قبل ساعات قليلة من بدء الجولة القضائية الثانية فى قضية العبارة السلام 98، تحدث د. محمد عبد الحليم أشهر المدعين بالحق المدنى إلى اليوم السابع عن ملابسات القضية، وحكم البراءة الأخير الذى أعقبه قرار النائب العام بالاستئناف، لتعود القضية من جديد إلى قاعات المحاكم.
حديث د. محمد الذى فقد زوجته وأبناءه الثلاثة فى الحادث، تتطرق لكافة جوانب القضية، بعد أن أصبح ملماً بكل أطرافها وتفاصيلها لأنها أصبحت شغله الشاغل بعد فقده أسرته بالكامل، وتوقفه عن العمل انتظارا لحكم المحكمة الذى جاء مخيبا لآماله فى المرة الأولى قبل الاستئناف الأخير الذى ينتظره بفارغ الصبر، ورغم التشاؤم الواضح فى كلامه حول الجولة الجديدة فى القضية، إلا أن حماسه للحصول على "حق زوجته وأولاده" يبدو أكبر من أى يأس، خاصة وأنه رفض الحصول على أى تعويض من الشركة المالكة للعبارة بأى حال..
غصة حلقه كلما تذكر حكم البراءة الأول.. ودموعه الحبيسة بمقلتيه عند تذكر أبنائه.. ولحظات انفعاله عند تذكر تفاصيل الحادث هى المرات القليلة التى توقف فيها الحوار الذى تقرأه فى السطور التالية:
لماذا رفضت الحصول على مبلغ التعويض عن زوجتك وأبنائك؟
ماذا أفعل بأموال التعويض، هى لن تعوضنى عن أبنائى وزوجتى، كما أن قصة التعويض بدت لى مريبة من البداية، خاصة وأن محامى ممدوح إسماعيل طلبوا من أهالى الضحايا الذين صرفوا التعويضات التوقيع على تنازلات عن حقهم المدنى فى القضية، وهو ما أرفضه بالطبع، فأموال الدنيا لن تعوض مرارة فقدى أعز وأقرب أحبائى.
هل هناك من رفض مبلغ التعويض غيرك؟
واحدة فقط رفضت تلقى مبلغ التعويض هى أم محمد مجدى أحد العاملين بالعبارة، حيث شاهدت ولدها على شاشة التلفزيون بعد الحادث فى مستشفى الغردقة العام، قبل أن يخبروها بعد ذلك بوفاته، فرفضت مبلغ التعويض، ورفضت شهادة الوفاة، ورفضت أى شئ من الجهات الحكومية أو الشركة.
هل يسقط التعويض حقك فى الادعاء بالحق المدنى؟
لا.. لا يسقطها، ولكن ما حدث فى البداية هو قيام محامى ممدوح إسماعيل بربط الحصول على التعويضات بالتوقيع على تنازل عن الادعاء بالحق المدنى، إلا أن هذا الإجراء غير قانونى ولا قيمة لهذه التنازلات. لكن ما حدث من البداية هو محاولة إرضاء أهالى الضحايا ليكتفوا بالتعويضات، ولتنتهى القضية فى النهاية كحادث عادى دون تحميل المسئولية لأى شخص أو جهة.
إذن أنت تريد تحميل المسئول عن الحادث المسئولية الكاملة عنه؟
لو قلت لى فى وضعى هذا ماذا تتمنى، سأقول لك دون تردد أتمنى أن يجمعنى الله بأولادى فى الجنة.. وفقد أولادى لن يعوضنى عنه شئ، واتهام برئ أو تحميله مسئولية الحادث ليس هدفى بالتأكيد، ما أريده تحديداً هو القصاص العادل من كل من كان مسئولا عن دماء أبنائى وباقى ضحايا العبارة. وأتمنى من الله أن يحسب هذا الموقف لى عنده، وأن يضاف لميزان حسناتى. فالوقوف فى وجه الفساد جهاد فى سبيل الله وأنا اخترت أن أتصدى للمتسبب فى الحادث لينال الجزاء الذى يستحقه.
تقصد ممدوح إسماعيل صاحب شركة السلام مالكة العبارة؟
ممدوح إسماعيل مدان بالطبع، وهو المتسبب الأول والرئيسى عن الحادث ولكنه ليس الوحيد، فهناك جهات أخرى تشاركه المسئولية مثل هيئة موانى البحر الأحمر، والهيئة المصرية للسلامة البحرية، والشركة الوطنية للملاحة الجوية. فاستطاع ممدوح إسماعيل بسلطته ونفوذه تشغيل سفينة "خردة" - لصالح أشخاص مجهولين - لتغرق بالبشر فى عرض البحر، وتسبب إهمال واستهانة الجهات التى ذكرتها فى موت عدد كبير من الضحايا كان يمكن إنقاذهم لو قامت هذه الجهات بعملها فقط دون زيادة.
هل تقصد أن ممدوح إسماعيل ليس المالك الحقيقى للعبارة؟
بالتأكيد ليس هو، ممدوح إسماعيل مجرد وكيل ملاحى يقوم بتشغيل العبارة عن طريق شركته، وحتى الآن لم يتوصل أحد إلى اسم المالك الحقيقى، رغم أنى طلبت ذلك خلال جلسات المحاكمة، بل إنى فى إحدى الجلسات طلبت أن أسأل أحد قيادات شركة السلام أثناء شهادته، فقال لى القاضى "اسأله أى سؤال.. بس أوعى تسأله عن مالك السفينة"، فقلت له "يبقى ملاك السفينة فى رقبتك أنت".
ولماذا يخفى ممدوح إسماعيل أسماء الملاك الحقيقيين للعبارة ويحمل وحده القضية؟
لأن أصحاب العبارة أصحاب سلطة ونفوذ.
ممدوح إسماعيل أيضا كان يملك السلطة والنفوذ، فلماذا يعمل كغطاء للغير؟
هو صاحب سلطة ونفوذ لأنه صاحب هؤلاء، فمنهم استمد سلطته ونفوذه، وهم تولوا حمايته حتى استطاع الهروب من مصر دون رفع الحصانة البرلمانية عنه، أو إدراج اسمه على قوائم الممنوعين من السفر.
هل تعرضت لأى مساومات للتخلى عن موقفك؟
يبتسم بمرارة ويقول: عرضوا على مبالغ ضخمة جدا، أضخم مما تتصور، وطلبوا الجلوس معى للتفاوض ولكنى رفضت. فوصل الأمر إلى حد التهديد، ولكنى أصررت على موقفى فلن أخاف منهم، لأنهم ببساطة "مش هيقدروا يعملوا فيا أكتر من اللى أنا فيه دلوقتى".
كيف ترى القضية بعد الاستئناف؟
لن يختلف الوضع كثيرا، وقرار النائب العام باستئناف الحكم كان لامتصاص غضب الشارع فقط، بالعكس أرى أن جلسات الاستئناف ستكون أسوأ من جلسات المحاكمة الأولى، خاصة وأن هناك اتجاها قويا لحرمان المدعين بالحق المدنى من حضور جلسات الاستئناف. لتنحصر القضية وقتها بين النيابة والمحكمة.
لماذا أشعر بعدم ثقتك فى النيابة رغم كونها جهة الادعاء؟
طبيعى أن أتشاءم لترك الأمر بين يدى النيابة فى حالة استبعاد المدعين بالحق الجنائى، فأنا اعتبرها خصم لنا إلى حد ما. فهى المتسببة من البداية فى "هلهلة" القضية بهذا الشكل، بدءا بقرار الإحالة الذى جاء أضعف من القضية التى صنفت فى النهاية كجنحة بدلا من كونها جناية، بالإضافة لأن نقض الحكم فى الاستئناف يتطلب إجماع القضاة الثلاثة، وهو أمر صعب الحدوث لإنى استبعد ان يقول القضاة الثلاثة أن "الحكم باطل". ولو كان النائب العام يريد السير بالقضية قدما لكان عدل توصيف القضية من جنحة إلى جناية.
إذن ماذا ستفعل حال صدور حكم مماثل للحكم الأول فى القضية؟
الاتجاه الآن يسير نحو المحاكم الدولية، خاصة وأن هناك اتجاها قويا لمنعنا من حضور الجلسات لم يحسم حتى الآن. وفى هذه الحالة سنلجأ لمقاضاة المتهمين أمام المحاكم الدولية.
هل هذا اتجاهك وحدك أم أنه اتجاه جماعى من المدعين بالحق المدنى؟
هو اتجاه جماعى، وهناك شبه اتفاق عليه، فما دام القضاء المصرى عاجزا عن إصدار حكم عادل فى القضية بسبب إجراءات قصدت بها النيابة تكييف القضية كإهمال وتراخٍ فى الإنقاذ، سنرفع نحن القضية أمام محاكم تستطيع إنصافنا والقصاص لموتانا.
وهل بدأت بالفعل الترتيبات لهذه الدعاوى؟
هناك بعض الاتصالات للبدء فى إجراءات التقاضى بمجرد صدور الحكم فى الاستئناف، إذا جاء مخيبا لآمالنا، فلو لم نأخذ حقنا فى بلدنا لن نلام لو طلبناه أمام جهات دولية بعدها.
هل هذه الاتصالات مع أشخاص أم مؤسسات؟
كلاهما، فهناك اتصالات مع منظمات حقوقية دولية تريد تبنى القضية وتدويلها، وهناك أيضا اتصالات تلقيناها من رجال أعمال مصريين بالخارج يعرضون فيها المساعدة بكل الطرق. وهو كما أكدت الخيار الأخير إن لم ينصفنا القضاء المصرى.
موضوعات متعلقة..
◄ المحكمة تطالب بإحضار اتصالات ممدوح إسماعيل بابنه
◄ أهالى ضحايا العبارة ينوون اختصام عبد الواحد
◄ الاستماع لفريق الدفاع عن ضحايا "السلام 98"
اعتبر النيابة خصماً.. وجدد رفضه التعويضات
أشهر ضحايا "السلام": لن نتردد فى تدويل القضية
الثلاثاء، 07 أكتوبر 2008 10:24 م