العلاقة بين الأعياد والتحرش الجنسى، أشبه بالعلاقة بين الطلبة المصريين والعرب والجامعات الخاصة، حالة تحرش متبادلة، العيد يتحرش بالفقراء، والفقراء يتحرشون بناس العيد، والجامعات الخاصة تفتح أبوابها لتستوعب الطلبة فى أى وقت ومن أى بلد، وبأى ثمن، المهم تقع الفريسة ويتم قبض المعلوم والمجهول.
العيد السنة دى (والذى سبقنى الزميل محمد صلاح العزب إلى طرح فكرة إلغائه) شهد واقعة تحرش جنسى، ليس فى كفر "الخصيان"، ولا نجع "المحرق"، ولا زقاق "المدق"، ولا حتى فى وسط البلد – السايب - الذى اهتز العيد الماضى بواقعة تحرش شهيرة، حين احتفلت به الراقصة الشهيرة وعلى طريقتها الخاصة بفيلمها الأشهر "عليا الطرب بالتلاتة".
التحرش انتقل من وسط البلد المزدحم دائماً بالفقراء والبسطاء والناس البيئة، إلى الحى الراقى، حى أولاد الذوات، المهندسين، وبالتحديد فى الشارع سىء السمعة (حسبما روجت له بامتياز معظم أعمالنا الدرامية)، جامعة الدول العربية، والذى أصبح ماركة مسجلة فى أذهان الكبار والصغار، المصرى والعربى والأجنبى، كواحة للراحة والنوم والأنس والفرفشة.
ولأن العيد فرحة وأجمل فرحة، ولأن العيد السنة دى أحلى كل الأعياد، فقد خرج الأطفال والمراهقون مابين الـ15 والـ 22 عاماً، واحتشدوا بطول وعرض أرصفة شارع جامعة الدول العربية، يحيطون الإناث الأصغر (مابين 12إلى 18) بكل صنوف وألوان الدفء والرعاية، بعد أن تجاوزوا زمن الهمس واللمس، إلى الجرى والصراخ والشد والجذب وتمزيق ملابس بعضهن وإيقاع الفرائس، وطرحهن أرضاً والنهش فى أعراضهن دون سابق إنذار، وكل واحد منهم طالع من البيضة وفى أيده كتاب " أنا عايز أتجوز"!.
الأعجب ما رآه ورواه الأهل والأصدقاء الذين أصيبت سياراتهم بالشلل التام فى موقع التحرش من شدة الزحام والتلاحم البشرى حول وفوق القاصرات. تسمع حكايات حول حالة التربص بأى أنثى تمر أو تحاول عبور الشارع من هذا الرصيف إلى الرصيف المقابل، مجرد أمتار قليلة وعربات كثيرة وبشر أكثر، والكل يجزم هذه المرة، أن البنات لم يكن كاسيات عاريات، ولا بهنّ أى علامات أنوثة أو مسحة من جمال، ومع ذلك الويل لمن تحاول أن تسير فى الشارع بمفردها أو بصحبة شقيقها أو صديقها أو حتى والدها لا يهم!!
أعجب مما حدث، ومن الإصرار على كون العيد السنة دى أحلى كل الأعياد، ربما ترجع حلاوته لارتقاء مكان التحرش فى المهندسين مقارنة بوسط البلد، ورغم ضعف الحجة نبلعها ونقول ماشى، ولن نسأل عن وجود أمنى كثيف أو هزيل، لأنه "كل سنة وإحنا متحرشين" مرة بوسط البلد ومرة بالمهندسين، واللى مش عاجبه التحرش كده ما يعيدش، واللى مش عاجبه العيد كده ما يتحرش!
أطفال ومراهقون يتحرشون بإناث ضعاف فى العيد تانى مرة، هنبلعها، لكن السنة اللى فاتت تحرش شباب كبار بفتيات أثناء الخروج الكبير من الاستاد احتفالاً بفوز الأهلى بالكأس، ومن شدة فرح البعض وأثناء توقف المرور كان أحدهم يتطوع ويمد يده على الفتيات داخل سيارات التاكسى، وسلم لى على الأخلاق والقانون والأمن والنظام والمتانة وأوعى تنسى حساب المثلثات وشنطة الإسعاف! وبعيد عن العيد وعن القاهرة والسنة اللى فاتت (عام التحرش الكبير)، حدث الأمر نفسه حين كان المطرب تامر حسنى يشهد- بنفسه - افتتاح فيلمه "عمر وسلمى" بمجمع سينيمات السويس، المدينة الباسلة، برضه عادى!
مش معقول نمنع الفرحة فى العيد، ولا حتى نمنع العيد نفسه، لأنه برئ من ذنب التحرش، ولو الناس تحرشت فى أى مناسبة وقررت الحكومة إلغاءها هنعيش من غير مناسبات ومن غير تحرشات ومن غير مولات ولا استادات ولا سينيمات ولا نوادى ولا جامعات ولا حفلات، ولا ملاهى ولا جناين ولا بلاجات ولا مارينات، وبعدين إحنا زعلانيين ومحبكينها أوى ليه، مش لوحدينا اللى بنتحرش فى العيد، إخوانا الكويتة سبقونا فى العيد السنة اللى طلع برضه عندهم أحلى كل الأعياد، وخرجوا إلى المولات، وفى مجمع الافينوز التجارى، حصل اللى حصل، بس الحق يقال، لا البنات كانوا مبالغين فى لبسهم، ولا الأولاد كانوا متحرشين عندهم.
الحكاية إن إشاعة انتشرت عن وجود "مهند ولميس" بطلا مسلسل نور التركيين، داخل المول المذكور، وكيف لا ينتظر الشباب العربى من المحيط إلى الخليج مهند ولميس، ليظهروا لهما أنهم تعلموا كل فنون الحب والغزل العفيف والصريح فى البيت والشارع وأى مكان، وما هى إلا دقائق حتى تحرش شاب بفتاة، فصفعته بحقيبة يدها على وجهه، فلكمها بالبوكس وطفش كلاهما، تاركين لعلماء الاجتماع نفخ الأوداج والتنظير وإعداد الأوراق البحثية، ولجمعيات المرأة إعداد مشروعات القوانين "الحبرورقية"، وللمؤسسات الحقوقية ورش العمل والحلقات النقاشية، ولرجال الدين الخطب العصماء والمواعظ الدينية، ولكل بيت وكل أسرة وجع القلب مع البنات و"المهاتية"، وللكتاب اللى زى حالتنا تسويد الصفحات والنفخ فى القربة المقطوعة!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة