يأتى أكتوبر ليعيد إلى ذكريات هذا اليوم، الذى هو إجازة رسمية، فيصبح موعدا مناسبا جدا للعب فى الشارع فى فترة بعد الظهر أنا وأبناء المنطقة، كانت لعبة أكتوبر دائما ما تأتى مستوحاة من مشاهد الأفلام التى تعرض فى التليفزيون طوال اليوم، يحمل كل منا ما يملك من ألعاب، من مدفع رشاش بلاستيكى أو مسدس مياه أو حتى قطعة من الخشب، كل ما يشبه الأسلحة هو أدوات اللعبة، كنا نقضى وقتا طويلا فى جدل حول تقسيم أنفسنا فريقين: الأول مصرى والثانى إسرائيلى، غالباً ما كان أحد منا يريد أن يلعب دور الإسرائيلى.
وتنتهى القسمة إلى أغلبية من فريق المصريين وأقلية من فريق الإسرائيليين، مع آلاف الوعود بتبديل الأدوار فيما بيننا بعد فترة بسيطة من بداية اللعبة، فأبناء العاشرة بفطرتهم البسيطة يرون أو يريدون أن يروا أنهم فى الفريق الوطنى، وأن يكونوا مثل أولئك الذين انتصروا فى مثل هذا اليوم العظيم، تمثيل مشاهد الاستشهاد فى سبيل الوطن كانت متروكة لخيال كل واحد منا، ولأننا نريد أن نستمر فى اللعب/ الانتصار كنا نسمح لفريق المصريين أن يعود للحياة مرة أخرى، بعد تمثيله لمشهد الاستشهاد هذه الميزة، لم نكن نسمح بها لفريق الإسرائيليين، آلاف الوعود التى قطعناها لم تنفذ أبدا بالطبع، فمن منا سيبدل موقعه، من أجل تحقيق النزاهة والعدالة فى اللعبة، لينضم لفريق الإسرائيليين.
وبالتالى ومع مرور الوقت يبدأ لاعبو الفريق الإسرائيلى فى إعلان تغيير ولائهم، كانت تكفينا كلمة واحدة "أنا معاكم" وأول صوت طلقة أو فرقعة من لعبته فى اتجاه الفريق الآخر لنعلنه واحدا من فريقنا "غالبا مكان يصدر هذا الصوت من خلال الفم"، كان الفريق الإسرائيلى ينتهى بتسربه واحدا تلو الآخر وانضمامه لفريق المنتصرين دائما فريق المصريين، لنعلن جميعا هذا الانتصار، كنا نزور جدى لأمى فى اليوم نفسه، ليحكى لنا قصصه فى حروب ستة وخمسين وسبعة وستين وانتصار أكتوبر المجيد لم يكن جدى جنرالا كبيرا فى الجيش، كان مجرد جندى، لكن إحساسه بالفخر والإنجاز لصالح بلاده تستطيع أن تميزه بسهولة فى نبرات صوته، كما تراه فى لمعة عينيه، كان يذكر أثناء سرده للقصة أسماء زملائه الشهداء ويترحم عليهم بعد عدة ترحمات يتوقف قليلا، ليقرأ الفاتحة بصوت منخفض، فى إحدى المرات فاجئته بسؤال بديهى لطفل دون العاشرة، عن جواز قراءة الفاتحة على روح زميله "رومانى"، فرد بلا تردد أن الفاتحة تجوز على كل الأديان خاصة شهداء الوطن، بعد عدد كبير من السنين من ممارسة هذه اللعبة أجدنى أنا وجيلى نحاول جاهدين الخروج من احتكار جيل أكتوبر لنا ولبلادنا ولمن أتى بعدنا من أجيال، فحقيقة، أنه جيل استطاع أن يحقق النصر والسلام معا هى حقيقة لا ينكرها أحد، لكن لا يمكن أن تصبح هى الحقيقة الوحيدة التى تحكمنا، وتحكم مصيرنا ومصير بلادنا للأبد، فأكتوبر تلك مضت منذ ثلاثين سنة، هذه السنون جعلت من أبناء أكتوبر اليوم بلا أى أحساس بالانتصار، الانتصار بعد ثلاثين سنة لم يعد على جبهة القتال، الانتصار أصبح فى عصر السلام يتولد بالقدرة على الإنجاز والإحساس بالتطور والعمل والكسب، الكرامة لم تعد فى رفع العلم على طابا، الكرامة اليوم هى أن أدخل لقسم الشرطة ولا يوجد فى عقلى هواجس من أنى سوف أخرج منه على المستشفى، كما حدث للمواطن خليل إبراهيم فى قسم سيدى جابر.
الحماية ليست فقط لحدودنا الخارجية، الحماية اليوم هى أن أكون متأكداً، أن القانون سينفذ على كل المصريين على قدم المساواة، دون تفريق بين ابن بواب وابن مسئول، القيادة لم تعد فى الإعداد والتخطيط، القيادة اليوم هى محاربة الفساد وإعداد جيل واع وقادر من خلال نظام تعليم متطور، القيادة اليوم هى تقديم خدمات صحية جيدة لكل المصريين، وتحقيق ديمقراطية حقيقة تسمح لأجيال جديدة أن تتولى القيادة ديمقراطية تستوعب الجميع وتعطى مجالا للجميع، ترى إذا جاءتنا الفرصة مرة أخرى لنلعب لعبة أكتوبر، هل سنستمتع بها أصلا؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة