أغفل المسلسل فى الحلقة 24، أن عبد الناصر سمح لإسرائيل بالمرور فى خليج العقبة، نظير انسحابهم من سيناء بعد حرب 1956م، ولم يعلن ذلك على الشعب، ولم يعرف الشعب ذلك إلا قبل هزيمة 1967م.
فى الحلقة 27 وهى التى غطت الفترة من 1959 حتى 1961، لم يشر المسلسل إلى اعتقال الشيوعيين وتم إغفال هجوم عبد الناصر، على الشيوعيين واتهامهم بالخيانة والعمالة فى خطبه خلال ديسمبر 1958، وكتب هيكل "على الشيوعيين أن يضعوا على أفواههم أقفالاً وإلا"، وما ترتب على ذلك من حملة اعتقالات موسعة لهم، بدءاً من يناير 1959. كما جاء فى نفس الحلقه أن هيكل أخبر عبد الناصر بخبر مقتل شهدى عطية الشافعى، بسبب ما تعرض له من تعذيب فى سجن أبو زعبل، وقال هيكل كما جاء بالمسلسل أن الدكتور عبد المنعم الشرقاوى شاهد تعذيب شهدى عطية وأن الدكتور الشرقاوى نفسه تعرض للتعذيب، والحقيقة عكس ذلك تماماً فعبد الناصر عرف خبر مقتل شهدى عطية الشافعى وهو خارج مصر، فعندما فاضت روح شهدى عطية فى يوم 15 يونيه 1960، كان عبد الناصر فى بريونى فى زياره لتيتو، ووقف الناس هناك دقيقة حداد على وفاة شهدى ورجع ناصر من هناك يجر أذيال الخيبة والفضيحة، فقد كان يخدع العالم الثالث كله ويوهمه بأنه بطل وطنى تقدمى ويتبادل الزيارات مع زعماء العالم التقدميين.
وكان فى وسع عبد الناصر الاكتفاء بحرمان أصحاب الرأى المخالف من حريتهم واعتقالهم فى سجون آدمية، ولكنه نكل بهم تنكيلاً كما لو كان الخلاف فى الرأى أشنع جريمة يمكن أن ترتكب فى حقه وسلط عليهم نفايات البشرية للانتقام منهم وتشويههم جسديا وروحيا، كما أن الدكتور الشرقاوى لم يشاهد شهدى ولم يعتقل معه أصلا – كما ذكر هيكل فى المسلسل – فشهدى تم اعتقاله عام 1959 وقتل فى يونيه عام 1960، أما الدكتور الشرقاوى – أخو الكاتب الكبير عبد الرحمن الشرقاوى – فقد اعتقل فى 14 يوليو 1966 بتهمة الاتصال بالإخوان الهاربين بالخارج، ولم يشر المؤلف فى الحلقة 28 التى تناولت الفترة من (1962-1965) إنشاء عبد الناصر لأكبر شبكة تجسس على المصريين- التنظيم الطليعى السرى- الذى وصل عدد جواسيسه، فى أقل تقدير، إلى 50 ألف جاسوس، وكانت كتابة التقارير السرية هى أهم نشاط أعضاء التنظيم الطليعى، فلائحة التنظيم نصت على ذلك صراحة فعلى العضو "أن يتقدم بالتقارير فى مختلف المسائل إلى المسمى الأعلى وإلى الهيئات الأعلى بما فيها اللجنة المركزية خلال مستويات التنظيم".
وكانت هناك ثلاث مجموعات كبيرة داخل التنظيم الطليعى، من أنشط كتاب التقارير، المجموعة الأولى وهم من الماركسيين الذين تم الإفراج عنهم فى أواخر عام 1964 وعلى رأسهم محمود أمين العالم. والمجموعة الثانية وهم ما عرفوا باسم القوميين العرب وكان يقودهم سمير حمزة. والمجموعة الثالثة هم الرواد الذين تم تكليفهم ببناء منظمة الشباب عام 1965، وانضموا بعد ذلك للتنظيم الطليعى وعلى رأسهم عبد الغفار شكر، والأخير كان على رأس وفود الشباب الذاهب للاتحاد السوفيتى وألمانيا الشرقية وقبرص لتدريبهم على التصدى للقوى المناوئة للثورة عموما، فهذه المهنة كانت تنفرد بها مصر الناصرية عن سائر بلدان العالم المتحضر، وهى فى مصر وسيلة للترقى، وهذا وضع عجيب حيث إن فى الدول المتحضرة يكون الترقى أحياناً بتجسس الشخص لبلاده وليس بتجسسه فى بلاده وعلى زملائه.
فالشاعر أمل دنقل يقول "أبانا الذى فى المباحث لك الجبروت ولمن تحرس الرهبوت"، ويقول الشاعر نزار قبانى مخاطبنا الحاكم "كلابك المفترسات مزقت ردائى.. ومخبروك دائما ورائى .. يكتبون عندهم أسماء أصدقائى ولأننى حاولت أن أكشف عن حزنى وعن بلائى .. أرغمنى جندك ان آكل من حذائى".
فالتنظيم الطليعى كان يشبه الجستابو، حيث فرض الخوف والقلق على الناس وأضاعوا الثقة بين الأب وابنه والرجل وزوجته والأخ وشقيقه والموظف ورئيسه، وأوجدوا أجواء متوترة كانت فى تقديرنا سبباً من أسباب النكسة.
ولم يوضح لنا المؤلف كيف تخلص عبد الناصر من زملائه أعضاء مجلس قيادة الثورة أو الضباط الأحرار فعند وفاة عبد الناصر عام 1970 لم يكن بجانبه إلا السادات وحسين الشافعى، فقد تخلص من يوسف صديق عام1953 وعبد المنعم أمين عام 1953 ومحمد نجيب عام 1954 وصلاح وجمال سالم عام 1956وكمال الدين حسين والبغدادى عام 1964 وحسن إبراهيم عام 1966 وعبد الحكيم عامر عام 1967 وزكريا محيى الدين عام 1968، وكان عبد الناصر قد استغلهم فى التخلص من نجيب حتى شربوا من نفس الكأس.
روى محمد نجيب فى كتابه "كلمتى للتاريخ" ص243 صورة من الندم المرير الذى خالج نفس جمال سالم فى أيامه الأخيرة، عندما التقى به محمد نجيب أثناء مرضه، وكان محمد نجيب لا يزال مقيماً فى معتقل المرج إذ قال "تمنيت فى وحدتى أن التقى بصلاح سالم ليصارحنى بما فى صدره وقلبه بعد أن انطفأت عنه الأضواء وانزوى فى الظل، ولكن القدر اختطف صلاح سالم ومات دون أن أراه، وذهبت لتعزية شقيقه جمال سالم الذى تم استبعاده أيضا، وفوجئ جمال سالم بحضورى فتساءل مندهشا: هل أنت الرئيس محمد نجيب؟ ثم استطرد قائلاً وأنا أعزيه: "هل تعزينى فى صلاح بعد كل الإساءات التى ألحقناها بك ؟" فقلت له: "الواجب أولا يا جمال"، فبكى وكان معى ضباط المخابرات الذين كانوا يحرسوننى ويخرجون معى إلى كل مكان أذهب إليه، وبعد ست سنوات كامله لا أغادر فيها منزل الاعتقال المهجور فى ضاحية المرج، وعندما سقط جمال سالم مريضاً ذهبت لزيارته وهو على فراش الموت مع الحراس أيضاً فأجهش بالبكاء وقال: "سامحنى يا نجيب فقد دفعنا الشيطان الرجيم ضدك"، وماذا أملك لهؤلاء الزملاء اليوم إلا السماح، ولكن القضية ليست هى أن أسامح أو لا أسامح، القضية هى أن يسامح التاريخ أو لا يسامح، ولحق جمال سالم بأخيه صلاح".
وفى الحلقة 30، والتى تناولت هزيمة 1967 تشوهت الأحداث تماماً على يد المؤلف ومساعده، وبالرجوع إلى الوثائق والمصادر يمكن رصد الأحداث، على النحو التالى:
فى يوم 17 مايو1967 أعلنت التعبئة العامة الكاملة للقوات المسلحة، وتم نقل قوات عسكرية مصرية ضخمة إلى سيناء لتحتل مواقع قوات الطوارئ الدولية بعد أن كان الفريق أول محمد فوزى قد بعث بخطاب إلى الجنرال ريكى قائد قوات الطوارئ الدولية يطلب منه أن تترك قواته مواقعها على خط الهدنة والاتجاه إلى غزة، كما أخطرت مصر الأمم المتحدة بطلبها سحب قوات الطوارئ الدولية المعسكرة على حدودها الشرقية مع إسرائيل، واجتمع محمد عوض القونى رئيس وفد مصر الدائم بالأمم المتحدة بـ"يو ثانت" سكرتير عام المتحدة، وأبلغه نص مذكره مصر، وفى يوم 18 مايو أعلن يوثانت الموافقة على سحب قوات الطوارئ الدولية من الحدود المصرية الإسرائيلية.
وفى يوم 19 مايو أعلنت إسرائيل أن انسحاب قوات الطوارئ الدولية، سيجعل القوات المصرية فى مركز تستطيع منه تهديد الملاحة الإسرائيلية عبر مضايق تيران عند مدخل خليج العقبة فى البحر الأحمر إلى ميناء غيلات الإسرائيلى.
وعرفت جماهير الأمة العربية فى ذلك اليوم، سراً كان خافياً عنها استطاع عبد الناصر أن يخفيه عنها 11 عاماً من بعد حرب السويس 1956 التى حول الهزيمة فينا إلى نصر، وكان هذا السر أن إسرائيل تمر ببواخرها فى المياه المصرية من مضايق التيران منذ حرب السويس عام 1956.
وفى يوم 20 مايو أخذت الأمور تتدهور بسرعة الأنباء كلها تشير إلى قرب حدوث الحرب. القادة المصريون يؤكدون أن إسرائيل ستسحق والمشير يتفقد قواته على الخطوط الأمامية، وعبد الناصر يبعث برسائل غالى قادة الدول الأفريقية، وفى يوم 21 مايو المشير عامر يصدر أمر بتعبئة الاحتياطى كله.
وشن عبد الناصر هجوماً شديداً على الملك فيصل ووصفه بالخيانة، وقال إنه لا يمانع فى تسليح إسرائيل، ولكنه بعد الهزيمة يقف أمام الملك كتلميذ خائب فى مؤتمر الخرطوم أغسطس1967.
وفى يوم 22 مايو أعلنها عبد الناصر صريحة للشعب، كشف بنفسه السر الذى أخفاه 11 عاماً عن سماحة للسفن الإسرائيلية، بالمرور فى مياه مصر الإقليمية، ألقى خطاباً فى الطيارين بأحد المراكز المتقدمة، وأعلن أن خليج العقبة يمثل المياه الإقليمية المصرية، ولا يمكن بأى حال من الأحوال أن نسمح للعلم الإسرائيلى أن يمر بخليج العقبة، وكان هذا العلم يمر طوال الـ 11 عاماً السابقة لخطابه ولم يشر إلى ذلك أبداً.
وقال إذا هددت إسرائيل بالحرب، فنحن نقول لهم نحن مستعدون للحرب، قواتنا المسلحة وشعبنا مستعدون للحرب، ولم ينس عبد الناصر غروره فى ذلك الخطاب فقال: "وقد تكون الحرب فرصة لتختبر إسرائيل قواتها معنا وليعرفوا أن كل ما كتبوه عن معركة 1956 كان تخريفاً وهجس فى هجس".
وكعادته دائما فقد انتهز الفرصة لمهاجمة الحلف الإسلامى، كان يرفض أن تكون هناك أى زعامة فى المنطقة غير زعامته، كان يصف كل محاولة لجمع شمل العرب والمسلمين عن غير طريقه، بأنها محاولة للرجعية والاستعمار، قال فى ذلك الخطاب عن الحلف الإسلامى ما نصه "إنه يتمثل أساسا فى السعودية والأردن وإيران، ويقولون إن هدفه تكتيل العرب المسلمين ضد إسرائيل، الحلف الإسلامى حلف مع الاستعمار والصهيونية والعالم العربى اليوم فى تعبئة ويستطيع أن يحاسب حلفاء الاستعمار وللصهيونية".
وفى يوم 23 مايو، بدأت أجهزة الإعلام تهلل لقرار عبد الناصر بإغلاق خليج العقبة أمام سفن إسرائيل، ولم تتناول صحيفة واحدة بالتعليق كيفية مرور هذه السفن من قبل ولمدة 11 عاماً، ولكن رجل الشارع كان يتحدث فى هذا الشأن بهمسات حتى لا يسمع صوته أحد من جواسيس عبد الناصر فى التنظيم الطليعى السرى، وظهرت الصحف فى يوم 24 مايو وفى صدر صفحاتها الأولى دوى هائل لقرار عبد الناصر.
وفى نفس اليوم لم ينس عبد الناصر أن يوجه أجهزة الإعلام والصحف إلى إبراز نبأ من تأليفه عنوانه "فيصل يطلب حماية عرشه"، وتفصيل النبأ أن الملك فيصل طلب رسمياً من الحكومة البريطانية، حماية عرشه بكل الوسائل، وأنه يعانى من انهيار عصبى عنيف، كان عبد الناصر لا يريد أن ينس هزيمته فى اليمن بسبب معاونة الملك فيصل للإمام البدرى، كان يصفه بالعمالة والخيانة محاولاً أن يحطم مركزه الكبير فى قلوب الملايين من المسلمين، وأثبت التاريخ أن الملك فيصل كان أكثر المساهمين فى نصرة العرب فى حرب أكتوبر عام 1973.
وفى نفس ذلك اليوم، يوم 24 مايو استقبل عبد الناصر "يوثانت" سكرتير عام الأمم المتحدة، وشرح عبد الناصر تطورات الموقف من وجهة نظره، بعد أن حشدت إسرائيل حوالى 13 لواء على سوريا فى جبهتين، وكانت حددت يوم 17 مايو للهجوم على سوريا، وحاول أوثانت إقناع عبد الناصر بأن إسرائيل لم تحشد أى قوات على الحدود إلا ما كان موجودا من قبل اشتعال الموقف والعالم كله يترقب نشوب الحرب فى أى لحظة وفى يوم الجمعة 26 مايو، أعلن عبد الناصر فى الخطاب له أمام قادة العمال العرب "إننا سندمر إسرائيل إذا بدأت بالعدوان".
وفى يوم 28 مايو عقد عبد الناصر مؤتمراً صحفياً مع مندوبى الصحف ووكالات الأنباء ونقل إلى الجماهير على الهواء بوضع مكبرات صوت فى جميع الميادين، وأجاب عبد الناصر فى هذا المؤتمر على 44 سؤالاً، وكانت إجاباته تعجب أبناء البلد المغررين بأساليب عبد الناصر، قال عبد الناصر فى هذا المؤتمر:
- لن أتزحزح ولن أقبل أى مساومة.
-نحن على استعداد كامل إذا تطورت الأمور إلى صراع شامل فى الشرق الأوسط.
-واجب الحكومات العربية أن توقف استخراج البترول، وإذا لم تفعل قامت الشعوب بواجبها.
-بريطانيا لم تتعظ بدرس 1956.
-أنا مش "خرع" زى إيدن بتاعكم ولسه ما حصلتش 50 سنة وصحتى كويسة، مات عب الناصر عام 1970 وعمرة 52 ومات مستر إيدن عام 1977 وعمره 80 عاما.
-قواتنا المسلحة قادرة على أن تقوم بواجبها بشرف وقوة وأمانة.
-سوف نلحق بالمعتدين أضراراً لا يتصورونها.
وتطورت الأمور بعد ذلك ونام الشعب العربى كله واستيقظ صباح 5 يونيه على بيانات وبلاغات، 17 بلاغاً، عبد الناصر الكاذبة، ثم اتضح الأمر على هزيمة ساحقة لم تعرفها مصر منذ مينا موحد القطرين.
يقول توفيق الحكيم فى كتابة عودة الوعى بعد استعراضه لهزيمتى 1956 واليمن "هل اكتفينا بحربين وهزيمتين؟ لا لابد من الثالثة وكانت حرب وهزيمة 1967 أى أنه فى مره نحو عشرة أعوام من سنة 1956 إلى سنة 1967 قد استهلكنا، أو على الأصح استهلكتنا ثلاثة حروب بثلاث هزائم، لا ندرى بالضبط كم كلفتنا من آلاف الأرواح ولا كم من آلاف الملايين من الجنيهات، التى لو انفقت على القرى المصرية لرفعتها إلى مستوى قرى أوروبا، ولكن قرانا المصرية بقيت على حالها المحزن التعس وفلاحنا المسكين بقى على جهله ومرضه وفقره وراحت آلاف الملايين التى جاءت من عرق مصر، لتذهب فى الوحل وفوقها هزيمة منكرة بل وفق الهزيمة المنكرة أكثر من خمس سنوات حتى اليوم ( يوليو 1972 ) تمر على مصر وهى راكدة بلا حرب ولا سلم تنفق على جيشها المعطل من الأموال ما يكفى، كما قال هيكل فى الأهرام 21 يوليه 1972، لبناء السد العالى مرتين أو سدين عاليين كل عام نبنيهما ثم نهدمهما ليسقطا فى التراب، ما هذا الجنون وماذا سيقول التاريخ فى هذا الذى جرى فى عهد هذه الثورة".
بعد هزيمة 1967 ذهب قادة إسرائيل وهم حفاة إلى حائط المبكى .. وهم يبكون أمام الحائط ويشكرون الرب على هذا النصر العظيم، أما الأشاوس المغاوير عندنا – ناصر وعامر – فقد دخلوا فى صراع مرير على السلطة ودم عشرين ألف برئ لم يجف بعد فوق رمال سيناء أى نوع من البشر هؤلاء؟
عبد الناصر سمح لإسرائيل بالمرور فى خليج العقبة عام 1956
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة