كثيرون يعرفون قاتل يشوع جمال ناشد فى قرية الطيبة بالمنيا.. وكثيرون يعرفون قاتل أحمد صلاح مرشدى فى الأميرية بالقاهرة.. لكن قلة تعرف أن القاتل واحد فى الجريمتين. قرية الطيبة بمركز سمالوط فى محافظة المنيا، لا أحد يعرف ماذا بقى لها من اسمها بعد أحداث العنف بين المسلمين والمسيحيين الذى راح ضحيتها يشوع مساء الجمعة الماضى. كان فى الثامنة عشرة من العمر، وقتل قبل أن يبدأ كتابة أول سطر فى أحلامه التى لا بد أنها كانت أوسع من المحيط وأعلى من السحاب، ورغم ذلك، ربما لا يعنى يشوع فى نظر البعض سوى سطر آخر يضيفونهُ إلى سجلات يسطرونها عن جرائم المسلمين ضد المسيحيين فى مصر بدافع التعصب الدينى، فالجريمة فى نظر هؤلاء واضحة المعالم والقاتل معروف.. مسلم متعصب.
ولا أحد يعرف مدى التشابه بين أحلام يشوع وأحمد الذى قتل فى الأميرية برصاص أهل زوجته التى كانت مسيحية وتزوجته بعدما أسلمت، لكن المؤكد أن أحمد ابن الخامسة والعشرين لم يكن أقل طموحاً من يشوع، ومن المؤكد أن مقتله لا يعنى فى نظر البعض سوى دليل آخر على تعصب المسيحيين وما يضمرونه تجاه المسلمين، فالجريمة فى نظرهم واضحة والقاتل معروف.. مسيحى متعصب.
والحقيقة أن كثيرين منا ينتمون، إما إلى هؤلاء أو هؤلاء، ويروق لهم إلقاء اللوم على التعصب والاستطراد فيما يلى ذلك من أفكار، بداية من تغذية التعصب المضاد حتى الدعوة إلى الثأر. وبالطبع ستجد من كل فريق من يستخدم الجريمة لتشويه صورة الفريق الآخر والطعن فى سلامة عقيدته، لكن كم منا يعرف أن الجهل هو القاتل الحقيقى، وهو الخطوة الأولى على طريق التعصب وما يفتحه من أبواب الجحيم.
إن من يتعصب للإسلام فيقتل جاره المسيحى لمجرد أنه مسيحى، يجهل من الإسلام أكثر مما يعرف، والمسيحى الذى يقتل جاره المسلم لمجرد أنه مسلم يجهل من المسيحية أكثر مما يعرف، والجهل بحقيقة الدين هو الذى يخلق الأرض الخصبة لشيخ أو قس تكبل عقليهما أغلال التعصب.
ولا أدرى إلى متى سنكتفى بالمعالجة الأمنية لمثل هذه القضايا كعادتنا فى الأغلب، فى حين يعرض رجال الدين من الطرفين عن تحمل مسئوليتهم الحقيقية فى إنقاذ البسطاء من براثن الجهل بالدين، وكأن رجال الدين لهم مصلحة فى استمرار هذا الوضع.
خسارتنا بسبب الجهل لا تقف عند جرائم التعصب الدينى، لكنها تمتد إلى كوارث أخرى من أشدها خطراً سوء الاختيار أمام صناديق الاقتراع، لتكون نتيجة اختيار الجهلاء نواباً خدعوهم ببساطة وانتزعوا منهم تفويضاً لتشريع ما يحلو لهم وللحاكم دون خوف من رقيب واعٍ يحاسبهم. والمسئولية ليست قاصرةً على الدولة أو رجال الدين، لكن محاربة الجهل الذى يقتلنا يجب أن تكون أولوية لكل جماعات المجتمع المدنى أيضاً، ولا أبالغ لو قلت: لو كان الجهل رجلاً لقتلته.