غادروا قاعات حفلات الاستقبال وتوجهوا إلى ردهات المحاكم، نزعوا الياقات البيضاء وفكوا أربطة العنق ليعلنوا الحرب على وزارة الدبلوماسية ووزيرها أحمد أبو الغيط. فارق كبير بين مهامهم السابقة وأدوارهم الحالية، وشتان بين تقاليد الإتيكيت التى أتقنوها وبين قواعد التعامل فى دهاليز المحاكم. بعضهم قرر التفرغ لملاحقة أحمد أبو الغيط وزير الخارجية، وآخرون يطالبون المحاكم برد حقوقهم .. سفراء وزارة الخارجية توافدوا إلى المحكمة، ولكل منهم حكاية. أوراق القضايا تفضح المستور فى سفاراتنا فى الخارج، وقبلتهم على نيل القاهرة.
محمد حمزة عليش .. سفير مصرى أوقعته الظروف فى مواجهة الخارجية من خلال دعاوى قضائية اتهمته فيها بالاستيلاء على المال العام أثناء تواجده بسفارتنا بدولة الإكوادور مما أوجب عزله، فلجأ إلى ساحات المحاكم، حيث حصل على حكم لصالحه اكتفى بتوجيه اللوم، لكن الوزارة طعنت على الحكم، وقالت إنه ارتكب عدداً من المخالفات، منها الاستيلاء على المال العام بغير وجه حق وتسهيل ذلك للغير، عندما اشترى مبنى سفارة مصر فى كيتو بمبلغ يزيد نصف مليون دولار أمريكى على قيمته الحقيقية، وأنه حصل على نسبة 30% من إجمالى قيمة التأمين على مبنى السفارة من جانب شركة التأمين، وعرض وآخرون على الهيئة العامة لصندوق تمويل مبانى الوزارة سعراً رأت أنه مبالغ فيه، بالإضافة إلى بيع 4 شقق مملوكة للهيئة لشخص بأسعار منخفضة، مع خصم مبلغ 70 ألف دولار من إجمالى المبلغ، وإهماله فى الإشراف على أعمال إصلاحات خاصة بمبنى السفارة، مما أدى لحصول المقاول على مبالغ تزيد عن حجم أعماله الفعلية، بجانب مخالفات أخرى، أهمها إذاعته فى الصحف الإكوادورية أن البعثة المصرية ترعى حفلات الرقص الشرقى وقراءة الفنجان. ومازالت القضية منظورة.
حالة أخرى سفير مصر السابق فى جيبوتى أحمد فؤاد، الذى وقف أمام محكمة القضاء الإدارى، يروى تفاصيل مظلمة. قال إنه تم إبعاده عن منصبه كممثل لمصر فى إحدى دول القرن الأفريقى بعد اتهامات أخلاقية له من وزارته، مؤكدا أنها اتهامات غير حقيقية الهدف منها التخلص منه، وأن الوزير أبو الغيط تعسف معه وقرر نقله إلى القاهرة وتخطاه فى الترقيات. فشلت وزارة الخارجية فى إقناع المحكمة بما نسبته إلى السفير، فقررت إلزام الوزارة بتعويض السفير بمبلغ 30 ألف جنيه من خزينة الخارجية، وبعد أيام من الصرف عادت الوزارة لمقاضاة السفير وطالبته برد التعويض فى دعوى تحمل رقم 8529 أمام الإدارية العليا، وجاءت المفاجأة التى لم يتوقعها، المحكمة ألزمت السفير برد المبلغ مع الفوائد .. السفير قرر مواصلة حربه القضائية ضد وزارته، حيث يقول إن الاتهامات الأخلاقية غير صحيحة، وادعاء الوزارة بأنه غير قادر على إدارة شئون البعثة المصرية فى جيبوتى غير دقيق، لأنه سيقدم حافظة مستندات تؤكد إنجازه الجيد لعمله.
زينب حسن شكرى قنصل مصر العام فى فرانكفورت، والتى عادت لعملها مؤخرا، هى الأخرى اختارت المحكمة بحثا عن البراءة. اتهمتها الخارجية بإهدار سبعة ملايين جنيه من المال العام، قيمة وديعة بأحد البنوك الألمانية خصصتها الدولة للإنفاق من فوائدها على العلاج، إلا أن القنصل، وحسب وزارة الخارجية، قامت بفك الوديعة ..واستخدمت ختم "النسر" فى تسهيل السحب من البنوك لصالحها، وهى التجاوزات التى تقول الخارجية إنها السبب فى إحالة السفيرة إلى مجلس تأديب دبلوماسى مرتين، وتقرر معاقبتها باللوم مع إلزامها برد الأموال التى تقول الخارجية إنها استولت عليها. ولم تقبل السفيرة بقرار مجلس التأديب، وقررت اللجوء إلى المحكمة، وأثناء نظر القضية فوجئت السفيرة بصدور قرار إحالتها إلى المعاش. وبعد أشهر فى دهاليز المحكمة قررت محكمة القضاء الإدارى إلغاء قرار الوزير والاكتفاء بعقوبة اللوم، وذلك بجلسة 2 فبراير الماضى، وبالطبع لم تقبل الخارجية وفضلت بدء جولة جديدة من القضايا.
وزير الخارجية قال فى طعنه الذى يحمل رقم 8228 لسنة 54 قضائية عليا، إن قرار الدائرة الرابعة جاء مخالفا للقانون، مما يجعله مشوباً بعيب البطلان واعتباره كأن لم يكن، بعد تعمد السفيرة إقامة دعواها أمام دائرة غير مختصة، ولكن الإدارية العليا قضت لصالح السفيرة وتأييد قرار الاكتفاء بعقوبة لومها فقط، وهو ما يعنى رجوعها إلى عملها بمقر ديوان الوزارة، ولكن بدلا من تنفيذ الوزارة ذلك قامت بإقامة استشكال أمام القضاء الادارى لوقف تنفيذ الحكم، وبدورها تقدمت السفيرة باستشكال مضاد أمام الإدارية العليا التى أصدرت لها قرار توجيه اللوم، للمطالبة بالاستمرار فى تنفيذ ذلك القرار مع إلزام الخارجية بعودتها للعمل، وهو ما اعتبرته السفيرة مماطلة لامبرر لها بعد تبرئتها من الاختلاسات وإهدار المال العام الذى أدى إلى إحالتها للمعاش، خاصة وأنه لم يتبق لها على بلوغ السن القانونى للإحالة للمعاش سوى عام ستحاول الوزارة المماطلة فيه حتى لاتعود للديوان، لذا قررت تنفيذ قرار عودتها والاستمرار فى تنفيذ حكم الإدارية الصادر لها مع إعلانها أنها ستتقدم ببلاغ للنائب العام تتهم فيه وزارة الخارجية بسبها والتشهير بها بعد الادعاء عليها واتهامها باختلاس وسرقة أموال وديعة بلغت 15 ألف يورو، بجانب اعتزامها القيام برفع جنحة عدم تنفيذ حكم قضائى مختصمة الوزير أحمد أبو الغيط، مما سيعرضه إلى أزمة حقيقية إذا لم ينفذ القرار، حيث سيتعرض لعقوبة الحبس أو العزل، إلا أن الأيام كانت كفيلة بحل أزمة السفيرة زينب، التى صدر قرار من وزارة الخارجية بعودتها من جديد لعملها بديوان الوزارة، بعد صراع ظل لعدة سنوات مطروحا على ساحات القضاء .
محمد الخضرى، سفير سابق وشغل منصب قنصل مصر العام فى ملبورن بأستراليا، قرر اللجوء إلى القضاء الإدارى ليشكو وزارته بل ويتهمها بالتحايل .. الخضرى قال إنه عمل لثلاث سنوات فى ملبورن ثم سفيرا لمصر فى الكونغوبرازفيل، حتى فوجئ بعد خروجه إلى المعاش بالخارجية بأنه تصرف علاواته بالجنيه المصرى ، مع أن القانون يلزمها السداد بالدلاور، وهو ما اعتبره الخضرى تحايلا على القانون وإهدارا لحقوقه، واتهم موظفى الشئون المالية بالخارجية بالتلاعب، وطالب بصرف باقى مستحقاته بالدولار .
"نحن لسنا ملائكة وإنما بشر"، بهذه العبارة بدأ المحامى عصام عبد الرحمن والسفير السابق لمصر فى دولة مالاوى حديثه، مؤكداً أن أعضاء السلك الدبلوماسى من أفضل العناصر الموجودة بالخارجية المصرية عن غيرها من الدول، ولكن الانحرافات المعروضة أمام المحاكم والتى لم يخرج بعضها حتى الآن من ديوان عام الوزارة، هى مجرد انحرافات شخصية لايمكن مقارنتها ببقية الانحرافات التى تحدث بشكل يومى داخل بقية الوزارات، وأرجع السفير السابق ذلك إلى شدة الحرص على اختيار السفراء، دون الالتفات إلى بعض السلبيات والتجاوزات الموجودة بالوزارة فى ظل أحمد أبو الغيط، مشيراً إلى وجود قوانين تعاقب وتحمى فى الوقت ذاته الدبلوماسى، ومنها المادة 58 من قانون السلك الدبلوماسى والقنصلى، والتى تنص على أنه يجب على الدبلوماسى الالتزام بقواعد الدولة المتواجد بها حفاظا على سمعة الدولة المنتمى إليها ، أيضا تنص المادة 75 من ذات القانون على أن الجزاءات التأديبية التى يوقعها مجلس التأديب هى الإنذار واللوم والإحالة للمعاش، ثم الفصل من الخدمة فى تدرج عادل ..
السفير عبد الله الأشعل قال: الوزارة مليئة بالأخطاء والمخالفات منذ عهود كثيرة أفضلها كان عهد الوزير عصمت عبد المجيد، والخارجية تضم 180 سفارة بالخارج تنفق عليها مبالغ مهولة تصل إلى 3 مليارات دولار ، والفساد موجود والعيب فى النظام ككل، وهو راجع لتسيب الدولة وتفككها مما يؤدى لضياع هيبتها، وضعف بقية أجهزتها. السفيرة زينب شكرى بعد عودتها علقت على أزمتها مع الخارجية بأن حقها عاد إليها، وأن أسوأ العهود هو عهد أحمد أبو الغيط، والدليل الكم الهائل من القضايا المنظورة أمام المحاكم، والتى من بينها طلب سفراء لعلاوات ومقابل إجازات.
لمعلوماتك..
7 ملايين جنيه قيمة وديعة خصصتها الخارجية فى أحد البنوك الألمانية لقنصل مصر العام فى فرانكفورت للإنفاق على العلاج.
سفيرة سابقة تؤكد أن وزارة الخارجية فى عهده شهدت أعلى نسبة قضايا
دبلوماسية التقاضى.. أبو الغيط فى ساحات المحاكم
الجمعة، 31 أكتوبر 2008 07:43 م
سفراء الخارجية تفرغوا لمقاضاة أبو الغيط
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة