أخيراً فتحت مصر ذراعيها للعراق، بعد تصرح وزير الخارجية أحمد أبو الغيط، فتح السفارة المصرية ببغداد من جديد, بعد إغلاقها عقب اختطاف واغتيال السفير إيهاب الشريف فى يوليو 2005, وما تبعها من تحفظ واضح من قبل الخارجية المصرية بشأن العراق.
نورى المالكى رئيس الحكومة العراقية، أكد عقب لقائه أبو الغيط بمقر الحكومة العراقية بالمنطقة الخضراء، أن العراق يرحب بعودة الدبلوماسية المصرية.
أطلع المالكى، أبو الغيط على أكثر من مبنى يمكن أن يصلح مقراً للسفارة المصرية بالمنطقة الخضراء، وهو العرض الذى رفضه سابقاً وفد مصرى زار العراق فى أغسطس الماضى، وطالب بتوضيح نقطتين قبل اختيار مقر السفارة المصرية، أولاهما معرفة مسار التحقيق فى مقتل الشهيد إيهاب الشريف الذى قيل إن جهات حزبية عراقية حكومية خططت بالتعاون مع أجنحة تابعة لإيران لاختطافه وقتله، حتى تبعد مصر والدول العربية عن العراق، وهو ما نجحت فيه خلال السنوات الثلاث الماضية، غير أن العرب انتبهوا أخيراً للدور الإيرانى المشبوه، وها هم اليوم يحاولون العودة بثقل أكبر، رغم المخاوف الأمنية على البعثات العربية، التى لا تخفف منها التطمينات العراقية الكثيرة التى قدمت لأبو الغيط وقبله لوفد الخارجية المصرية.
النقطة الثانية التى طلب الوفد المصرى استيضاحها من الجانب العراقى، وطلب أبو الغيط بدوره إجابات شافية عنها، تتعلق بمدى إمكانية أن تلعب مصر دوراً فعالاً فى إعادة ترتيب البيت العراقى خصوصاً مع الرجاء الأمريكى فى أن يشترك العرب فى إنقاذ جنود أمريكا بالعراق من جهة, ومن جهة أخرى تخفيف عبء التدخل الإيرانى بالعراق والذى يشكل أم المخاطر على المصالح الأمريكية.
مصر حاولت خلال السنوات الماضية أن تحافظ على علاقات طيبة بكل الفصائل العراقية حتى الفصائل التى تدعى أنها فصائل مقاومة.
مصالح متبادلة:
مصر تريد الخروج من أزماتها الاقتصادية المتمثلة فى نسبة البطالة المرتفعة، وكذلك ارتفاع نسبة التضخم التى تعانيها البلاد، والتى تعكس وجود طاقات معطلة يمكن للسوق العراقية المتعطشة أن تستوعبها، لكن سيناريو ثمانينيات القرن الماضى لن يعود, فالعراق لن يستوعب الملايين من المصريين، لأن السوق العراقية هى الأخرى تعانى من بطالة، لكن بمقدور تلك الأسواق أن تستوعب الطاقات الفنية الكبيرة التى تملكها مصر فى قطاعى الصناعة والبترول، وربما كان ذلك سبب وجود المهندس سامح فهمى مع أبو الغيط.
نقطة أخرى تضعها مصر فى الحسبان، تتعلق بزيادة حجم الاستثمارات المصرية التى تلاشت بعد انسحاب أوراسكوم تليكوم من السوق العراقى بعد إنشاء شبكة "عراقنا" للهاتف النقال، والسوق العراقية مستعدة لدخول مستثمرين مصريين لعدة أسباب منها ما هو نفسى، على أساس أن هذه الشركات تابعة لدولة عربية ليست ذات أطماع بالعراق، وأخرى استثمارية بحتة لأن الشركات المصرية قادرة على بناء زخم نفسى طيب فى سوق متوقفة عن الإعمار منذ قرابة عقدين من الزمن، إضافة إلى قدرة هذه الشركات على إعادة تشغيل قطاعات كبيرة متوقفة منها قطاع النفط والكهرباء الذى يسعى العراق للدخول كطرف فى الشبكة العربية للطاقة الكهربائية التى تضم مصر والأردن ولبنان وسوريا، بالإضافة إلى الأراضى العربية المحتلة، بالإضافة إلى شبكة الغاز، وبالتالى فالعراق قادر على تعويض مصر ببيعها النفط بأسعار مخفضة جداً كما هو الحال مع الأردن "النفط العراقى يباع للأردن بسعر تفضيلى أقل بنسبة 20 % عن السعر العالمى" إذن هى المصلحة المتبادلة.
لحم الغزال ... هل يملك قوة الإقناع؟
الرئيس العراقى طالبانى سيعرض على أبو الغيط، لحم الغزال الذى عرف بأنه ضيف موائد الطالبانى عندما يلتقى مسئولين فى مصيف "دوكان" الواقع شمال شرق السليمانية، حيث مقر إقامة طالبانى الصيفى وبالتأكيد ستكون أكلة "المقلوبة" بالطريقة العراقية على المائدة، ولأن المقلوبة تعنى الكثير من التفاصيل، فإن أبرز ما سيعرضه طالبانى على أبو الغيط، سيكون خطة استثمارية فى شمال العراق وطبعاً سيكون مهندس هذه الخطة والعقل المدبر لها الدكتور برهم صالح نائب رئيس الوزراء العراقى، فبرهم صالح يملك عقلية اقتصادية كبيرة كما يملك قدرة إقناع كبيرة وله علاقات طيبة بالعديد من الشخصيات السياسية والاقتصادية المصرية، من جانبه سيحاول أبو الغيط أن يرفع سقف طلبات مصر اقتصادياً وسياسياً، وهو أمر ليس ببعيد عن التركيبة السياسية المصرية التى تسعى للخروج من نفق الأزمات الاقتصادية الكبيرة التى تعيشها البلاد.
شوط إضافى ... وهدف ذهبى:
مصر كانت ولم تزل حلماً يراود قادة الثورات العربية عند كل انقلاب وإذا ما قالت مصر قالت العرب، لذا فإن زيارة أبو الغيط ولقائه المالكى والطالبانى، تعنى أن العرب نفضوا الغبار عن بوابة بغداد، ليدخلوها من جديد رغم أن دماء الكثير منهم لازالت مجهولة المصير وتحتاج إلى شوط إضافى من البحث والجدل والتروى فى خطوة التحرك نحو بغداد الرشيد، وربما يكون الطريق مفروشاً بالورد، لكن الشوك يجانب أغصان الزيتون.
من ناحية أخرى قال عاصم جهاد المتحدث باسم وزارة النفط العراقية فى حديث لليوم السابع عبر الهاتف من بغداد، إن الجانب العراقى اتفق مع الجانب المصرى على إعادة تشغيل خط أنابيب الغاز فى "محطة بيجى" شمال بغداد بكوادر عمل مصرية، كما أن الجانبين اتفقا على مشروع شركات مصرية فى بناء 20 محطة تزود بالوقود لسد النقص الحاصل فى عدد محطات البنزين الموجودة بالعراق، كما تم الاتفاق على إرسال وفد عراقى نفطى لزيارة عدد من مصافى البترول المصرية، للاطلاع على مجريات العمل وإقامة دورات تدريبية للكوادر العراقية فى مصر.
نتائج الزيارة المصرية للعراق .. الاقتصاد أولاً
الأحد، 05 أكتوبر 2008 08:19 م
الزيارة المصرية للعراق ..عودة السياسة من باب الاقتصاد
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة