مستقبل المشروع النووى المصرى .. بين الإرادة السياسية والتحديات الراهنة

الأحد، 05 أكتوبر 2008 11:37 ص
مستقبل المشروع النووى المصرى .. بين الإرادة السياسية والتحديات الراهنة آراء متضاربة حول المشروع النووى المصرى
كتب أحمد عليبه

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يتردد فى مصر بقوة فى الوقت الراهن، أن ما طرح قبل أربع سنوات حول المشروع النووى المصرى فقد كل مصداقية، وأن تجدده كل عام لا يزيد على كونه مجرد حديث لا يرقى إلى مستوى التنفيذ، وأن مستقبل المشروع النووى المصرى أصبح مجرد جملة اعتراضية دعائية أطلقت فى أحد مؤتمرات الحزب الوطنى عام 2004، وأثناء الانتخابات الرئاسية، ساعد على ذلك حالة الجدل حول الأرض المزمع إقامة المشروع عليها فى منطقة الضبعة الساحلية بمطروح. ولكن بعيداً عما يتردد من تكهنات وأقوال مرسلة حول المشروع النووى المصرى، فمن المؤكد أن ثمة تصورات أخرى يجب الحديث عنها، فيما يتعلق بمستقبل المشروع.

مطلب رئيسى وضرورة مستقبلية
فيما يتعلق بالضرورة الاستراتيجية، هناك مجموعة من العوامل الاستراتيجية والسياسية تفاعلت بشكل متسارع فى المنطقة فى الآونة الأخيرة، أهمها المخاوف من حدوث خلل فى التوازن النووى فى المنطقة على التحرك الإيرانى المشكوك فيه، ويرى د. محمد عبد السلام الخبير فى الشئون النووية، أن إسرائيل لم تشكل حتى الآن أى نوع من الهواجس، فقد خاضت الكثير من الحروب فى المنطقة دون استخدم هذا السلاح، وأصبح من المهم الحديث عن قوى ردع نووية عربية، لكن مصر خارج هذا الإطار تماماً، لأنها أعلنت منذ اللحظة الأولى أن مشروعها هو مشروع سلمى، وكانت من قبل سباقة فى التوقيع على اتفاقية حظر الانتشار النووى فى المنطقة، ودأبت على التأكيد على رؤيتها فى نزع أسلحة الدمار الشامل من المنطقة لإيجاد منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، الأمر الذى أدى إلى الخلط بين التوقيع على الاتفاقية، وموقف مصر عند الإعلان عن إعادة إحياء المشروع النووى المصرى، لكن فك هذا الاشتباك انتهى مع زيارة الرئيس مبارك الأخيرة إلى روسيا لتوقيع مذكرة تفاهم فى مجال التعاون المشترك للاستخدام السلمى للطاقة النووية، وتوافق كل التقارير الدولية من بينها تقارير الوكالة نفسها على هذا التصور.

من جانبه يرى د. قدرى سعيد رئيس وحدة الدراسات العسكرية فى مركز الأهرام للدراسات السياسية، أن المخاوف من المشروع الإيرانى مازالت قائمة، وهناك شكوك كثيره حول النوايا المعقودة عليه، وهذا الشك متوقع بالنسبة لمصر فور أن تشرع فى تفعيل مشروعها النووى وتنفيذه، على الرغم من أنها تندرج تحت إطار الدول حسنة السمعة، وهذه الجزئية هى أولى التحديات التى تواجه المشروع، وهناك مبررات لذلك فبمجرد إحلال التكنولوجيا يكون من السهل تحويل التقنية الموجودة إلى تقنية عسكرية، فالمساحة ضيقة بين الشكلين السلمى والعسكرى، وهو ما يدفع لهذه المخاوف.

ويؤكد د.عبد السلام، أن التصور المصرى المطروح للمشروع يستبعد تماماً الخيار العسكرى، وهناك الكثير من القرائن الدالة على ذلك، فقد سبق ورفضت مصر الكثير من العروض فى هذا السياق، كان آخرها قبل تفكك الاتحاد السوفييتى عندما تلقت عرضاً من إحدى دول الكومنولث، للحصول على سلاح نووى، وقامت مصر بإغلاق مشروع الضبعة النووى، بعد حادث تشير نوبل، ثم سمحت للوكالة الدولية بإعداد تقارير حول مزاعم أثيرت حول وجود مشروع نووى سرى لمصر، ووجود علاقات مع العالم النووى الباكستانى عبد القدير خان عندما أثيرت قضية السوق النووية السوداء فى الدول العربية خاصة لبنان وسوريا، لكن سماح مصر بالتعاون مع الوكالة الدولية نفى وقتها هذه المزاعم، التى أثيرت فى الصحافة الأجنبية وبعض التقارير الدولية غير الرسمية والحملات ضد مصر فى الخارج.

وبالنسبة للضرورة الاقتصادية، فالمشروع المصرى هو مشروع كهرونووى الهدف الرئيسى منه هو تحلية مياه البحر، والاستفادة منه فى مجالات البحث العلمى المختلفة، ورغم أن المشروع مكلف للغاية، إلا أنه يضمن توفير طاقات بديلة ونظيفة وعلية من حيث معامل الأمان، هكذا يقول د. سيعد، ويضيف: ربما تكون التكلفة الاقتصادية ضمن العوامل التى ستجعل المشروع يستغرق بعض الوقت فى تنفيذه، لكن جدواه ستتجاوز الحاجة إلى طاقات تتعرض للنضوب، خاصة البترول فمن المعروف أن هناك حدا زمنيا لهذه الطاقة فى الدول العربية ومصر ليست غنية بترولياً بالقدر الكافى، ومن ثم فهناك ضرورة اقتصادية ملحة فى هذا الصدد.

إمكانات متوفرة ومخاوف مطروحة
الخبرات البشرية العلمية والمواد الخام المطلوبة للمشروع يتوافر قدر لا باس به منها فى مصر، وحتى المناطق التى يمكن إنشاء المشروع عليها بعيداً عما أثير حول أرض الضبعة، هكذا يقول د. عبد السلام، مضيفاً : فالتقديرات الأمريكية تشير إلى أن مصر تمتلك قدرة نووية مدنية لا تشكل مخاوف للعالم، ويمكن السماح بها، فلديها مفاعل أبحاث نووى (سوفيتى) بطاقة 2 ميجاوات، ولديها مفاعل أبحاث آخر بطاقة 22 ميجاوات فى مركز أنشاص النووى، كما أنها تدير مجموعة من المرافق النووية الأخرى، منها معمل الخلايا الحارة، والمعمل الإلكترونى الصناعى.

يتفق د. قدرى سعيد مع رؤية د. عبد السلام ، مشيراً إلى أن مصر لديها خبرات قديمة فى هذا المجال تعود إلى فترة الخمسينيات، وهى أقدم الدول العربية فى هذا الإطار، مضيفاً: من الناحية المؤسسية توجد بنية مصرية مقارنةً بالكثير من الدول خاصة الدول العربية، فمصر أكثر تقدماً فى الخبرة والإمكانات والعقول واطلاعا على السوق وعلاقات بالمؤسسات الدولية، ومصر تتحول إلى نقطة متقدمة فى هذا المجال، ولكن من المؤكد أنها ستحتاج إلى ما هو أكثر مما لديها، والأمر يحتاج إلى إرادة سياسية لإكمال المسيرة دون تعطيل.

فى المقابل هناك عدد من الخبراء والمراقبين يرون، أن المشروع يعد قضية أمن قومى، ومن الأفضل التكتم عليه، وأن هناك العديد من الإنجازات التى تجرى، وليس من المهم الإفصاح عنها، حتى ولو تعلق الأمر بمشروع سلمى.

غير أن د. سعيد خالف هذا التصور وقال، إن المشروع النووى المصرى جاد وجار تنفيذه، مضيفاًُ: ما تم اتخاذه من إجراءات رسمية بشأن المشروع النووى هى الإجراءات الطبيعية، من حيث الإعلان الرسمى، ثم الموافقة عليه من البرلمان، ثم التوجه نحو تقبل العروض، وهو الأمر الذى يجرى تنفيذه فى الوقت الراهن، ولكن لا يتم الإفصاح عن هذه الخطوات، لأنها فى الغالب تحتاج لوقت طويل، ليس من باب السرية، ولكنها الإجراءات المعتادة فى مثل هذه المشروعات.

ويؤكد د. قدرى سعيد، أن المشروع قائم ورهن التنفيذ، ومن المستقر عليه أنه خلال السنوات المقبلة لا شك، ستظهر الكثير من الدلالات على مدى هذه الجدية، ومن الواضح أن الشائعات التى تدور حول توقف المشروع لا حقيقة لها، وهناك مؤشرات كثيرة للتأكيد على هذا الطرح، ولكن المشكلة أن توظيف الموضوع سياسياً وإعلامياً، هو الذى يجعل من هذه القضايا عرضة للشك والريبة، فأحياناً تصعد وتظهر على السطح مع أية خطوة جديدة، ثم ما تلبث أن تتوارى وهكذا، لكن الواضح أن ما تم من خطوات لا يمكن الرجوع فيه إلى الوراء، ويتوقع د.سعيد أن السنوات العشر المقبلة ستشهد ظهور المشروع النووى المصرى.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة