انخفضت عالمياً "فقط" أسعار السلع والمنتجات الغذائية، بنسب تراوحت ما بين 25% إلى 40% على مدى الشهرين الماضيين, وبالطبع جميع سكان المعمورة شعروا بهذا الانخفاض أو على الأقل التحسن فى الأسعار-ما عدا سكان مصر- ولم تسجل سلعة واحدة فى مصر انخفاضاً, خاصة بعد سلسلة الارتفاعات المتصاعدة والمكثفة منذ يناير الماضى, الأمر الذى أدى إلى ارتفاع معدل التضخم لمستوى لم يصل إليه من قبل فى مصر, وسجل 25.7% خلال النصف الأول من العام الحالى.
وعلى مدى الأيام الماضية، عقد وزير التجارة والصناعة رشيد محمد رشيد عدة اجتماعات مكثفة مع التجار والمستوردين لإقناعهم بضرورة خفض أسعار السلع, حتى يشعر المواطن المصرى مثله مثل باقى شعوب العالم بالانخفاض الذى طرأ على أسعار الحبوب والمنتجات الغذائية والزراعية لكن دون جدوى, كانت حججهم أن هناك مخزوناً من السلع التى تم شراؤها بالسعر القديم ولم يتم تصريفها بعد, وبمجرد التخلص منها، سيتم خفض الأسعار وتطبيق أسعار جديدة.
هل من الممكن أن يتم تصديق مثل هذا الكلام فى بلد به حكومة قوية أو حتى نصف قوية وتسيطر على الأسواق, أم أن الواقع أن الحكومة فقدت السيطرة على كافة الأمور وانفلت عقد التجار وتوحشوا, لدرجة أن الحكومة أصبحت تتوسل إليهم لخفض الأسعار ومراعاة المواطن الفقير الذى طحنته الظروف العالمية والمحلية، بالإضافة إلى جشع التجار.
ومن الواضح أن مصر أصبحت بالفعل تتأثر بما يحدث عالمياً فى أسعار السلع والمنتجات الزراعية، إلا أن هذا التأثر يسير فى اتجاة واحد فقط, هو الارتفاع، ولكن عندما تنخفض الأسعار تشعر وكأن مصر تعيش فى جزيرة منعزلة عن العالم, وتظل السلع عند نفس مستوياتها, ونفس الحال عندما يرتفع سعر الدولار, ترتفع معه جميع أسعار السلع المستوردة وعندما ينخفض سعر الدولار كأن شيئاً لم يكن.
وهذا الأمر ليس له تفسير سوى أن كبار التجار والمستوردين الذين يتحكمون فى السوق وعددهم مثل عدد أصابع اليد الواحدة أصبحوا يخالفون القواعد التجارية العالمية وقواعد السوق الحر المفتوح بل وقواعد اللعبة التجارية بصفة عامة، ولا ينطبق عليهم سوى لقب المحتكرين. وجميع الأسواق العالمية قبل تطبيق سياسة السوق الحر تضع قواعد صارمة ضد الاحتكار والمحتكرين, ما عدا فى مصر فالاحتكار أصبح سمة مميزة فى كافة السلع الغذائية وغيرها, وأصبح المحتكرون هم المسيطرين على كافة نواحى الحياة ومصير المواطن المغلوب على أمره بين أيديهم, ولم يعد هناك رادع يوقفهم, بل توحشوا لدرجة فقدان السيطرة تماماً عليهم, فى الوقت الذى ماتت فيه ضمائرهم تحت أكوام البنكنوت التى تدخل خزائنهم, واستغلالهم أى أزمة لصالحهم وتحقيق أقصى منفعة ممكنة.
على الرغم من إننى من أكثر المؤيدين لسياسة السوق الحر والاقتصاد الحر، الذى يكون فى النهاية لصالح المواطن والمستهلك, الذى يتنافس جميع المنتجين لإرضائه, إلا أن التشريعات والقواعد الموجودة تحتاج إلى تفعيل أكثر, وتحتاج إلى صرامة فى تنفيذ القوانين, والضرب بيد من حديد ضد أى عملية احتكار, وضد المحتكرين مهما كانت قوتهم, ومهما كان نفوذهم وسطوتهم.
نحتاج إلى حكومة قوية تستطيع أن تفرض سيطرتها, ولديها الأدوات التى تستخدمها فى أى وقت لضبط الأسواق, نحتاج إلى العدل فى التنفيذ, وأخيراً نحتاج إلى تجار لديهم ضمائر حية يشعرون بالمواطن المصرى الذى طحنته كافة الظروف الدولية والمحلية ولم تنصفه الحكومة التى من المفترض أنها تدافع عنه وتستعيد له جزءاً من حقوقه المسلوبة من بين أنياب جشع التجار.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة