ناصر .. الوجه الآخر(5)

السبت، 04 أكتوبر 2008 10:28 م
ناصر .. الوجه الآخر(5) المسلسل يخالف التاريخ فيما يتعلق بعلاقة عبد الناصر ومحمد نجيب
بقلم الدكتور حمادة حسنى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ميلاد الديكتاتور
عمل عبد الناصر ـ مرة أخرى ـ على تدبير خطة استهدفت ضرورة إلغاء قرارات 5 و25 مارس وبقاء مجلس قيادة الثورة، وقد كشف عبد اللطيف البغدادى عن سر خطير فى الصفحة 146 من مذكراته الجزء الأول ص 270 00، وفى 28 مارس بدأت خيوط مؤامرة عبد الناصر تتضح فقد شهدت مصر أضخم حركة اعتصام وإضراب، وذلك بتوجيه من هيئة التحرير والبوليس الحربى بقيادة كل من الرائد أحمد طعيمة والرائد إبراهيم الطحاوى والبكباشى أحمد أنور، وأصيبت حركة المواصلات فى القاهرة منذ الصباح بالشلل التام، نتيجة للقرارات التى اتخذها اتحاد نقابات عمال النقل المشترك برئاسة صاوى أحمد صاوى، والذى شاركهم فيه عدد كبير من النقابات العمالية الأخرى وعاشت القاهرة 48 ساعة بدون مواصلات.
وقد اعترف عبد الناصر لخالد محيى الدين، كما ورد فى الصفحة 350 من كتابه (والآن أتكلم) عن مسئوليته فى تدبير أحداث أزمة مارس، كما يلى: "وقال عبد الناصر بصراحة أنه رتب أحداث أزمة مارس، وتحديداً إضراب عمال النقل وما لحق به من إضرابات ومظاهرات عمالية، وأن ترتيب هذه الأحداث كلفه أربعة آلاف جنيه".

وأغفل المسلسل المظاهرات العارمة التى خرجت تعلن فرحتها بعودة محمد نجيب واعتقال إحسان عبد القدوس وعمر عمر نقيب المحامين وعمر التلمسانى وأحمد حسين زعيم مصر الفتاة، واعتداء أحمد أنور قائد البوليس الحربى عليهم بالجزمة الميرى فى مقر البوليس الحربى بعابدين.

كما لم يُشِر المسلسل إلى خروج المظاهرات العمالية المدبرة أثناء أزمة مارس، التى قادها أحمد طعيمة وإبراهيم الطحاوى من الضباط الموالين لعبد الناصر، والتفجيرات التى دبرها عبد الناصر يوم 19مارس 1954، كما شهد زميل عبد الناصر عبد اللطيف بغدادى فى مذكراته فى الجزء الأول صـ144 قائلاً: وقعت 6 انفجارات يوم 20 مارس 1954م فى وقت واحد فى أماكن متفرقة منها محطة السكة الحديد، واثنان فى الجامعة، وانفجار بمحل جروبى، وقد اعترف عبد الناصر للبغدادى أنها كانت من تدبيره، لإثارة البلبلة فى نفوس الناس وإشعارهم بعدم الأمن والطمأنينة إذا عادت الحياة النيابية وحملهم على التمسك بالثورة.

وفى 29 مارس أعلن صلاح سالم، أن مجلس الثورة حمل المسئولية كاملة على عاتقه وأرجأ تنفيذ القرارات التى صدرت يوم 5 و25 مارس 1954حتى نهاية عام 1955.

وألمح المسلسل إلى تآمر محمد نجيب مع الإخوان المسلمين فى حادثة المنشية لاغتيال عبد الناصر، وقد ثبت كما ذكرنا أن الذى استعان بالإخوان هو عبد الناصر، لأنها دراما قائمة على سوء الظن بكل من اختلف مع عبد الناصر، إلا أن هذه التهمة بقيت دون دليل تاريخى بل العكس هو الصحيح.

كذلك فقد أورد المسلسل طريقة عزل محمد نجيب بأسلوب غاية فى الرقة والتحضر.

والطريف – كما يقول الأستاذ محمد منصور ـ أن كاتب المسلسل صور محمد نجيب فى مونولوج حائر يتساءل ويحاكم ويدين نفسه (ظلمت روحى)، أما المخرج فقد صور ليلة عزله بصورة شاعرية، وقد هطل المطر وبلل غصون الأشجار فى حديقة قصر عابدين، وأن عبد الناصر قال إنه لا يسمح بأى إهانة لمحمد نجيب و
إن قد سبق أن نهر جمال القاضى لأنه تحدث معه بأسلوب غير لائق، وجاء بالمسلسل أن عبد الناصر أمر أحمد أنور قائد البوليس الحربى باصطحاب محمد نجيب إلى منزل زينب الوكيل بالمرج، ولكن الحقيقة أن الذى اصطحبه كان اللواء عبد الحكيم عامر وحسن إبراهيم عضو مجلس قيادة الثورة.

وقد وضع نجيب رهن الإقامة الجبرية فى هذا المنزل طوال عصر عبد الناصر وقد عومل معاملة مهينة وقاسية ولا إنسانية، وقد كتب نجيب فى مذكراته قائلاً: "بعد سنوات من الإقامة الجبرية أصبت بالتهاب فى عظامى وأجمع الأطباء على ضرورة دخولى المستشفى وقد تم السماح لى بعد تردد طويل بالذهاب إلى المستشفى مرتين فى الأسبوع وذات مرة، قابلت أحد جنودى الذين الذين خدموا معى فى فلسطين، فأوقفنى وراح يبكى بشدة فين أيامك، فلما عدت صدر أمر بعدم خروجى من المنزل فعالجت نفسى بعسل النحل".
وعندما توفى ابن محمد نجيب "على" فى ظروف غامضة عام 1967، مثلما حدث تماما مع الملك فاروق 1965، منع محمد نجيب من استقبال جثمانه والصلاة عليه فى جامع السلطان حس، كما يقول فى مذكراته "وبعد توسلات وافقوا على استقباله والصلاة عليه فى المقابر وعلى أن يكون فى الثانية صباحاً وفى اليوم التالى أقيم العزاء بمنزل أخى اللواء على نجيب بمنيل الروضة، وصدر قرار بمنعى من الجلوس فى السرداق، وحرمت من استقبال المعزين".

فأين هذه الوقائع من الصورة التى قدمها المسلسل، ومن قول عبد الناصر أنه لن يتهاون مع من يسئ لنجيب أو يتطاول عليه استكمالاً لصورته كزعيم شاب يستوعب غرور وتحجر ونزوات الرئيس السلطوية.

إن صورة محمد نجيب فى المسلسل واحدة من كثير من الصور المزورة التى قدمها العمل، والتى لا تحترم التاريخ يقدر ما تريد الاقتصاص من أعداء الثورة، ويؤكد ذلك تصريحات وأحاديث المؤلف والمراجع، وكأن أعداء الثورة هم المسئولون عن هزيمتنا عام 1956 وفى حرب اليمن وحرب1967 واحتلال سيناء والضفة وغزة والجولان وتعذيب وقتل المصريين فى السجن الحربى وسجن القلعة وسجن أبو زعبل، وهم المسئولون أيضاً عن حل الأحزاب وإلغاء الدستور وتكميم الصحافة وسحق الرأى الآخر وفصل أساتذة الجامعات عام 1954 وفصل القضاة عام 1969.

فنجيب ليس أكثر من ديكتاتور نائم ميوله النرجسية وحبه لالتفاف الجماهيرى وولعه ببث تصريحات فى الإذاعة، تفضح ما سيكون عليه إذا استمر فى الحكم أما عبد الناصر فهو الضباط المتوازن الذى يحصد جماهيرية يستحقها ويفاجئ الجميع بتواضعه فيما يخطوا خطوات هو أهل لها، باختصار الدراما لم تتعامل بتوازن مع ما كان وإنما حولها المؤلف والمراجع إلى خطاب تمجيدى يموه الحقائق، وجمال عبد الناصر المثالى هو صوره من خيال مؤلف ومراجع، وهى تشبه الصورة التى كان يرسمها هيكل طيلة سنوات حكمه، الذى بطش فيه بكل معارضيه ( يمين - يسار - وسط)، وزج فى السجون والمعتقلات بالكثير من مثقفى مصر، وأسس لحكم الفرد بأبشع صوره وأساليبه الوحشية فى إنهاء الخصوم.

يقول الدكتور إمام عبد الفتاح إمام فى كتابه (الطاغية) الصادر ضمن سلسلة "عالم المعرفة": "أعتقد أن عبد الناصر كان ديكتاتوراً وطاغية نموذجياً وأن كل الطغاة فى المنطقة تخرجوا من عباءته، فهو ناصر مدرسة الديكتاتور ولا جدال فى هذا فهو رجل لم يستطع أحد محاسبته حتى فى أكبر الكوارث التى سببها نظامه".

كما تناولت الحلقة 21، توقيع اتفاقية الجلاء فى يوليو 1954 وظهور شخص ملتح فى مسجد، أشار المسلسل أن اسمه حسن الدوح (الاسم خطأ)، قال إن اتفاقية الجلاء عار على مصر، وذلك فى إشارة إلى موقف همجى للإخوان، ولكن الحقيقة كانت غير ذلك تماماً فهذه الاتفاقية لم يقبل مثلها جلاد الشعب إسماعيل صدقى عام 1946 والنقراشى عام 1947.

أجد من الضرورى العودة لما أورده الراحل توفيق الحكيم، فى كتابه "عودة الوعى ص50"، عندما قال: "جاءنى يوم أن وقع رجال الثورة على وثيقة جلاء الإنجليز بعض رجال الأحزاب السابقة وأطلعونى على بنود الوثيقة، قائلين لى إنها نفس البنود والشروط التى سبق عرضها على مصر ورفضتها الأحزاب جميعا فمن بين هذين البنود، شرط يبيح للإنجليز العودة إلى احتلال مصر إذا تعرضت المنطقة لأخطار الحرب، كما أن السودان وبقاءه مرتبط بمصر كان دائماً الشرط الأساسى لكل مفاوض مصرى على اختلاف الأحزاب، فقد كان مصطفى النحاس دائما يردد أن الصخرة التى كانت تتحطم عليها المفاوضات المصرية دائماً من أجل جلاء الإنجليز هى السودان، ولو سمح لنا بطرح مسألة السودان جانباً لتم الجلاء منذ عشرينيات هذا القرن، ولكن ما من سياسى فى البلد كان يسمح لنفسه بذلك وما كان البلد ليسمح له ومضت الأعوام وجاءت الثورة ووقعت الوثيقة مع الإنجليز على الجلاء المشروط أيضا بعودتهم".

كذلك أغفل المسلسل اعتراض المستشار حسن الهضيبى على اتفاقية الجلاء 1954م، فقد صرح الهضيبى الذى كان يزور سوريا وقت إعلان توقيع المعاهدة للصحف السورية واللبنانية، أن اتفاقية الجلاء اشتملت على الأضرار بمصالح مصر والدول العربية عامة، وقال إن ما نص عليه الاتفاق من جلاء الجنود البريطانيين عن منطقة قناة السويس خلال عشرين شهراً من وقت التصديق على المعاهدة؛ كان متفقًا على أن يتم فى عام 1956م بموجب معاهدة 1936م التى ألغتها مصر، وعلى فرض أن الإنجليز كانوا يأبون الخروج عند نهاية تلك المدة؛ فإن بقاءهم يكون بلا سند قانونى، فما المصلحة فى منحهم هذا السند للبقاء والعودة؟

وأضاف الهضيبى: "أعطى الاتفاق المؤكد الإنجليز حقًّا فى العودة إلى احتلال القناة إذا هوجمت إحدى الدول الموقعة على معاهدة الدفاع المشترك، الذى عقد ضمن نطاق الجامعة العربية أو على تركيا، ولم يكن لهم هذا الحق من قبل، وتركيا كثيرة الأحلاف والأعداء معاً، مما يربطنا ويربط الدول العربية معنا بالمعسكر الغربى فى كل حرب.

واعتبر الهضيبى أن الاتفاق قد اعترف للإنجليز بقناة السويس كقاعدة عسكرية، وأباح لهم احتلال أجزاء منها لم تبن، فاعترف بشرعية القاعدة مع أن معاهدة سنة 1936م لا تعطيهم الحق فى إنشائها حتى يتعللوا الآن بوجودها. وهكذا أقررنا باحتلالهم بوثيقة لصالحهم دون مصلحة لنا فيها.

وانتهت هذه الحلقة بحادثة المنشية والواقع حتى الآن لا توجد أدلة تبرئ الإخوان أو تدينهم دون أن تتولى جهات قضائية محايدة التحقيق فى الحادثة فقد تم تقديم الإخوان إلى محكمة عسكرية برئاسة جمال سالم الذى كان يطلب من المتهمين قراء سورة الفاتحة بالمقلوب .. عموماً فقد اتخذت هذه الحادثة مبرراً قوياً لسحق الإخوان وبث الرعب فى باقى قلوب المصريين وتم اعتقال آلاف من الإخوان للمرة الثانية فى عام واحد (يناير 1954 وأكتوبر 1954) وأثناء حفلات التعذيب المسائية بالسجن الحربى كان يتم إجبار المستشار الهضيبى على الوقوف وفى يده عصا صغيرة (كمايسترو) والمعتقلين جلوس على الأرض ويرددون أغنية أم كلثوم (يا جمال يا مثال الوطنية).

ويبدو أن هذه الأغنية كانت النشيد الوطنى لكل المعتقلين السياسيين من جميع التيارات السياسية، فقد حدث ذلك مع الشيوعيين، فيقول إلهام سيف النصر فى كتابه "فى معتقل أبو زعبل": فى يوم 16/ 2/ 1960 أو يوم الأربعاء الدامى وقف عنبر(1) فى ثلاثة صفوف كل صف يحوى عشرين معتقلاً وقفة انتباه، ووقف أمام العنبر المأمور حسن منير وحوله ضباط المعتقل وعدد من الجنود والسجانة يحملون بنادق وعصى غليظة، وقال قررت أن أعلمكم الغناء تعرفون أغنية "يا جمال يا مثال الوطنية" هيا يا أولاد غنوا.. ولكن المعتقلين رفضوا وهنا اتجه مأمور السجن إلى الدكتور إسماعيل صبرى عبدالله الذى كان يقف فى الصف الأول، وصاح فيه غنى يا ولد ولكن الدكتور إسماعيل رفض وهنا كما يروى إلهام سيف النصر، أخذت تصدر من فم المأمور حسن منير ألفاظ نابية قذرة، وتنهال العصى والشوم على إسماعيل صبرى عبدالله ـ أصبح وزيراً للتخطيط فى عهد الرئيس السادات ـ حتى سقط ورأسه مشجوج تسيل منه الدماء والضربات تنهال عليه بجنون، وتم ضرب العنبر كله حتى أطلق عليه المعتقلون اسم يوم الأربعاء الدامى، فقد أشرف الدكتور إسماعيل صبرى عبدالله على الموت وكذالك أشرف على الموت، عدد آخر من المعتقلين وأغمى على ثلاثين معتقلاً كلهم من عنبر رقم(1).





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة