بعد تكرار حوادث القتل والضرب والاغتصاب والانتهاك

لماذا لا يخضع المدرسون لكشف هيئة؟

الخميس، 13 نوفمبر 2008 11:49 م
لماذا لا يخضع المدرسون لكشف هيئة؟ المرأة الموجودة فى الصورة هى المعلمة المسئولة عن الفصل.. هل تصدق؟
كتب وائل السمرى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
شَ. تَ. مَ. شتم، ضَ. رَ. بَ...ضرب، قَ. تَ. لَ.. قتل.
هكذا يجب أن تكون حصة الإملاء فى المدارس المصرية، بعد تكرار وقائع القتل نتيجة عنف المدرسين مع «أبنائهم الطلاب»! على أن يقنع المدرس تلاميذه بأن ينسوا زمن «زرع، حصد» إلى أجل غير مسمى، بينما يكون الشتم والضرب والقتل من نصيبهم، فأولاد بقية المدارس ليسوا بأفضل من «إسلام» قتيل الإسكندرية، وليست بقية البنات بأفضل من «خديجة» قتيلة القاهرة، وكأن مرتكبى هذه الجرائم حرصوا على توزيع مصائبهم بالتساوى بين العاصمة الأولى، والعاصمة الثانية، وكذلك بين البنات والبنين، فوزارة التربية والتعليم ترفع الآن شعار «المساواة فى القتل عدل».

إسلام، وخديجة ماتا فداء للواجب المنزلى، وليس فداء للواجب المقدس، هما طفلان يحبان اللعب، يبكيان إذا ركبا «المرجيحة» قلباهما ضعيفان، لا يحتملان العذاب، ولا الترهيب، وخديجة ماتت من الرعب، والموت هنا ليس على سبيل المجاز، فالمجاز أرحم من مدرس حصة الحساب بمدرسة أحمد عرابى الابتدائية المشتركة، الذى أنَّب خديجة وعنَّفها، فلم يحتمل قلبها الصغير عنف مدرسها وأسلمت روحها لبارئها، أما إسلام لأنه ذكر وله مثل حظ الأنثيين فمدرسه كال له الضرب والسباب حتى كسر له ثلاثة أضلع ومنع الدم من الوصول إلى مخه الرقيق فأغمى عليه، ولأن المدرس «شديد» لم يعبأ به حينما فقد وعيه، وقال إنه «بيتدلع» وتركه فى «الدلع» حتى احتبست أنفاسه، ووقف قلبه، وأسبل عينيه، آمنا مطمئنا راضيا مرضيا.

ما الذى فعلاه ليقتلا ويعذبا هكذا وكأنهما المتسببان فى غرق العبارات، وانهيار الجبال، وإشعال الحرائق فى أقصى البلاد، وأدناها، ما الذى فعلاه ليقتلا؟ وكأنهما مجرمان عتيان فى الإجرام، ولماذا يذهب دم أبنائنا دائما «هدر»؟، فى الداخل والخارج، بذنب أو بدون؟ لماذا كل هذا العنف، ولماذا كل تلك القسوة؟

الداخل إلى مدارسنا المصرية لا يكاد يفرق بينها وبين المعتقلات، الأسوار العالية، والأبواب الحديدية، والاستجواب لكل من أراد الدخول أو الخروج، خلاف السماح لبعض الأطفال بتكوين جماعة تحت مسمى «الشرطة العسكرية» هذا بالطبع خلاف ما يمثله المدرس من سلطة قهر عامة، فهو يقوم رغما عن الجميع بعدة أدوار لا تليق به، ولا «تليق» عليه، ابتداء من ممارسة مهام وظيفة «ناظر عزبة» فى زمن الإقطاع الموكل إليه عقاب الأنفار وضبطهم، مرورا بوظيفة «جابى الضرائب» التى يحصل عليها تحت مسميات عديدة مثل «زينة الفصل»، «معونة الشتا»، «تبرعات للإنشاءات»، وأخيرا دور «المعلم» الذى يتم إجباره فى كثير من الأحيان على تدريس مواد خارج تخصصه، وكل هذا بالطبع يتم وفق سياسة عشوائية تغرق فيها مصر كلها، ولا تخص المدرسين وحدهم ولا وزارتهم، لكن فى وزارة مسئولة عن تربية وتعليم أطفالنا يأخذ الخطأ فيها أبعادا كثيرة، فإن أخطأ مدرس يتضرر بخطئه مئات الطلاب الذين يتتلمذون على يديه، وإن أخطأ مدير مدرسة يتحمل خطأه جميع طلابه، وإن أخطأ الوزير يتضرر من خطئه جميع أهالى مصر الكرام.

مسئولية مصائب المدرسين لا يجب أن يتحملوها وحدهم، فكلنا شركاء فى المسئولية والجريمة وتوابعها، أستاذ الجامعة التى تخرج فيها المدرس، وزارة التربية والتعليم، ووكلاؤها وموجهوها، مديرو المديريات التعليمية، مديرو المدارس، مجالس الآباء، أعضاء المجالس الشعبية والمحلية، أعضاء مجلس الشعب والشورى، الإعلام الذى لا يهتم إلا بمتابعة الأحداث دون تحليل واستخلاص النتائج أو اقتراح حلول، هذا ما اتفق عليه معنا الدكتور مصطفى عبد السميع مدير المركز القومى للبحوث التربوية والتنمية حينما ناقشنا معه القضية، فطرحنا عليه فكرة وجوب إخضاع طالبى التعيين كمدرسين لـ«كشف هيئة» فمن غير المعقول أن يخضع ضباط الشرطة، ومندوبو المبيعات لمثل هذا الكشف، فى حين أن المدرسين الذين يحملون أمانة تعليم الأجيال لا يخضعون له، ففاجأنا د. «عبدالسميع» بأن هناك قانونا يلزم بهذا الكشف كان موجودا بالفعل، وكان يتعين على المدرسين أن يمروا بهذا الكشف الدقيق الذى لا يترك كبيرة ولا صغيرة إلا ويفحصها، ابتداء من مخارج الألفاظ والتوازن النفسى، وانتهاء بالكشف الجلدى، ومن يرسب فى هذا الكشف لا يحق له ممارسة المهنة، فحكيت لـ د. عبدالسميع عن واقعة حدثت فى فصلى الدراسى حينما كنت طالبا فى الثانوية، بطل هذه الحادثة هو الأستاذ «عادل» مدرس اللغة الألمانية بمدرسة ابن خلدون الثانوية بنين، الذى تشاجر مع بعض الطلاب الذين قطعوا قميصه، وأحدثوا كدمات بوجهه، لأنه كان دائم التأنيب والشتم فيهم، ولأنه كان من قصيرى القامة، ضعيفى البنية كان لا يختار إلا «الطوال العراض» ليهزئهم ويوبخهم أمام الجميع، وبعد هذه الحادثة صار محل استهزاء الجميع، ولأن صوته كان «غير طبيعى» ظل الطلاب يقلدونه بسخرية واستهزاء،

وعلى ما أذكر تم نقله من المدرسة، بعد أن تزعزعت شخصيته المزعزعة أصلا، وعانى جميع المدرسين من فقدان هيبتهم بعد أن تم ضرب زميلهم، فعلق د. «عبدالسميع» قائلا: إن مثل هذه الحوادث واردة الحدوث، والخطأ هنا لا يتحمله المدرس، ولا يتحمله الطلاب، فالمسئول الأول عن هذا هو من عين رجلا بمثل هذه المواصفات فى مدرسة ثانوية على الرغم من عدم صلاحيته حتى لمدرسة إعدادية نظرا لضآلة حجمه وغرابة صوته، ومن المفترض لو تم تفعيل مسألة إجراء كشف الهيئة أن ينتبه المختبرون إلى مناسبة بنية المدرس الجسمية مع المرحلة الدراسية الموكلة إليه، الدكتور عبد السميع قال: من اللافت للنظر أن معظم المدرسين الذى يتسببون فى هذه الكوارث ليسوا خريجى كليات التربية ومعاهدها، فى حين أن وزارة التربية والتعليم ألغت التكليف الذى كان يلزمها بتعيين خريجى كليات التربية، وفى النهاية قال: أتمنى أن يلتفت الجميع إلى خطورة الموقف الآن ولا أستثنى من هذا أحدا بمن فيهم أساتذة الجامعات ومنظمات المجتمع المدنى، فالغريب أن أحدا لم ينتبه للمشكلات على الرغم من وجود إشارات وقرائن تشير إلى تفاقم الأوضاع بالمدارس المصرية، والدليل على هذا ما حدث فى مشكلة مدرسة الجزيرة بالإسكندرية التى كان يديرها الإخوان، وكذلك الحادثة التى جرد فيها مدرس تلميذه من ملابسه.

منعا لتكرار الكوارث داخل أسوار المدارس، وللحفاظ على أرواح أبنائنا وأجسادهم ونفسياتهم وشخصياتهم ومستقبلهم، ندعو لتفعيل القانون الذى يلزم المدرسين بالخضوع لكشف الهيئة لكى نضع أبناءنا بين أيديهم مطمئنين، ونتجنب حدوث الكوارث اليومية فى المدارس المصرية التى تراوحت بين الضرب والشتم والانتهاك والتعذيب والقتل، وقد يكون أول المستفيدين من هذا القانون هم المدرسين أنفسهم، لأن به سيعرف كل واحد منهم قدراته الحقيقية لينميها، وما ينقصه يحاول معالجته.

لمعلوماتك..
1953 إقرار قانون التعليم الإجبارى للأطفال.
50 مليون دولار خصصها الكونجرس لتطوير التعليم المصرى.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة