ردا على إسلام البحيرى حول سن زواج أم المؤمنين السيدة عائشة من الرسول "صلى الله عليه وسلم"

الرواية جاءت بأكثر من طريق غير البخارى وجميعهم "ثقة"

الخميس، 13 نوفمبر 2008 11:31 م
الرواية جاءت بأكثر من طريق غير البخارى وجميعهم "ثقة"
محمود عبده باحث فى العلوم الإسلامية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄لا يجوز للباحث أن يكذب هشام بن عروة فى حديث زواج عائشة وهى فى التاسعة ثم نصدقه فى روايته حول موت أسماء عن مائة سنة

أثار اهتمامى ما كتبه الأستاذ إسلام البحيرى فى العدد الأول من «اليوم السابع» عن «كذب» ما رُوى فى كتب السنة وعلى رأسها صحيح البخارى عن زواج النبى (صلى الله عليه وسلم) من عائشة بنت الصديق، وهى فى التاسعة من عمرها، وأن العمر الصحيح لعائشة آنذاك كان 18 عاما، وأنها ولدت قبل بعثة النبى (صلى الله عليه وسلم) بأربع سنوات، لا بعدها بسنوات أربع، كما يفهم من صحيح البخارى، واشتد اهتمامى حين اطلعت على الأدلة المحكمة التى استند إليها فى رأيه هذا، ما دفعنى للعودة إلى المصادر التى ذكرها، واستغرق منى البحث أسبوعين، حتى توصلت إلى النتيجة التى اطمأن إليها قلبى وضميرى، وهى باختصار أن السيد بحيرى مخطئ فى اجتهاده، وأن الإحكام الذى بدا على أدلته هو إحكام ظاهرى زائف، يتهاوى أمام التحقيق العلمى، والمنطق الصحيح، وإليكم التفصيل:

اعتمد الكاتب على رواية لأم المؤمنين عائشة فى البخارى، ورد فيها أن أبا بكر شرع فى الهجرة إلى الحبشة، لولا أن رده سيد من سادات مكة وأدخله فى جواره، فلم يلبث أبو بكر حتى رد جوار المشرك مستعدا لتحمل أذى قريش، أعقب ذلك أن قرر النبى وصحبه الهجرة للمدينة، واستبقى (صلى الله عليه وسلم) أبا بكر ليصحبه فى الرحلة، التى وقعت بعد ذلك بأربعة أشهر، وقد استنتج الكاتب من نفسه أن هذه الهجرة حدثت فى السنة الخامسة من البعثة، وطالما عقلت عائشة هذه الهجرة، فهى لم تولد فى السنة الرابعة من البعثة، بل قبل البعثة بأربع سنوات حسب نظريته، والحقيقة أن الحديث المروى لم يقل مطلقا إن تلك الهجرة كانت فى السنة الخامسة من البعثة، بل الظاهر من ملابساته وتعاقب الأحداث فيه أن محاولة أبى بكر الهجرة للحبشة كانت قبل الهجرة للمدينة بمدة ليست بالكبيرة، سنوات قلائل على أكثر تقدير، وفى السنوات القليلة قبل الهجرة كانت عائشة فى سن التمييز والعقل، بعد أن تجاوزت عائشة السنة السادسة من العمر، وكان من الطبيعى أن تعقل حدثا كهذا، فهجرة الأب ليست بالشىء اليسير الذى يمر على أحد أعضاء الأسرة، ولو كان فى السادسة من عمره، ولولا ضيق المساحة لأوردنا الحديث بنصه.

قال الكاتب: إن العلماء أجمعوا على نزول سورة القمر فى السنة الرابعة من البعثة، وأورد حديثا فى البخارى لعائشة أن سورة القمر نزلت وهى جارية تلعب، إذن هى ولدت قبل البعثة، ونقول إن زعم الإجماع على نزول سورة القمر فى السنة الرابعة من البعثة وهم كبير، ويكفى أن نراجع ابن كثير والقرطبى للتأكد من ذلك، بل وردت الروايات بأن انشقاق القمر الذى افتتحت به السورة كان قبل الهجرة إلى المدينة، فى نهايات سنوات البعثة، ومما يؤكد ذلك أن سورة القمر نزلت بعد سورة النجم بسور، حسبما ذكر الزركشى وغيره فى كتابه «البرهان فى علوم القرآن»، وقد سجلت سورة النجم أحداث المعراج إلى السماء، والتحقيق يقول إن معجزة الإسراء والمعراج لم تقع قبل السنة العاشرة من البعثة، إذن سورة القمر نزلت فى السنة العاشرة أو بعدها، وكانت عائشة يومها فى السادسة من عمرها تلعب فى مكة.

استبعد الكاتب خطبة عائشة وهى صغيرة للجبير بن المطعم بن عدى قبل رسول الله، وهو شاب كبير لن ينتظر بلوغها، ومع ذلك لم يورد الكاتب دليلا على أن الجبير كان كبير السن حين خطب له أبوه عائشة فى مكة، وأنه كان سيتزوج عائشة فورا ولن ينتظر كما انتظر رسول الله حتى بلغت؟ ولو كانت عائشة جاهزة للزواج حين عرضتها خولة بنت حكيم، وكان ذلك فى السنة العاشرة من البعثة (سنة موت خديجة) أو بعدها بقليل، فلماذا تأخر الزواج بها ما يقرب من أربع سنوات، ولماذا عقد النبى على عائشة، دون أن يدخل بها، مرجئا الدخول ثلاث سنوات، فى الوقت الذى عقد فيه على أم المؤمنين سودة ودخل بها؟
الجواب المنطقى أن عائشة لم تكن جاهزة فسيولوجيا للزواج حينها، وانتظر النبى (صلى الله عليه وسلم) بلوغها، وعلى هذا فالكاتب يناقض نفسه!!

ثانيا، قال الكاتب إنه يستحيل أن يقبل أبو بكر خطبة أحد المشركين وهم يؤذون المسلمين فى مكة، ولكن من قال إن المطعم أو ولده كانوا يؤذون المسلمين؟ إن المطعم هو من أجار النبى (صلى الله عليه وسلم) فى دخوله مكة عائدا من الطائف، وقد حفظ له النبى (صلى الله عليه وسلم) هذا الجميل، وقال فى أسرى بدر: لو كان المطعم حيا لوهبته إياهم.

أما عن الخطبة لمشرك فقد كان ذلك فى الفترة المكية، حيث لم ينزل تشريع تحريم نكاح المشركين والمشركات، وفى نزول التحريم دليل على أن المسلمين كانوا يُنكحون المشركين والمشركات قبل ذلك، وقد رأينا كيف بقيت زينب بنت رسول الله على زواجها من مشرك (العاص بن الربيع) حتى الهجرة، ثم قدومه مسلما.

نقل الكاتب عن الطبرى: إن كل أولاد أبى بكر ولدوا فى الجاهلية، والصحيح أن الطبرى قال إن أولاد أبى بكر جاءوا من زوجتيه اللتين تزوجهما فى الجاهلية، ونص كلام الطبرى: «تزوج أبو بكر فى الجاهلية (قتيلة).. فولدت له عبدالله وأسماء، وتزوج أيضا فى الجاهلية (أم رومان).. فولدت له عبدالرحمن وعائشة، فكل هؤلاء الأربعة من أولاده ولدوا من زوجتيه اللتين سميناهما فى الجاهلية،.. فالطبرى يقسم نساء أبى بكر حسب تاريخ زواجه بهن، وقال إن أمى عائشة وأسماء تزوجهما أبو بكر فى الجاهلية، وقد فهم الكاتب أن الجار والمجرور «فى الجاهلية» متعلق بكلمة «ولدوا»، والأقرب أنه متعلق بكلمة «سميناهما»، للتمييز بين زوجات أبى بكر فى الجاهلية والإسلام، ولو كان غير ذلك لقال الطبرى: فكل هؤلاء الأربعة من أولاده ولدوا فى الجاهلية من زوجتيه اللتين سميناهما، دعك من ضعف الرواية أساسا.

يقول الكاتب إن أسماء بنت أبى بكر أجمع المؤرخون على أنها أكبر من عائشة بعشر سنوات، وأنها كانت سنة الهجرة 27 عاما، إذن عائشة كانت فى الهجرة 17 عاما، وليست 8 أعوام، ويستدل بسن أسماء عند الوفاة كذلك، وأقول إنه ليس فى الأمر الإجماع الذى يوهمنا به الكاتب، فقد قال الذهبى فى «سير أعلام النبلاء» إن فارق السن بين أسماء وعائشة كان بضع عشرة سنة، والغريب أن من نقل أن أسماء ماتت عن مائة سنة وهى الرواية التى بنى الكاتب دراسته عليها هو نفسه هشام بن عروة راوى حديث زواج عائشة فى التاسعة من عمرها، والذى اتهمه الكاتب بعدم المصداقية والتدليس، فلماذا صدقه فى هذه وكذبه فى تلك؟!
اتهم الكاتب هشام بن عروة راوى حديث زواج عائشة وهى بنت 6 سنين بالتخليط وفساد العقل، وأقول: لنفترض أن هشاما هذا كاذب، وليس ثقة كما قال أغلب علماء الجرح والتعديل، فقد وردت الروايات بسن عائشة لدى زواجها عن أكثر من طريق غير طريق هشام بن عروة، لدى الإمام مسلم، والنسائى، وابن ماجه، وأحمد، والبيهقى فى سننه الكبرى، والحاكم فى المستدرك، والطبرانى فى المعجم الكبير.

دعك من توثيق العلماء لهشام بن عروة، فقد وثقه يحيى بن معين، كما يروى صاحب كتاب «تهذيب الكمال»، ويحيى بن معين من المعروفين بتشددهم فى توثيق الرواة، كما وثقه جمع من العلماء أمثال: ابن حجر، وابن حبان، وأبو حاتم، والعجيلى، وروى له الجماعة، ووثقه الذهبى فى ميزان الاعتدال، وقال عنه: «هشام شيخ الإسلام»، ودفع عنه التهمة فيما روى عنه من اختلاط أو تساهل فى الرواية.

أخيرا: روايات حديث الإفك ترد على الكاتب:
لحديث الإفك المروى فى البخارى ميزة فريدة، هى أن ابن شهاب الزهرى جمعه من مجموعة من التابعين هم: عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب، وعلقمة بن وقاص، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وكلهم أخذ الحديث من عائشة رضى الله عنها، ويحكى ابن شهاب كيف قارن بين الروايات، ووجدها يصدق بعضها بعضا، بما لا يدع مجالا للريبة فيما نقله الرواة، إلا إذا كنا نتهم عائشة فى صدقها (معاذ الله)، وما يهمنا من هذا الحديث الطويل هو قول عائشة عن نفسها حين وقع الإفك فى السنة السادسة من الهجرة «فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه وحملوه، وكنت جارية حديثة السن..»، وحسب كلام الكاتب فإن عائشة كانت فى سن الرابعة والعشرين حينذاك، فهل يقال لغة وعرفاًً عمن بلغت هذه السن: جارية حديثة السن؟ وقد تكرر الوصف فى الحديث نفسه على لسان بريرة إحدى الجوارى التى كانت تخالط عائشة، قالت بريرة لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) فى شهادتها عن سلوك عائشة: «والذى بعثك بالحق ما رأيت عليها أمرا قط أغمصه أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتى الداجن فتأكله»..

ها هو حديث ليس فيه هشام بن عروة، تصف فيه صاحبة الشأن نفسها بحداثة السن، وأنها كانت دون العشرين يقينا، فما يقول كاتبنا؟ ولنتذكر أنه قال إن عائشة كانت جارية فى الثامنة حين نزلت سورة القمر، فهل بقيت جارية حتى الرابعة والعشرين؟






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة