◄ اللواء هتلر طنطاوى: العبرة ليست بالتعدد أو الدمج ولكن بقيام كل جهاز بدوره
◄المستشارة ليلى جعفر: بل جهاز واحد أفضل حتى نتخلص من الارتباك والتعارض
هل يمكن توحيد أجهزة الرقابة فى مصر داخل جهاز واحد فقط؟!
لو كانت العبرة بعدد مواد قوانين العقوبات، لكانت مصر أقل دول العالم فى نسبة الجرائم، من سوء حظنا أن العبرة بالتطبيق، وليست بالتشريع، ولو كانت العبرة بعدد الأجهزة الرقابية لكانت مصر أقل دول العالم فى قضايا الانحراف والاختلاس والرشاوى والفساد، من سوء حظنا أن العبرة بالإنجاز وليست بكثرة اليفط.
لو أردنا الحديث عن الرقابة فى مصر بوجه عام، سنقول إن هناك برلمانا يراقب الأداء الحكومى، ويمتلك سحب الثقة من الحكومة التى لا تراعى مصالح الشعب، فهل فعلها مرة؟!
بالطبع لم يفعلها، وما نظنه سيفعلها مستقبلا، ذلك أننا نأخذ من الرقابة شكلها وليس معناها.
فإذ كان القياس واجبا على مجلس الشعب، فماذا يمكن أن يقال عن الأجهزة الرقابية الأخرى الأقل درجة؟
ماذا يمكن أن نقول عن الرقابة الإدارية، والجهاز المركزى للمحاسبات، ومباحث الأموال العامة، والكسب غير المشروع، والبنك المركزى المصرى، والتفتيش القضائى، وإدارات الرقابة المحلية الموجودة فى كل زقاق وحارة وشارع فى مصر بشكل يثير الرعب، وإنجاز لا يختلف عن إنجاز «نبوت الغفير».
تلك مقدمة طويلة كانت مناسبتها، أن هناك تفكيرا جديا داخل أروقة حكومة الدكتور نظيف بدمج أجهزة الرقابة فى جهاز واحد، قادر وفاعل وقوى، يتبنى هذا الاقتراح الدكتور محمود محيى الدين، وزير الاستثمار وهذا يعنى أن الرجل يرمى إلى الرقابة على القطاعات الاقتصادية والمصرفية والمالية فى مصر، مع اتساع السوق، وتفرغ وزراء القطاع الاقتصادى لسد الثغرات أكثر من العمل على زيادة الإنتاج.
ويعلم وزير الاستثمار، مثلما يعلم رئيسه الدكتور نظيف، أن الطريقة التى «هربت» بها أموال البنوك المصرية مع رجال أعمال إلى الخارج، إنما هى نتيجة لوجود ثقوب واسعة جدا فى سور الرقابة المالية، ويعلم كل شخص قريب من مطبخ صنع القرار فى مصر، أن الأموال أريقت على مشروعات فاشلة، لم تقم جهة محترمة بعمل دراسة جدوى لها، ومن ثم تم وضع سيولة البلد فيها بعشوائية وإهمال، إنما جاء نتيجة غياب الرقابة الحقيقية على كبار الموظفين فى الدولة، من أول مجلس الوزراء إلى أصغر موظف فى وحدة صحية صغيرة بقرية مصرية بعيدة.
وتعالوا نقيس حجم الخسارة التى تجرعتها مصر، ونقارنها بحجم القضايا التى وضعت على مكاتب المستشارين، محمد عبدالعزيز الجندى، ورجاء العربى، وماهر عبدالواحد، ونواب عموم مصر طوال السنوات الماضية، لنعرف أنها مجرد قبضة رجل متواضعة، انتزعت من هرم فساد يبدو عصيًا على الهدم، لأننا على ما يبدو نعشق الأهرامات أيًا كانت.
ربما لا يوافق كل أعضاء الحكومة على توحيد الأجهزة الرقابية فى جهاز واحد، بدعوى أن كل جهاز منها متخصص فى قطاع مختلف عن الأجهزة الأخرى، وربما ينبنى الرفض على أن العيب ليس فى التعدد ولكن فى ضعف السلطات الممنوحة لكل جهاز، وبالتالى يصبح العلاج الناجح هو منحها المزيد من السلطات ،خاصة وقد تشعبت الأسواق والمصالح، وتعددت القنوات بما يؤكد الحاجة إلى التعدد وليس الدمج.
المستشار عبدالعزيز الجندى، النائب العام الأسبق مثلاً، يرى أن مسألة الدمج وإن كان يمكن تطبيقها نظريا، إلا أن دمجها عمليا سيكون أمرا فى غاية الصعوبة، بسبب أهمية «التخصص»، فالرقابة الإدارية - مثلا - لا يمكن أن تتخلى عن دورها فى مراقبة السلوك الوظيفى للعاملين فى أجهزة الدولة، وهو أمر مختلف عن المهام المنوطة بأجهزة أمنية أخرى، فلكل مهام محددة، تتطلب خبرة ناتجة عن التخصص فى ممارسة عمل ذى طبيعة واحدة لمدة طويلة.
لكن المستشار الجندى - وهو المعروف بدقته - لا يرفض الأمر على إطلاقه حين يستدرك بالقول: لكن الأمر مختلف إذا كنا بصدد الحديث عن الاقتصاد، فهذا الأمر بالذات يتطلب جهازا رقابيا واحدا كمنبع ومصب، لكى يضبط الآلية الاقتصادية فى هذا البلد، وسرعان ما ستنعكس إيجابيات هذا الدمج على الاقتصاد المصرى.
وعلى قدر التوازن الذى تعكسه رؤية النائب العام الأسبق، لا يمكن أن نتجاهل رؤية المستشار حسنى عبدالحميد، مساعد المدعى العام الاشتراكى السابق، والذى ظل نجما طوال فترة الثمانينيات نظرا لقضايا الفساد التى حقق فيها، المستشار عبدالحميد له رؤية محيرة إلى حد ما، فهو يرى تعدد الأجهزة الرقابية فى مصر بهذا الشكل أمرا يثير الريبة، ويشكف عن محاولة مسبقة لتمييع المسئولية، بل إنه يشبهها بتعدد الزوجات، كما أنه يرى فكرة دمج الأجهزة الرقابية فى جهاز واحد غير صائبة، فما هو اقتراحك يا سيادة المستشار؟
إنشاء جهازين فقط، هذه هى وجهة نظر مساعد المدعى العام الاشتراكى السابق، بحيث يضطلع الأول بالمسئولية الاجتماعية، فيما يتولى الجهاز الثانى المسئولية الجنائية، وبتفصيل أكثر يقول: ليس من المقصود أن يسند إلى شخص واحد الرقابة على مسئوليتين مختلفتين، ولهذا يجب مراجعة اختصاصات كل جهاز قائم حاليا لمعرفة أوجه التكرار، حتى يتسنى التعرف على المطلب الحقيقى الذى يحقق الغرض، ويعلق الأمر على شرط غاية فى الأهمية، وهو أن يقع عبء الرقابة على من هو أهل للنهوض بذلك، حتى لا يتحول الأمر إلى فاسدين يراقبون فاسدين.
هل تعدد أجهزة الرقابة كان يضايقك فى عملك، أم كان يكمل الصورة أمامك؟
حين وجهنا هذا السؤال إلى المستشارة ليلى جعفر، رئيس هيئة النيابة الإدارية السابقة، باعتبارها جهة تحقيق، وليست جهازا رقابيا أجابت: بالعكس.. كان الأمر يربكنى خاصة أن كل جهة كانت ترسل لى ملفا يضم وجهة نظر مختلفة عن الجهة الرقابية الأخرى، وهذا انعكس سلبيا على عملى، ولذلك أنا من أنصار دمج الأجهزة الرقابية فى جهاز واحد.
فورًا يرد اللواء هتلر طنطاوى، الرئيس السابق لهيئة الرقابة الإدارية على المستشارة ليلى جعفر بقوله: العبرة ليست فى تعدد الأجهزة أو دمجها.. بل فى قيام كل بدوره على الوجه الأكمل، لأن كل جهاز مختص بحماية المال العام فى جزئية معينة، وفى إطار حدده القانون، ومع أن الرقابة الإدارية تمارس عملها بشكل عام، إلا أننى مصر على أن المسألة ليست فى الدمج أو التعدد.
اللواء فاروق المقرحى، رئيس مباحث الأموال العامة السابق، يهون من الأمر ويقول: ليس لدينا خمسون أو ثلاثون جهاز رقابة حتى ندمجها فى جهاز واحد، كل الحكاية أربعة أجهزة فقط، تتوزع عليها الاختصاصات الاقتصادية والسياسية والجنائية، وأرى أن المطالبة بإلغاء بعض الأجهزة مثل الأموال العامة، والرقابة الإدارية تأتى دائمًا على ألسنة أصحاب رؤوس الأموال والأغنياء الجدد، بما يوحى بأنها قولة حق يراد بها باطل ،لأن فكرة ضم الأجهزة تعنى خلق جهاز واحد سيتحول فى النهاية إلى مركز قوة وبالتالى لن تحل المشاكل التى نشأ بسببها
هذا الاقتراح.
لمعلوماتك..
◄4 أجهزة رقابية فى مصر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة