كثيراً ما نظن فى أنفسنا القدرة على أن نحكم على الناس، وننصب من أنفسنا حكاما ومقّيِمين للآخرين، والذين منهم من يحتمل أن يكون أفضل منا، وبالحكم غير الصائب قد نهدم شخصا ممتازا، أو يصل الأمر لأن نحرم البشرية من منقذ لها، ولأوضح لحضراتكم ما أعنيه فلنا على ما أقوله مثال.
افترضوا سيادتكم أنكم مقبلون على اختيار رئيس للجمهورية عن طريق الانتخاب، سأعطيكم مواصفات ثلاثة مرشحين، ولكم الحكم من منهم ستختارون؟ وفى النهاية سأعرفكم بكل واحد منهم.
المرشح الأول يخالط سياسيين منحرفين ويستشير العرافات والمنجمين، لديه عشيقتين يدخن بشراهة ويشرب يومّياً حوالى عشرة كؤوس مارتينى. المرشح الثانى طُرِد من الوظيفة مرتين وينام حتى الظهر،ِتناول المخدرات أثناء فترة الجامعة يتناول ربع زجاجة من الويسكى كل مساء.
المرشح الثالث كان بطل حرب لا يدخن لا يشرب الخمر إلا قليلاً، ونال عدة أوسمة ولم يخن قط زوجته وهو نباتى. عزيزى أى من هؤلاء ستختاره ليتحكم فى مصيرك؟ أمامك بطاقة الانتخاب، والآن اسمح لى أن أضع الأسماء أمامك لتختار، المرشح الأول هو فرانكلين روزفلت الرئيس الأمريكى الذى لولا دعمه العسكرى واللوجستى والسياسى والاقتصادى، ولا ننسى فى هذا المقام ما عُرِف بقانون الإعارة والتأجير الذى من خلاله قدم كل عون لأوروبا مما أعانها لأن تقوم من عثرتها، وما انتصر الحلفاء على المحور فى الحرب العالمية الثانية، وهو الرئيس الأمريكى الوحيد الذى تولى الرئاسة لثلاث مدد رئاسية، ومات خلال عمله بسكتة دماغية مفاجئة. والمرشح الثانى وينستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا العظمى وقت الحرب العالمية الثانية أيضاً، وهو الذى أنقذها من هزيمة مذلة بقيادته للشعب الإنجليزى، وضبطه للنفس وسياسته الحكيمة، والذى استضاف فى بلاده الكثير من الحكومات المضارة بلادها من الحرب، حكومات المقاومة مثل حكومة فرنسا الحرة بقيادة الجنرال شارل ديجول وحكومة بلجيكا، حتى صار فى وقت من الأوقات خلال الحرب فى لندن أكثر من حكومة لأكثر من دولة أوروبية احتلتها جيوش النازى هتلر، وقاد بلاده بحنكة لتعبر من أزمة اقتصادية طاحنة كانت تخنق المواطن الإنجليزى.
أما المرشح الثالث هو أودولف هتلر، صاحب أكبر جرائم فى حق الإنسانية ومشعل الحرب العالمية الثانية فى عام 1939 باجتياحه بولندا، والذى لم يتفهم لسياسة التهدئة التى اتبعها معه رئيس وزراء بريطانيا حينها شمبرلين، وظنها ضعفا واستكانة، تحالف مع ستالين رئيس الاتحاد السوفيتى آنذاك، ثم انقلب عليه ودحر نفسه بنفسه بغروره حين زج بجنوده فى ميادين متعددة للقتال، تركهم يموتون من البرد والجوع لطول خطوط الإمدادات، وفى نهاية حياته مات منتحراً.
والآن أيهم ستختار يا عزيزى؟ مهلاً قبل الاختيار علينا أن نعى أنه لن تسلم الجرة فى كل مرة.. ولكن القاعدة تضمن بأن السوى سوى من الخارج والداخل، لكن المهم أننى أظنك الآن ستتروى كثيراً قبل أن تحكم على الناس، وستعرف أنه من الوارد أن يكون من بينهم القائد الحكيم الذى يقود الأمم لبر النجاة، لكن قد يبدو لك من الظاهر أنه غير جدير بذلك المنصب الرفيع الذى أنت بصدد أن تنتخبه له، ومن هنا علينا أن نمعن النظر فى الآخرين ونتروى كثيراً.. نسمع أكثر مما نتكلم.. ونفكر.. ندقق فى كل كلمة ينطق بها الإنسان، فهى معبرة عما بداخله، ولا ننسى فى هذا المجال ما قاله الفيلسوف اليونانى، "تكلم حتى أراك"، ولا نهمل أفعاله السابقة، فهناك من ينطبق عليهم القول "أسمع كلامك أصدقك.. أشوف أمورك استعجب"، ونقرن بين كلامه وفعله لنصدر حكماً عادلاً له.. لا نظلمه فيه.. ولا نظلم أنفسنا فى المستقبل، وأخيراً لا ننسى أن الظاهر كثيراً ما كان يختلف عن الباطن.
من الآخر علينا أن نبنى جيلاً قادراً يختار الأفضل من كل الوجوه، ولا ينخدع بالمظاهر فالمظاهر خداعة.