تجاعيد وجهه عايشت أربعة عصور.. ولا يرى فرقا بين الرؤساء «كلهم البلد بلدهم»

مصر التى فى ملامح الريس دقدق

الخميس، 30 أكتوبر 2008 03:23 ص
مصر التى فى ملامح الريس دقدق سائحون يستمتعون بمركب عم «دقدق» - تصوير أحمد إسماعيل
محمد البديوى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الريس دقدق، «مراكبى» من الزمن الجميل، تجده يومياً عند مرساه الشهير «مرسى دقدق» على شاطئ النيل أمام فندق الفورسيزون، اسمه أحمد إبراهيم الدجوى، ولد عام 1923 فى عشة صغيرة على الشاطئ، أقام بها مع والده وأهله الذين ورث عنهم المهنة، يرى البحر النيل سر وجوده.. على ضفته ولد، وعلى ضفته يتمنى أن يموت.

منذ طفولته كان يتميز بـأنه «شقى وفهلوى».. ولذلك أطلق عليه اسم دقدق، تجده هناك منذ الثامنة صباحاً حتى الثامنة ليلاً، يستقبلك بسمرة وجهه المحفورة عليه تفاصيل حياته الشاقة.. وابتسامته العبقرية. بحميمية شديدة يحدثك عن طفولته وعن البحر: «أنا ابتديت مع والدى فى البحر من طفولتى، مارحتش مكان تانى، كأن المركب عيل من عيالى، اتعلمت النجارة والنقاشة علشان أصلح المركب وأصنعه بإيدى، وكنت أعمل القلوع بإيدى، لغاية ما الناس بدأت تعرفنى».

من الحديث عن المراكب والنيل يأخذك، ليصف طبيعة عمله قبل بناء السد العالى: «زمان ماكنش فيه شغل فى 7 أشهر الشتاء، كنت أسافر اشتغل فى أسوان على بواخر السياحة، وفى فترة أخرى من أيام الفيضان كنا نحمل المراكب على عربية كارو ونأخذها لترعة المريوطية بالهرم، ماكنش لسه فيه عمران وكانت الدنيا حلوة أيام الفيضان...كنا بنقدرنشتغل».

الحياة استمرت بالنسبة للريس دقدق على هذا الحال حتى بناء السد العالى، وبعد عام 1960، استقر فى مكانه الحالى، ليؤسس مملكته الخاصة «مملكة دقدق»، التى صنعها بجهده وعرقه وكفاحه: «كانت عندى صحة يا ولدى بس عجزت، ربنا يخلى لى أولادى وأحفادى».

الريس دقدق تزوج وأنجب 4 أولاد وبنتا.. حرص على تعليمهم جميعاً، وتوفوا جميعا.. إلا ابنه «محمد» الذى يعمل هو وأحفاده معه، ولم ينفصل عن أحفاد أبنائه، تولى رعايتهم أيضا.. وأصر على تعليمهم. ويبلغ عدد أحفاده 16 ولداً.. يقول: «ربنا يخليهم هما اللى شايلينى ومفرحين قلبى فى الدنيا».

«الحياة» كانت المدرسة الحقيقية التى التحق بها الريس دقدق، علمته الكثير.. حتى اللغات الأجنبية تعلمها نطقاً «أنا بتكلم كل ملة، اتعلمت الهندى والإنجليزى والطليانى والفرنساوى»، لكنه تعلم واحترف لغة البحر، ويظهر ذلك فى مفردات كلامه، عندما يصف العمر قائلاً: «أنا عجزت ومش فاكر حاجة..الإنسان زى السمك الصغير.. يكبر علشان يضيع ويروح.. أنا قربت أروح.. ومش قادر أنزل المركب.. عاوز أرجع لشبابى».

حياته وسط المياه، ومكانه وإصراره ودأبه وأدبه وإتقانه لعمله، جعلت منه مقصداً لكثير من الممثلين والأجانب الذين يعجبهم «نظامه«. عم دقدق شارك فى كثير من الأفلام الكبيرة على الشاشة، مع أشهر الممثلين مثل عبد الوهاب، وأم كلثوم، وعبد الحليم حافظ، وشكوكو، وتحية كاريوكا، وشادية.

وعن نفسه يحدثك بمزاج وضحك: «أنا كنت زمان طول فى عرض، شعرى أسود ومسبسب، أنا راجل خفيف الظل..معجباتى كانوا كتير.. والناس كلها بتحبنى، سواء عربا أو أجانب..حب الناس عندى بكنوز الدنيا.. البحر حياتى وعمرى.. بلاقى فيه الماء والخضرة والوجه الحسن.. يعنى أحلى حاجة فى الدنيا».

رائحة التاريخ تشتمّها بقوة فى الريس دقدق، فقد عاصر الملك فاروق وشهد فترة الثورة وعبد الناصر والسادات.. ومبارك. عن الفرق بينهم يضحك ويقول بتلقائيته وبساطته المدهشة «البلد بلدهم وهم حرين فيها..تتغير يمين شمال أنا معرفش حاجة وماليش دعوة.. أنا لى أكل عيشى».

لكنه يعود سريعا ويتأسف على حال البلد: «البلد دلوقت مش عارف إيه إللى حصل ليها.. زمان كنا نصنع المراكب من الخشب.. دلوقتى بتيجى جاهزة من إسنا ومصنوعة من الحديد، كانت الفلوس قليلة بس فيها بركة.. دلوقتى المية جنيه بتطير فى الهوا ولا تساوى تعريفة من بتوع زمان».

ورغم حزنه البادى، بمجرد أن تنظر إليه.. ترى رجلاً لم تكسره الحياة المؤلمة، منطلقاً بمرضه وأعوامه التى يحملها على كاهله، تتمنى لو تصبح مصر كلها بحجم الريس دقدق... وجه يُحفَر فى ذاكرتك ليعيش.. ويعطيك الأمل فى الحياة.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة