ظاهرة جديدة فى الحياة السياسية المصرية، أن ترى رؤساء أحزاب مسلحين، سواء كانوا يحملون السلاح بأنفسهم أم يحيط بهم الحرس أينما يذهبون.. الظاهرة لا تقتصر على رؤساء الأحزاب الكبيرة فقط، بل شملت أيضا رؤساء الأحزاب الصغيرة أيضا.. فلا فرق بين حراس الدكتور رفعت السعيد رئيس حزب التجمع المدججين بالسلاح، وبين حراس الدكتور محمد عبد العال رئيس حزب العدالة الاجتماعية، ولا فرق كذلك بين مسدس محمود أباظة رئيس حزب الوفد وبين مسدس أحمد جبيلى رئيس حزب الشعب الديمقراطى.
بل إن الصراع بين أنصار الدكتور نعمان جمعة رئيس حزب الوفد السابق وأنصار محمود أباظة تحول الى مباراة لاستعراض أشرس أنواع الأسلحة الألمانية والروسية والتشيكية. كان يحملها النائب أحمد ناصر ونجله من أنصار نعمان جمعة، وكذلك بعض أنصار أباظة، أما موسى مصطفى موسى رئيس حزب الغد ومقرر مايسمى باتحاد أحزاب المعارضة الصغيرة، فقد طالب الحكومة بتوفير حراسة لرؤساء الأحزاب أمام منازلهم وفى مقراتهم الحزبية، فى حين طالب أحمد عبدالهادى رئيس حزب شباب مصر بتوفير حماية له من تهديدات شباب جماعة الإخوان بقتله، لهجومه على مرشد الجماعة مهدى عاكف...فما هى أسباب انتشار تلك الظاهرة، وما أثرها على الحياة السياسية فى مصر؟
الدكتور أحمد ثابت أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، يرى أن انتشار ظاهرة رؤساء الأحزاب المسلحين جاء نتيجة غياب دولة القانون، وتحكم الأمن فى كل شىء، حتى اختيار رؤساء الأحزاب السياسية، وبالتالى السماح لهم باستعمال أكثر من سلاح، بل وتوفير أشخاص مدربين لحمايتهم مثل الدكتور رفعت السعيد، لإظهارهم فى صورة الناس ذوى الأهمية، وبعض هؤلاء ربما يحب حمل السلاح من أجل الاستعراض والشو الإعلامى.
وهى ظاهرة طارئة على المجتمع المصرى، فلم نعرف عن النحاس باشا زعيم الوفد
أنه كان يحمل سلاحا أويسير بحراس، وهو الذى تولى رئاسة الوزارة أكثر من مرة وتعرض للاغتيال، ومع ذلك كان يسير بين الناس دون أى حراسة. وكان يسلم عليهم فردا فردا وكذلك كان يفعل مكرم عبيد وغيره من الزعماء.
بينما يؤكد وحيد الأقصرى رئيس حزب مصر العربى الاشتراكى، أنه رغم كونه شخصيا يحمل رخصة سلاح، إلا أنه يرفض أن تكون هناك حراسة لرؤساء الأحزاب وغيرها من الشكليات، دون الاهتمام بالتمثيل السياسى اللائق، فالحارس هو الله، ولو أحبك الناس لكانوا درعا لك وحماية من كل سوء.
وأن تكون هناك تعددية سياسية حقيقية وتفعيل للعمل الحزبى، ثم توجد المطالب البروتوكولية بعد ذلك، مثل وجود حراسة أوغير ذلك من الشكليات. فالمفترض فى رؤساء الأحزاب، أن يكونوا مثل رؤساء الوزارات والوزراء فى المعاملة، والمادة 2 من قانون الأحزاب رقم 40 لسنة 77 19. تؤكد حتمية مشاركة الأحزاب السياسية فى مسئوليات الحكم. وأن يكون لهم وضع اجتماعى لائق، ولذلك لا أحبذ الاهتمام بمسألة تسليح رؤساء الأحزاب قبل الالتزام بالعمل السياسى والتواجد فى الشارع .
أما اللواء فاروق المقرحى مساعد وزير الداخلية السابق، فيرى أن هذه الظاهرة ترجع إلى ضعف فى الشخصيات السياسية نفسها، فأنا مثلا طوال مدة عملى ضابط شرطة، لم أحمل سلاحى إلا فى المأموريات فقط، أما رؤساء هذه الأحزاب فهم يبحثون عن الميزات التى تمنحها الدولة لهم، وبعضهم يقوم بترخيص أكثر من قطعة سلاح، للاستعراض فقط أمام أعضاء حزبه الذين لايتجاوزون 50 عضوا، معظمهم من أقاربه والعاملين لديه.
والحقيقة أن هؤلاء يستغلون مواد معينة فى القانون وهى إخطار وزارة الداخلية وصدور شهادات إعفاء لهم، للتصريح بأكثر من قطعة سلاح دون المرور باختبارات نفسية وطبية معينة ودقيقة. وهدف هؤلاء من ذلك المنظرة واستكمال الذات ولفت الأنظار اليهم. بل إن بعض رؤساء الأحزاب يستعملون كلاب حراسة مدربة، أيضا من أجل المنظرة فقط وإظهار أهميتهم وربما إرهاب معارضيهم.
الدكتور أحمد عكاشة رئيس الجمعية العلمية للطب النفسى، يشخص الظاهرة فى صورة مرض تعويضى لرؤساء الأحزاب، فى غياب الأرضية الجماهيرية والشعبية وسط الناس، وهو حسب قوله "مرض جديد فى عالم السياسة.. ولو كانت هناك أحزاب فاعلة ولها جماهير تحميها وتدافع عن مبادئها وأهدافها وقيمها، لما احتاج رؤساء الأحزاب للتعويض عن ذلك بتريخص سلاح، أو الاعتماد على حراس مدربين. وهذه عملية نفسية بحتة، فإذا كان رئيس الحزب لا يستطيع حماية نفسه، فكيف سيحمى جماهيره ويمنحهم الأمان والغطاء النفسى المطلوب لهم.
