قرأت رأيا لعالم الاجتماع الجليل د.قدرى حفنى أن ثورة المجتمع تقوم وتندلع إذا توفرت أربعة شروط هى : «اليأس من الإصلاح، وعجز السلطة عن تلبية مطالب الناس، وانعدام سبل التغيير الديمقراطى، والأمل فى نظام جديد». قبل أن أتفاءل بأن الثورة قادمة لا محالة، أمعنت النظر فى الشروط الأربعة فوجدت أنه ولله الحمد... كله متاح.
اليأس موجود بوفرة وتعدى الحد الأقصى له، إذن فهو يكفى أن يكون وقوداً لعشرات الثورات، أما عن عجز السلطة عن تلبية مطالب الشعب، فالحمد لله أننا منعمون بسلطة تعجز عن سد وتلبية الاحتياجات الأساسية لمواطنيها، بل تفوقت على نفسها لأنها ابتكرت سياسة أكثر تطويراً وهى العجز مع التعجيز، فإذا استشعرت الحكومة بأن هذا الشعب مازالت لديه القدرة المتواضعة على سد احتياجاته، إذا بها تسارع بكل ما أوتيت من خبث وشر وغباء سياسى، أن تقوم بتعجيزه، وما أحلاه الشرط الثالث «الذى يأتى على طبطاب الشعب الثائر، وهو انعدام سبل التغيير الديمقراطى»، فالتغيير للأسوأ «حاصل»، أما الديمقراطية فحدث ولا حرج، فمن المؤكد أنكم سئمتم مثلى تماماً من التشدق بهذه الكلمة والتى لا محل لها على الإطلاق من واقع الأحداث اليومية المعاشة، وهو أمر يستحق أن تخصص له كتب ودراسات وأبحاث لفهم سر هذه الأكذوبة التى أطلقتها السلطة والحكومة والإعلام الرسمى وصدقوا أنفسهم «مصر الديمقراطية»!!!
عند هذا الحد من الشروط الثلاثة... شعرت أننا فى طريقنا لتحقيق الحكمة السائدة صحيح.. لكل شىء نهاية... ومصر ح تخرج من الإنعاش على يد الشعب الثائر»، للحظة توقفت أمام الشرط الرابع، والذى أعتبره فى ظل الأوضاع الحالية، وبنظرة شخصية تشاؤمية أنه من رابع المستحيلات : «الأمل فى نظام جديد»!!!!
«أمل - نظام.. وكمان جديد».. كيف يحدث ومتى ولماذا وماهى مؤشراته، شعب فقد الأمل والثقة والرغبة واحترف التكيف مع الواقع، ونظام.. تلك الكلمة التى أفنى علماء ومفكرون أعمارهم فى محاولة إرسائها لدرجة أن جملتهم المشهورة أصبحت تتردد على كل لسان لشخص بسيط متواضع العلم والثقافة والطبقة مشكلة مصر هى «النظام»، وأحياناً يقولها لك سائق التاكسى مصر.. مشكلتها «السيستم»، أما الجديد فهو كارثة بكافة المقاييس، فعندما يأتينا زمن يعذب فيه الأطفال فى السجون كياً بالكهرباء، ويموت فيه مواطنون فى طابور العيش، يبكى فيه موظف ذو خبرة 20 عاماً لأنه لم يعد قادراً على ستر بيته بالاحتياجات الرئيسية، وأنه يشعر بأنه عاجز ويتمنى الموت كل يوم مبرراً بأنه من الأشرف له أن يساعد الناس أولاده لأنهم يتامى أفضل ألف مرة من أن يساعدوهم وهو على قيد الحياة.
إذن وبالرجوع للشروط الأربعة لاندلاع الثورة كما حللها العالم والمفكر د.قدرى حفنى، تأكدت تماماً أننا شعب غير مؤهل للثورة، نحن مجتمع مؤهل للكبت والقهر والجوع والصبر والتكيف والغضب أحياناً.... إلى أن يقضى الله أمراً كان مفعولاً.