيات وتصاعد دفئها بعد أحداث 11 سبتمبر! والأمثلة أكثر من أن تعد أو تحصى!
فى فيلم «روبن هود.. أمير اللصوص» - أنتج 1990 - يكون صوت الحكمة والشجاعة والتحضر هو ذلك المسلم الأسود، الذى جسد شخصيته بحرفية هائلة النجم المخضرم مورجان فريمان، وفى واحدة من أكثر مشاهد الفيلم دلالة يفشل روبن هود «كيفن كوستنر» فى رؤية الأعداء عبر المنظار المكبر فيرشده المسلم إلى الطريقة الصحيحة فى استخدامه قائلاً: «لا أعرف كيف تدعون أنكم وصلتم إلى قمة سلم الحضارة!
أما فى فيلم «المحارب الثالث عشر» الذى أنتج عام 1998 فإن البطولة الرئيسية لفارس مسلم يملك رصيدا هائلا من الهدوء والتحضر - يجسد شخصيته النجم أنطونيو بانديراس - يذهب إلى شمال أوروبا ويقاتل بشجاعة مذهلة قبائل متوحشة وينال إعجاب مقاتلى الفايكنج الأشداء!
وفى «خلف خطوط العدو» ينتصر الفيلم تماما لضحايا المقابر الجماعية من مسلمى البوسنة ويدين وحشية ميليشيات الصرب التى تطارد طيارا أمريكيا سقطت طائرته، ويتعاطف مع المقاومة الإسلامية التى تحتضنه والفيلم يلعب بطولته جين هاكمان!
وفى فيلم «مملكة الجنة» - إنتاج 2005 - يظهر صلاح الدين الأيوبى فارسا عظيما يصبر على جرائم أمراء ومرتزقة الحروب الصليبية، ويكره سفك الدماء ويمد - رغم عبقريته العسكرية - يده بالسلام! أما ملوك أوروبا فقد ظهر معظمهم نموذجا خالصا للجشع والحماقة وقتل الأبرياء!
وفى نفس العام تم إنتاج فيلم سيريانا syriana الذى يقدم تحليلا رائعا لأزمة التطرف والإرهاب فى أوساط الشباب العربى المحبط الذى لا يجد نقطة أمل فى أى شىء فيتلقفه الإرهاب، والأخطر أن الفيلم يعرض إمارة خليجية لم يسمها وكيف أن الولايات المتحدة تبسط نفوذها على هذه الإمارة وتجبر الملك على الإطاحة بولده ولى العهد وتنصيب ولده الثانى بدلا منه، لا لشىء إلا أنه لم يفكر فى إرضاء أمريكا وفكر فى عمل نهضة حقيقية لبلاده!
وفى فيلم «جسم الأكاذيب» أو Body of Lies الذى يعرض حاليا بمصر، يتعاطف ضابط الـCIA مع عالم عراقى وقع فى فخ جماعات العنف، وترفض السلطات الأمريكية إنقاذه بعدما حصلت منه على ما تريد، وهو ما يجعل هذا الضابط «ليوناردو دى كابريو» يفقد ثقته فى مجتمع الاستخبارات خصوصا بعدما وقع فى غرام ممرضة أردنية تتسم بالهدوء والجمال والثقافة والثقة بالنفس وأخيرا يستقيل من عمله نهائيًا ويعيش فى الأردن والشرق الأوسط إلى الأبد مفضلا الحب والبراءة فى العالم الثالث على الأكاذيب فى العالم الأول!
ولم يظهر ضابط الاستخبارات الأردنى تابعا لنظيره الأمريكى، بل يفوقه فى قوة الشخصية والاحتراف والقدرة على فهم طبيعة المنطقة، ومن الجمل الحوارية الدالة فى الفيلم إلحاح «راسل كرو»الذى جسد شخصية الضابط المسئول عن دى كابريو - على فكرة أن «أمريكا بلد الحضارة والشرق العربى بلد الصحراء»، فيسخر منه ليوناردو ويتجاهله وتؤكد أحداث الفيلم خطأ تلك المقولة!
لمعلوماتك..
◄ 2005 تم انتاج فيلم مملكة الجنة.
◄ 1998 انتاج المحارب الثالث عشر بطولة باندرياس.