ناصر.. الوجه الآخر (4)

السبت، 04 أكتوبر 2008 08:37 م
ناصر.. الوجه الآخر (4) عبد الناصر كان وراء أزمة مارس 1954
بقلم الدكتور حمادة حسنى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أكد المؤلف ومساعده فى كثير من الصحف، أنهما لم يتجاهلا دور نجيب كما فعل آخرون، ولكنهما جعلا من حضور محمد نجيب، كما جاء فى الحلقتين 20و21، وسيلة لتلميع صورة عبد الناصر، وإظهاره بمظهر النبيل المتوازن.

يقول السفير رياض سامى السكرتير الصحفى للرئيس محمد نجيب فى حوار صحفى نشر 13/ 7/ 2001 "لولا محمد نجيب وسمعته بين الضباط وحبهم الشديد له لما نجحت الثورة، خاصة وهو الضابط الجسور والوحيد برتبه أميرالاى، والذى حارب إلى جوار جنوده فى فلسطين بدماثة خلق، وهو الوحيد الذى قبل قيادة حركة الضباط الأحرار، إيماناً منه بضرورة التغيير، رغم رفض عزير باشا المصرى وفؤاد باشا صادق قياده ذلك التنظيم.

قصة الصراع على السلطة بين محمد نجيب وجمال عبد الناصر التى اشتعلت خلال شهرى فبراير ومارس عام 1954، لم تنشأ من فراغ، وإنما كانت لها جذور دفينة أخذت تنمو منذ الأشهر الأولى من الثورة، فلم يكن عبد الناصر برتبته الصغيرة وشخصيته المجهولة عند الكثيرين من أفراد الجيش والشعب بقادر على أن يدخل فى منافسة متكافئة مع محمد نجيب بشعبيته الضخمة بين الجماهير ومكانته المرموقة داخل مصر وخارجها، فقد تولى محمد نجيب بعد أقل من شهرين من قيام الثورة ثلاثة مناصب فى الدولة، وهى رئاسة مجلس قيادة الثورة ورئاسة مجلس الوزراء والقيادة العامة للقوات المسلحة، واكتسب نجيب، بالإضافة إلى المناصب الرسمية التى كان يتولاها شعبية جارفة، حيث تركزت عليه الأضواء، باعتباره الرجل الذى قاد الثورة وطرد الملك وأنقذ الشعب من الظلم، وأصبح أمل البلاد فى تحريرها من الاحتلال البريطانى.

وبسبب هذه الهالة حول محمد نجيب وبحكم الغيرة بدأ عبد الناصر فى التخطيط منذ منتصف عام 1953، لإزاحة محمد نجيب عن السلطة بعد أن استفاد منه بإنجاح الثورة وتولى قيادتها وترسيخ دعائمها بفضل رتبته الكبيرة وتمتعه بثقة الجيش والشعب، مما أكسب الثورة مكانة واحترام على المستويين العربى والدولى.

وبدأت خطوات عبد الناصر عندما أصر على تعيين عبد الحكيم عامر القيادة العامة للقوات المسلحة وترقيته من رائد إلى لواء مرة واحدة، كما نجح عبد الناصر بالاشتراك مع عبد الحكيم عامر فى تكوين مجموعات وشلل من الموالين لهم فى مختلف أسلحة الجيش، وهم من الانتهازيين والمنافقين، الذين فاتهم شرف الاشتراك فى الثورة، فأرادوا ألا تفوتهم فرص الحصول على المغانم والمناصب.

وقد تفجر الصراع يوم 23/ 2/ 1954 عندما قدم محمد نجيب استقالته من جميع مناصبه، بعد أن صبر طويلاً على تجاهله وعدم تقدير دوره من أعضاء مجلس الثورة كما عانى من هموم كثيرة فى تلك الفترة كشف عن بعضها فى مذكراته "كلمتى للتاريخ" صفحة 186، وتلخصت معظمها فى أسباب تتعلق باستغلال النفوذ وسحب أموال الدولة، وبعثرتها كمصاريف سرية وصرفها دون حساب وتوزيع بعضها على الأصدقاء والأنصار، مما أفسد ذمم الضباط وضمائرهم.

وأعلن مجلس الثورة فى 25 / 2 / 1954 قبول استقالة نجيب وتعيين عبد الناصر رئيساً لمجلس الوزراء ولمجلس الثورة، وعلى إثر ذلك انفجر الوضع داخل الجيش سلاح الفرسان، بإعلانه تأييد نجيب وخرجت مظاهرات شعبية عارمة مؤيدة له، كما قامت مظاهرات فى شوارع الخرطوم وبعض المدن السودانية، وهى تهتف (لا وحدة بلا نجيب).

وفى 27 / 2 / 1954 أعلن مجلس الثورة عودة الرئيس اللواء محمد نجيب، وكان ذلك يوماً مشهوداً، خاصة أن عودته بهذه الطريقة كانت تعنى أن محمد نجيب لم يعد يتولى قيادة البلاد بإرادة مجلس الثورة كما كان الحال من قبل، وإنما بإرادة الشعب المصرى.

وكان الإخوان خلف هذه المظاهرات التى أعادت محمد نجيب، انتقاماً من عبد الناصر بعد حل جماعتهم فى يناير 1954 ووضعهم فى السجون.

وكان نجيب فى استطاعته استغلال انتصاره الساحق للإطاحة بخصومه من أعضاء مجلس الثورة، ولكن طبيعته وشخصيته الفريدة حالت دون اتخاذه أى إجراءات حاسمة للتخلص من مجلس الثورة، وكان واضحاً أن عبد الناصر وزملاءه قد تلقوا هزيمة مريرة، ولكنهم فى نفس الوقت لم يكفوا عن تدبير المكائد المؤامرات، حتى يقتلعوا نجيب من مكانه، لكى تتاح لهم الفرصة للعودة مره أخرى.

وفجأة أعلن عبد الناصر وبإرادة منفردة قرارات 5 مارس، وتضمنت إلغاء الرقابة على الصحف وإلغاء الأحكام العرفية وانتخاب جمعية عمومية يونيو 1954، وكان القصد منها إزالة ما علق بأذهان الشعب من اتجاهات الثورة الديكتاتورية وإظهار الاستجابة للمطالب الجماهيرية بعوده الحياة الديمقراطية.

ولأن قبضة نجيب كانت قوية عاد عبد الناصر إلى سياسة المناورة مرة أخرى.

وصدرت قرارات 25 مارس، والتى كان أهمها حل مجلس قيادة الثورة يوم 24 يوليو، باعتبار الثورة قد انتهت وتسلم البلاد لممثلى الأمة، والواقع أن إجراءات الثورة فى القمع والتطهير وتصفية القوى السياسية دون تمييز، فضلاً عن سوابقها فى الحنث، بوعودها قد ولدت اتجاهات عدائية وأزمة ثقة لدى جميع القوى سواء العسكرية أو المدينة المناصرة لعودة الديمقراطية، وكان اعتقاد هذه القوى، أن الثورة سوف تتراجع فى هذه القرارات إذا سنحت لها الفرصة لذلك، فقد أخذت تتحرك فى هذا الإطار، فرفعت شعارات عودة الجيش إلى ثكناته فورا وإعادة الحياة النيابية فورا وإسقاط وزارة الثورة وتأليف وزارة مدنية والإفراج عن المعتقلين.


وشنت الصحف، وخاصة جريدة المصرى حملة ضارية على ضباط الثورة، وخاصة تصرفاتهم الشخصية وذمتهم المالية، وأعلن الصحفيون والمحاميون والطلاب وأساتذة الجامعة تأييدهم لعودة الجيش لثكناته وعودة الديمقراطية.

وفى ذلك جرى التسابق بين اللواء محمد نجيب وعبد الناصر على اجتذاب هذه القوه الوطنية السالفة الذكر، فقد نشرت جريدة المصرى 25/ 3 / 1954 تصريحاً للمتحدث باسم الوفد، أعلن فيه أن الوفد متمسك بالنظام الجمهورى البرلمانى والإصلاح الزراعى وعودة الحياة النيابية فوراً، حتى تستقر الأوضاع، ثم وصف اللواء نجيب، بأنه يستحق تقدير الوطن فقد عمل لصالح مصر.

وكانت القوة الشعبية الثانية بعد الوفد هى الإخوان المسلمون، وهم الذين رغم مظاهراتهم التى كانت سبباً لعودة محمد نجيب، إلا أن وجودهم فى السجن فى ذلك الحين وتعرضهم للإيذاء والتعذيب كما جرى لعبد القادر عودة، جعلهم فى مركز يمكن الجهات الخارجية الضغط عليهم، لذلك فقد أرسل عبد الناصر وفدا إليهم فى السجن الحربى، مكونا من محمد فؤاد جلال الذى تولى وزارة الشئون الاجتماعية فى حكومة الثورة، ومعه آخرون للتفاوض معهم، وطالبوا معرفة شروطهم، فقال قاده الإخوان، إن بيان مجلس قياده الثورة بحل جماعة الإخوان المسلمين قد اتهمنا بالخيانة، والتآمر مع الإنجليز، فلا بد من صدور بيان آخر يكذب هذا الافتراء، فأبلغ الوفد هذا الكلام إلى عبد الناصر الذى رد على قاده الإخوان فى السجن الحربى بحل وسط بأن يتم الإفراج عنهم، ثم يقوم عبد الناصر بزيارتهم مهنئاً ويصافحهم، ويكون ذلك هو بمثابة رد لاعتبارهم، وقد وافق قاده الإخوان على ذلك، وبالفعل تم الإفراج عن الإخوان وزارهم عبد الناصر وصافحهم واعتبروا ذلك ردا لاعتبارهم.

وبهذا الاتفاق الذى تم بين عبد الناصر وقاده الإخوان سبق عبد الناصر اللواء محمد نجيب فى أول مناورة، مستخدماً ورقة الإخوان.
ومن جانبه ضمن اللواء محمد نجيب موقف الوفد يوم 25 مارس، بعد أن صرح المتحدث باسم الوفد، بأن اللواء نجيب يستحق تقدير الوطن، وأنه عمل لصالح مصر الكثير.

وفى الحقيقة، أن الموقف فى 25 مارس كان مختلفاً كلية بالنسبة للإخوان عن 28 فبراير، حيث كان الموقف فى 25 مارس يعنى تصفية الثورة، ورجوع الأحزاب، وعودة مصطفى النحاس إلى الحكم، ولكن فى 28 فبراير كان يعنى عوده اللواء محمد نجيب فقط، وفرق كبير بين الموقفين.

والواقع، أن شراء عبد الناصر صمت الإخوان المسلمين فى تلك الفترة الحرجة من تاريخ مصر أصاب الحياة السياسية بالشلل، خاصة أن تكرار مظاهرات 27 و28 فبراير فى ذلك الحين، كان يعد نقدا للاتفاق المبرم مع عبد الناصر.


موضوعات متعلقة:

ناصر .. الوجه الآخر(5)
ناصر .. الوجه الآخر(6)
ناصر.. الوجه الآخر (7)





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة